الأخ الطيب مصطفى تناولت صحيفتكم عدة أمور ومواضيع وأحداث مختلفة.. منها السياسية والاجتماعية والعقائدية والرياضية وأخرى.. ومن الطبيعي أن ترتبط أو تتعلق كل تلك المواضيع والأحداث أو بعضها بمواطنين سودانيين من أهل هذا البلد وترابه.. وهذا ما وددت أن أتحدث فيه دون ذكر لعنوان أو لصفحة، إلاّ إن كان نكراناً أو تعاتع. أود أن ألفت نظرك وأجادلك في اثنين: الأولى: أولاً: ذكرت أن الإمام الصادق المهدي بأمر الله ابن الأكابر قال «إن من حق هذه الفصائل الاحتفاظ بأسلحتهم ومواقعهم إلى حين التوصل لاتفاق سياسي عادل»، هذا كل ما قاله الإمام، وقلت أنت إنك تعجب أن يبرر للحركة الشعبية حربها وأنه يخون الشعب وقواته المسلحة وشهداءها ويقف مع عقار والحلو وعرمان وغيرهم من عملاء دولة الجنوب، وترى أن الدولة أصبحت دولة إباحة سياسية، وأنك تخاطب الأخ رئيس الجمهورية طالما أن وزارة العدل أخفقت في استصدار قانون يحمي كرامة الدولة، وأنهيت حديثك بضرورة الاهتمام بالتربية الوطنية في المناهج، طالما أن شعبك أصبح أكثر توحداً حول هويته وعاداته وتقاليده وتاريخه وجغرافيته. وأقول لك: إنك تتحدث بلسان الآخرين وكأن حواء السودان لم تلد غيرك.. إجراءات الحكومة منهاج سياسي قد يتفق الناس عليه أو يرتطموا فيه أو يختلفوا.. وفي كل الدول المتحضرة هنالك مُعارض قد لا يتفق مع الحكومة.. كما أن من حقه الإدلاء برأيه.. والشعب هو الذي يؤيد هذا أو ذاك أو هذه السياسات أو تلك.. كما أن للحكومة أن تراجع أو تغير أو تبدل.. فكما أنك تؤيد انفصال الجنوب فهنالك العشرات والآلاف بل الملايين لا يؤيدون ذلك.. فالأمر يتعلق بوجهات نظر وخبرات مكتسبة وقناعات.. ولا يجوز لك الحجر على عقول الناس وطريقة تفكيرهم وحِسبتهم للأمور.. ففي بريطانيا تظاهر الناس ضد قرار الحكومة حين قررت تاتشر غزو الفوكلاند.. وهاجم الناس بوش وتظاهروا بواشنطون وقذفوا رئيس الوزراء بلير بالطماطم ووصفوه بالكذب، وذلك حين قررا التدخل في العراق.. ولم يسيء أحد لأحد ولم توجه تهم الخيانة لأي مواطن.. وفي أمرنا نحن أهل السودان.. كثير منّا يرون أن الأمر كان يمكن أن يعالج دون قتال.. وكثير يرون أن الدولة استعجلت الأمور ولم تعط الفرصة الكافية لحل المشكلات.. وفي جانب آخر كثير من الناس يرون أن الحركة الشعبية تمادت وأنه لم يكن هنالك بدٌ من الحرب.. وحتى اليوم نجد من يخاطب الحكومة ويتفاكر معها لإيقاف الحرب والبحث عن حلول أخرى.. وفي النهاية لا تحاكم الناس وتحكم عليهم بما تراه أنت.. فالرؤى مختلفة.. ومالك عقار والحلو وعرمان وكل من اختلف وخالف من أهل هذا البلد سوداني نشأ وترعرع وافترش ترابها والتحف سماءها وله فيها ما لك.. وقد يكون أحدهم أقرب لله مني ومنك أو قد يعمل عملاً «يدَخِّلو الجنة وإنت تكون حايم بي برّه سأكت».. أما أن تومئ بحديثك إلى الإباحية السياسية أو أنك تنبح أو أنك ستخاطب الرئيس مباشرة.. فإنك تقصد من وراء ذلك أن تستعدي الحكومة على الناس أو على من يختلف معك.. وهذا لا يخفى على «طفلٍ يُلوِّح بمصّاصته»، وهو تفكير مسطح مضحك وأمر لا يليق بمن هو في عمرك.. فالرئيس ليس تحت رهن إشارتك.. كما أنه ليس بأركان حربك ليأتمر بأمرك.. وإن كان هو رئيسك فهو رئيسٌ للآخرين. وهناك حديثك عن القانون الذي يحفظ كرامة الحكومة وتبريرك لذلك ألا يُضطر الأمن للتصرف بطريقة تخالف القانون.. فهذا استعداء فطير آخر.. فالأمن إن خالف القانون فذاك تقصير من مسؤوليه، ويكون أمراً تهتم به وتعالجه الجهة المختصة.. و «حكاية المديدة حرقتني دي حكاية ساذجة ومكشوفة» ولا تُغني عنك شيئاً.. أما كرامة الحكومة فلا تحفظ بالتسلَّطِ واستصدار القوانين التي تكمم الأفواه.. لكن تحفظ بالعدل بين الناس والمساواة وإحقاق الحق وإعانة المحتاج وتلبية رغبات المواطن وأمنه وحمايته وتنمية الخدمات في السكن والصحة والتعليم ورعاية الشباب.. وإطلاق الحريّات في الفكر والعقيدة والرأي وفي ما يُكتب.. ثم الاجتهاد في تنمية إنسان هذا الوطن وإيجاد فرص العمل والخلق والابتكار لتطوير الاقتصاد والاستفادة من الموارد والثروات. ثانياً: يمكن أن يكون لك رأي شخصي يخصك.. كأن تقول أنا أرى أو أن هذا رأيي.. وللمرء أن يؤيدك أو يتركك لما تعتقد.. وهذا نهاية حرياتك في إبداء الرأي.. أما أن تتحدث باسم الشعب والقوات المسلحة ومن تعتقد أنهم شهداء.. فإن لذلك أصولاً و قوانين وعرفاً.. فإن تتحدث باسم الشعب وجب أن يوكلك الشعب.. ويتأتي ذاك بالترشُّح ثم الانتخاب «انتخاب غير مخجوج» أو التعيين وفقاً للقانون.. وفي العرف قد يتم اختيارك بالتزكية أو التراضي لنسبك أو علمك أو سيرتك.. أو صلاح بيئتك التي نشأت أو إن كنت من علية القوم أو النبلاء أو الأكابر.. أما أن تتحدث باسم القوات المسلحة فهذا يتطلب أن تكون من قادتها.. تدرجت في رتبها وحملت نياشينها وخبرت ميادينها وتعلمت علمها ودرست فنون القتال وإدارة الرجال.. وعرفت الفرق بين الإحاطة والتطويق أو استخدام الأرض الميتة واستغلال الهيئات الحاكمة وتوزيع النيران والإلمام بأوجه الحرب الأربعة.. وإن تحدثت عن الشهداء فعليك أولاً علمُ من حقت له الشهادة.. وأي الفئتين الباغية وأي الفئتين في النار.. طالما الجمعان يشهدان أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله.. ولنترك ذلك لعلماء الدين والذين لا يألون السلطان خبالاً. الثانية: قال العزيز الرحيم الذي خلقني وخلقك.. يدعو للسلوكيات الطيبة التي أرادها لعباده، منها التحاور بالأسلوب المناسب المتحضر «وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزع بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبيناً» ويدعو لاجتناب الخلق الرذيل «وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون»، ودعوة للوفاء بالعهد «وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً»، ودعوة لترك النهي دون علم وتحقق «ولا تقفُ ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً»، وتبجيل وإكبار قيمة الخُلق الحسن «إنك لعلى خلق عظيم» وآيات أخر كثيرة.. كذلك في تبيان محمد بن عبد الله خاتم النبيين صلوات الله عليه وسلامه: بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق.. أكثر ما يدخل الناس الجنة، التقوى وحسن الخُلق.. إن العبد ليدرك بحسن خُلقه درجة الصائم القائم.. أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً.. ليس في الميزان أثقل من حسن الخُلق.. وأحاديث أخرى.. توافق تام واضح في المعنى والمضمون لما يحب الله ورسوله.. وفي صحيفتك تصف كل يوم مسلماً بأنه تافه أو جبان أو خائن أو ديوث من الأراذل.. أو يشبّهُ فيها الرجال بالنساء.. أو أنك ستردّ على الناس قولهم بأي السبيلين شاءوا.. ووصفهم في بعض الأحيان بما يخرج من المعدة.. وأسألك أن تفتينا عن إسلامك هذا الذي لا تلزم فيه ما قال الله وما قال رسوله.. وهل شريعتكم التي تنادون بها من نفس نوع إسلامكم الذي تعتنقون؟! «قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً ٭ الذين ضلَّ سعيهم في الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً». وليهدِ الله من يشاء.