في جريدة الصحافة العدد 6670 بتاريخ 23 / فبراير 2012 وتحت عنوان (الإسلاميون) بين النوستالجيا واستحقاقات عودة الوعي كتب الدكتور خالد التيجاني مقالاً جاداً ومؤلماً وأصبح من واجبنا أن نقدم فيه أقل من نصف رأي وللآخرين محاولة الشراكة في إتمام النصف الآخر . يعلم الجميع أن كاتب المقال من الإسلاميين المعنيين بمقاله منذ أن كان شاباً ويعلمون أيضاً أنه تململ كثيراً في السنوات الماضية من ممارسات « الرفاق « في الحركات الإسلامية السودانية ومما آل إليه مصير السودان ومصير هذه الحركات . نتفق مع الكاتب في التحليل ثم في التشخيص وكان الأمل أن نجد منه بعض العلاج ، وربما نجد العذر له في ضيق صدر « أصحابه « بالنقد وتهورهم في فهم المقاصد وهذه عادتهم منذ أن عرفناهم ، فسرعان ما يتهمون الآخر بالخروج عن الملة أو النص فقد دأبوا على رفض الحكم عليهم بأعمالهم ، فهم كما يعتقدون دائماً أن نقدهم هو نقد الإسلام نصاً وممارسة . وقد نجد عذراً آخر في أن الكاتب يريد شركاء في الرأي وبالتالي فإن المقال يعتبر حافزاً أو إستفزازاً لهذه الشراكة المطلوبة وهذا ما جعلني اكتب . وبدءاً فإن النوستالجيا هي الحنين للماضي وتتجاوز الحنين في السودان لتصل إلى عبادة الماضي وإجتراره ثم الإنقضاض عليه وهي أيضاً نوع من الحب القاتل يطال المحب والمحبوب. كان الحل للمشكلة في رأي الكاتب هو إرجاع أمانة الحكم إلى أهله وهو كما نعتقد هو الحل السهل الذي لا يكلف مجهوداً ولا ينفّذ أيضاً لان حب السلطة والتشدق بها لازم كل النظم السياسية منذ فجر الإسلام وقد ظل هذا التاريخ في حكم المسكوت عنه وهو معروف . ولندخل مباشرة في الحلول ، إن الأديان السماوية والوضعية الكبيرة لم يكن هدفها الحقيقي السلطة ممثلة في الدولة أو الحكومة ، وأصل الدين الدعوة للأفراد والجماعات للسلوك القويم وعمارة الارض وفي سبيل ذلك كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولذلك كان الحساب - ثواباً وعقاباً - للأفراد ثم كان الخيار والحرية في الاختيار شرطاً وما عهدنا من صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم طلباً للحكم وانما كان حامياً لأصحابه وأتباع الدين من الإعتداء عليهم ونرى ذلك حتى اليوم في زعماء الطرق الصوفية يحافظون على مريديهم وأتباعهم خارج النظام السلطوي ولكن في الإطار الابوي البطريكي وهذا ما نخالفهم عليه وخاصة فيما يتعلق بالتوريث . ولأن القرآن إعجاز ولأن رسالته خاتمة للرسالات وتصلح - بلا جدال - لكل الأزمان والأماكن وللبشر على مدى وجودهم كان الإسلام هو دين العولمة قبل أن تظهر وهو في ذلك رسالة أممية لن تسمح للجغرافيا ودولها أن تبتلع الدين وتجعله خاصية من خواص بعض الأرض وبعض البشر دون سواهم . قلنا كل ذلك لنصل إلى الحل الجذري المتمثل في خروج الإسلام والمسلمين من السلطة الحاكمة والانتباه إلى سلطة الدعوة وفنونها وجمع الناس - دون إكراه أو إبتزاز - على التدين الملتزم قطعاً بالحرية إذ لا إكراه في الدين .... ولعل الميكاڤيلية التي وصمت بها رفاقك كانت كافية وشافية لإقناع من يريد أن يقتنع ثم إن على أصحاب الإسلام السلطوي عليهم البحث عن سلطتهم المطلوبة خارج نطاق الإسلام وهنا نؤكد تأكيداً قاطعاً أننا لا نطلب فصل الدين عن إدارة شؤون الناس بالحسنى والشورى وحق الحرية في الإختيار، ولا داعي أن نرد النصوص القرآنية والحديث الشريف الذي سلكه أدعياء الدين من غير دين وأضلوا به الكثير من العامة . وأمامنا من التجارب البشرية سقوط المسيحية بسبب هيمنة الكنيسة على الناس وإنشاء عهد الإقطاع البغيض ثم ظهور وأفول الشيوعية التي أتت بدين جديد - لا دين فيه حيث حدثت الناس عن المساواة ونفي الطبقات ، وتخيل من يريد أن يعرف القصة إلى جورج أورويل ومزرعة الحيوان . سقطت الشيوعية لأنها كانت تقول كل شئ ولا تفعل إلا العكس وهذا شأن السلطة الدينية الخارجة عن مقاصد الدين . لا يوجد حق إلهي ممنوح لبعض البشر في التسلط على البشر باسم الله فليتق هؤلاء الله فينا وفي أنفسهم وفوق ذلك في أوطانهم ولعّل النموذج التركي يمثل فقط خطوة للأمام نرجو ألا ترتد والله اعلم . إن إتجاه الحركة الإسلامية في المستقبل سيكون في تحشيد الناس حول الدين وليس في التسلط على الناس وسيكون علينا جميعاً أن نرفع من شأن الحوار وإحترام الآخر ونفي التطرف الديني الذي لم يكسب العباد إلا الفرقة والشتات ،وكان سبباً جوهرياً في محاولات إبعاد الدين عن حياة الناس اليومية وعلينا أن نعلم أن « النوستالجيا» هي الإصرار على المنهج والمسلك السلفي بأنواعه والذي يريد أن يحنط الدين ويجمده داخل سلطة بشرية تريد به الجاه والانتفاع الإنتهازي وإضاعة وقت المسلمين في تفاصيل دينية تبعدهم عن الإبداع والإكتشاف والتطور بل والتغيير . إن الركود كما يفسد الماء يفسد الدين أيضاً .