مدخل: «للغربة جراحات غائرة ووجاعَّة وتريقاها الوحيد خرق من (لاڤا) الوطن اللافحة!! وأستأذنكم في سفر عاجل إلى مكان الغربة وزمانها حين مضى (عبد الصمد) إلى (قاع النهر) (1) ٭ زغرد (النيل) في يوم ميلاد (عبد الصمد)، انتضت (الصحراء) كذلك (سيف) كبريائها، وتوشح (الجبل) دروع التحدي والصبر: وبين (الزغاريد) و(الكبرياء) و(التحدي) دار حوار غامض بين (عديلة) و(مصطفى الطاهر): - كان (المخاض) عنيفاً، خفت (الموت)، لكنني اشعر بالراحة الآن. - أشعر بنفس (الراحة) - لكن (خوف مُبهم) - يدهمني - لماذا (الخوف) - و(النيل) يبارك (ميلاد عبد الصمد)، ويوشحه (الوعد) و(الزهو). - أرى ذلك.. فبين (الفعل) و(الزهو) (حلم) قديم - لعله مهدر (الخوف) ٭ ضحكت (عديلة) في صفاء وهي تحدق في (زوجها) - لتواصل: - ومتى كانت تخيفك (الاحلام) (يا سيد)، هل لم تعد تصنعها - ليس كذلك بالضبط... لكنني اخاف على (عبد الصمد).. (احلام الاعاصير) و(النهر) - لماذا.. أليس ذلك امتدادا لعشقنا القديم: (التراب) و(الشمس)!! - نعم.. ولكن... (2) نادت (الرياح) على (النهر) واستشهدت (بالشمس) و(التراب) في حين اقترب (القمر) و(السحاب) من ساحة اللقاء: كان الحوار مثيراً - أعرفك (يا نهر) طيباً ورائعاً - تغدق (الخصب).. ولكن زمانك يشي بغير ذلك - غريب ما تقول.. هل تُفصح...؟! - نعم: وشوش لي (عبد الصمد) - قبل ميلاده.. (بوعد قديم).. وأريد أن احتفي بذلك (الوعد) - ولكنني أعددت (فعلاً) (لعبد الصمد).. (مهرجانا) يليق بقدومه: (الموج) و(التابوت) - هذا ما أخافه: أنت تعد لموته - ... بل لحياته وحياة الآخرين - (كذاب).. يعيش (الآخرون).. بدونك - أنت الكاذب.. للاخرين أنهارهم.. ولهم كذلك (عبد الصمد) آخر - (عبد الصمد) (جمر الرياح) و(دمدمة الاعاصير) - أبداً.. هو ابن (الموت الأخضر) ٭ تراجعت (الشمس) ولم تقل شيئاً.. وعَّبر (التراب) عن حُزنه بجفاف غشى خصبه.. وغادر (السحاب) مكان الحوار.. وبقى (القمر).. مذهولاً ظهر في (الأفق) حينها.. خط دامٍ!! (3) كان (القمر) حزيناً حين تحدث إلى (عبد الصمد): اكتسى وجهه بلون غريب وتتابعت كلماته على نحو أكثر غرابة: - كانت رسالة (الافق) غاضبة وعلى غير عادته - توشح (الجمر) و(الدم) و(النشيد) - هي بالضبط (مقدمات) (نبوءة العرَّاف).. - ليس عشق (التراب) و(الشمس).. سهلا ٭ ضحك (السحاب) وقد اكتنزت (السماء) سواده - وأشارت (الشمس) إلى (عبد الصمد) ووشوشته بقول (خفي) تحرك بعدها (عبد الصمد) تجاه (النهر).. وحينها نزلت على خد (القمر).. (دمعة).. وانهمر (السحاب) باكياً في حُرقة ودمدمت (الرياح).. في غضب ٭ وعند المصب كان (مهرجان النهر).. يلتقي (عبد الصمد) ضاحكاً باريس - قهوة ألمايو - أغسطس 1977 الميلاد الوضئ (1) ٭ حين استدار (القمر) جاءها (الطلق): كان حاداً، تلوت - وهي تئن في صبر غريب، لم تستكن للصراخ والعويل. كان (حُلم) المجيء عندها أكبر من التأوه والدموع وأرفع من (النشيج): امتد بشوقها للقادم الجديد إلى رجفة الجفن الأولى - حين صافحت عيونها للمرة الأولى - (سيد الطاهر): كان رجلاً - بلا بدء ولا نهاية - يعانق التاريخ ويصنع المستقبل، حين اقترب (الميلاد) كادت أن تغيب عن (الوعي): نقلها صرخة الوليد إلى ساحات وضيئة يغمرها النور (2) ٭ على الفراش الأبيض ثمة (دماء) و(طبيب) في الحجرة الضيقة، يحاول أن يجفف شيئاً من العرق أزعجه كثيراً - ضعف الأم.. والصراخ غير العادي للقادم الجديد حين ولج (سيد الطاهر لداخل الحجرة) - انسحب الطبيب في هدوء.. ويرفع سيد (مولوده الجديد) بين يديه.. مستغرقاً في قراءة (حضوره) وليبدأ - حواراً جديداً: - أرى ان مساحة (حضوره) .. أكبر من (صرخاته) - ليست (صرخات) هي (مقدمات) الفرح - أهو فرح فقط.. أراه مزيجاً من (الفرح) و(الغضب) - أعلن عن فرحه.. وكتم غضبه - حمداً لله على السلامة.. كان مخاضاً عنيفاً - تجاوزته.. بانتظار لحظة القدوم والميلاد (3) انفلتت عمامة (سيد الطاهر) - وهو يخرج من الحجرة الضيقة، كان ينظر للأفق - بشوق غريب - وكان (للعبادي) في يومه ذاك.. بريق غاضب.. وكان للتراب شوق عنيف لزخات المطر... قهوة منيستير - رين - شمال غرب فرنسا - مايو 1976 (مروي) أسفار في مخاض التكوين (1) ٭ ارتسم في ساعديك وشماً..، أضوع في جواك شذى وأريجاً...، وزهوا فلساحاتك الخصب المشرئب نداوة ولأقواسك النصر المؤزر وفي راحتيك أقرأ كل سطور الوعد القديم: النزيف، وميض البرق، والفارس الذي ينبض عزةً ويفيض كبرياء (2) يا مليكة الصمت القادر، سيدة الصفاء والطهر سيدة القمح - وعروق التبر المنثور في البيادر هنا: أرتادك وهجاً، حرفاً يلذ الكلمات النار، الحرف الرمح والشعر السكين باسمك يحفنا الدوار - والحزن النبيل: تطول قامتي - فأعانق السماء أنا الذي أصافح كبرياء النيل وعناد الصحارى.. وغموض الغابات البكر... توغل (الوعل) في شراييني تحدياً وتمادى (الوعد) في نفسي غناء.. نخلاً طبلاً سهلاً ونداء!! سانت مالو - نوفمبر 1978