ينتاب بعض الآباء والأمهات حمى وهموم العطلة الصيفية، جاءني لفيف منهم طالبين من قلمي أن يدون عن المغزى والأهداف والمقاصد التربوية للعطلة الصيفية. دعني أرجع بذاكرتي المرهقة، لمنتصف الستينيات من القرن المنصرم، لنتدبر بعين فاحصة، وفي فاتحة العهد الذهبي للتعليم المغزى والغرض التربوي الذي أجبر خبراء التربية وعلم النفس التربوي ببخت الرضا يومذاك من أن تمتد العطلة الصيفية لثلاثة شهور، كاملة لم يكن قرارهم عشوائياً مرتجلاً لكنه جاء عقب دراسة مستفيضة متأنية وبنى على الآتي:- أولاً: كثيراً ما يصاب طالبنا بمرحلة التعليم العام في فصل الصيف (مارس/ ابريل/ مايو) بعناء وتوتر ذهني وخمول جسدي بعد عام دراسي شاق، ويصعب خلال هذا الفصل تلقى المعرفة، كما يصعب استيعابها وهضمها لارتفاع درجات الحرارة. ثانياً: تصاحب هذا الفصل أمراضه المعروفة (السحائي مثلاً). ثالثاً: يخلد الطالب للراحة والاستجمام ومزاولة أنشطة غير صفية، فيتجدد نشاطه، وتصفو ذاكرته ويرتاح جسمه ليستقبل عامه الدراسي الجديد بجد ونشاط فرحاً بتلقيه المزيد من المعرفة. رابعاً: تتاح للطالب الفرصة خلال العطلة للمشاركة فيما يوكل إليه من مهام داخل منزله وفي محيط مجتمعه الخارجي فيكتسب التجربة والخبرة والاعتماد على النفس، فهو يقدم عملاً بل واجباً مجتمعياً كمحو الأمية مثلاً. خامساً: كما يسهم الطالب مع ولي أمره في توفير متطلبات حياة الأسرة، وسبل كسب العيش الحلال. سادساً: تفتح العطلة المجال للطالب لمزاولة مهارة القراءة بشتى ضروبها والقيام بالرحلات المفيدة، ومشاهدة الأفلام التي تنمي قدراته العقلية والذهنية، وتثري ذخيرته اللغوية، فبهذه المساهمات الثرة المتعددة تغرس في نفوس طلابنا الصفات القويمة: الأمانة، العمل الجماعي، الاعتماد على النفس، التثقيف الذاتي. على أفراد الأسرة مراقبة صغارهم، وحثهم على مصاحبة الأخبار دون غيرهم. ونأمل ألا يعكر صفو طالبنا خلال عطلته بغرض حصص للتقوية والدروس الخصوصية، فهذه ممارسات غير تربوية، وتجعل طالبنا يمتعض نافراً عن التحصيل المعرفي، وتعيق أهداف العطلة الصيفية. لذا نأمل بل نحث متعلمينا أن يضاعفوا جهدهم مع أبنائهم خلال العام الدراسي فقط، وألا يفرضوا عليهم ما يعكر صفو عطلتهم، فيضعف حبل الود بين المعلم وتلميذه. ونأمل من وزارة التربية أن تعد برامج تربوية ثقافية رياضية خلال العطلة الصيفية. كما آمل أن تعيد النظر في عطلة السبت لمرحلتي الأساس والثانوي. وأقولها صادق هذه العطلة قد أضعفت بل أخلت بالمسيرة التعليمية لما بها من سلبيات نذكر منها: أولاً: قللت من أيام الدراسة المقررة (220 يوماً) مما دفع بالمعلم أن يسرع الخطى، حتى يكمل المقرر، فتهتز المقدرة الاستيعابية للطالب، ويتدنى تحصيله الأكاديمي. ثانياً: تزيد هذه العطلة القسرية العبء على الأسرة في تحكيم المراقبة على فلذة كبدهم ليومين في الأسبوع بدلاً من الجمعة فقط. ثالثاً: تجعل العطلة طالبنا يركن للخمول والملل يتسرب إلى نفسه فيحجم حتى من مراجعة دروسه. رابعاً: يختل جدول الحصص لهذه العطلة، وربما تضاءل زمن الحصة. لهذه الأسباب وغيرها أرى أن نجلس سوياً لدراسة هذا الشأن التربوي الهام أي عطلة السبت وغيرها: (ثقل الحقيبة المدرسية، تدريب المعلم، القبول الجغرافي، اعادة النظر في المدارس النموذجية، الكتاب المدرسي، الاجلاس). آمل أن يتم ذلك قبل بدء العام الدراسي المقبل، بالدراسة العلمية الفاحصة مع توفير كل معينات التعليم فستأتي الثمار أكلها ونستقبل عاماً دراسياً هادئاً ومستقراً. والله المستعان.. مع شكري لك أخي حيدر. * مستشار وزير التربية والتعليم بولاية الخرطوم