الأستاذ «ص» قضى في مهنته عقدين من الزمان، طاف فيهما أرجاء البلاد طولاً وعرضاً، مما أكسبه فلساً دائماً وطموحاً كبيراً لم يجد سبيلاً لتحقيقه. ولما قررت السلطات في نادوس التمثيل بأهل القبائل في مفاصل الدولة، قضت أقدار القبيلة أن يتم تعيينه وزيراً للمالية في الولاية. قضى الأستاذ «ص» سنتين في الوزارة كأحسن ما يكون ثم تم استدعاؤه لمؤتمر وزراء المالية في الولايات. سافر وشارك بتقديم ورقة عن دور الرقابة الشعبية في الحفاظ على المال العام. وانتهى المؤتمر، فدعاهم وزير المالية في الولاية التي استضافت المؤتمر لحفل عشاء بمنزله، ذهبوا بضع وعشرون وزيراً ولائياً وعصبة من التنفيذيين في وزارة المالية الاتحادية ومجلس الوزراء الاتحادي وبعض المدعوين الآخرين. بعد العشاء لاحظ المضيف نظرات الأستاذ «ص» وهي تتجول خلسة بين الأثاث والرياش والنمارق والطنافس والزرابي، مما أثار إعجابه وأصابه بالذهول. الإعجاب ببيته الذي بناه أدخل عليه البهجة والمسرة لذلك دعا ضيفه لإلقاء نظرة على الدنيا من الطابق العلوي صعدوا وجال بصر الأستاذ «ص» في أرجاء المنزل ذي الطابقين والأثاث الفاخر، فغفر فاه عجباً وأخذ يحدق في الجهات الخمس ويضرب أخماساً في أسداس عن الكيفية التي تمكن بها هذا الوزير من بناء مثل هذا القصر رغم علمه أنه فاقد تربوي جاءت به أحكام الموازنة القبلية والعشائرية لكرسي الوزارة قبل ثلاث سنوات . وأخرجه من سرحانه لكزة من المضيف وهو يتساءل: رأيك شنو..؟! الضيف لم تلجمه الدهشة في مثل هذه المواقف، ولكن لسانه انطلق قائلاً: عملتها كيف..؟! المضيف أمسك بيد ضيفه إلى الناحية الأخرى وأشار إلى أضواء بعيدة وقال: هل ترى ذلك الجسر البعيد؟ قال المضيف نعم، ولا زالت دهشته في قمتها لأنه لم يعرف تلقائياً ما هي العلاقة بين الجسر ذي الأضواء البعيدة وهذا القصر المنيف. المضيف قال «50%» هناك مشيراً للجسر و«50%» هنا مشيراً للقصر وأثاثه ورياشه. الضيف لم يعلق.. فقط وجم دقائق ثم غادر. بعد عامين انعقد مؤتمر وزراء مالية الولايات في ولاية الوزير «ص». الولاية أكرمت ضيوفها كرماً حاتمياً، وأصر الوزير «ص» على دعوة كل وزراء المالية في منزله، اندهش الوزراء للجنة التي تجري من تحتها الأنهار، فقد كان القصر تحفة من المعمار الحديث، ألح الوزير «ص» على دعوة الوزير «س» للصعود للطابق الرابع ليرى جمال المدينة. الوزير «س» ألجمت الدهشة لسانه فظل صامتاً لم ينبس ببنت شفة ولا خالة أنف ولا جدة لسان، ولما طال صمته فاجأه الوزير «ص» بسؤال صاعق قائلاً رأيك شنو؟ الوزير «س» أطلق السؤال لجام لسانه فأجاب بسؤال عملتها كيف؟ الوزير «ص» مد ذراعه وعضده إلى منتهاها، وعقد أصابعه مشيراً بالسبابة وهو يقول: هل ترى ذلك المطار؟ الوزير «س» أجال بصره في كل ناحية.. ولكنه لم ير مطاراً أمامه فقط الفضاء الواسع. الوزير «س» ربت على كتف ضيفه وهو يقول: لن تراه، 100% هنا، وأشار لطوابق القصر الأربعة.