خطة مفاجئة.. إسبانيا تستعد لترحيل المقاول الهارب محمد علي إلى مصر    مشاهد من لقاء رئيس مجلس السيادة القائد العام ورئيس هيئة الأركان    (خطاب العدوان والتكامل الوظيفي للنفي والإثبات)!    من اختار صقور الجديان في الشان... رؤية فنية أم موازنات إدارية؟    المنتخب المدرسي السوداني يخسر من نظيره العاجي وينافس علي المركز الثالث    الاتحاد السوداني يصدر خريطة الموسم الرياضي 2025م – 2026م    البرهان يزور جامعة النيلين ويتفقد مركز الامتحانات بكلية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية بالجامعة    وزير الصحة المكلف ووالي الخرطوم يدشنان الدفعة الرابعة لعربات الإسعاف لتغطية    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. لاعب المريخ السابق بلة جابر: (أكلت اللاعب العالمي ريبيري مع الكورة وقلت ليهو اتخارج وشك المشرط دا)    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    كمين في جنوب السودان    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    شهادة من أهل الصندوق الأسود عن كيكل    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    بنك أمدرمان الوطني .. استئناف العمل في 80% من الفروع بالخرطوم    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سد النيل الأبيض.. حينما تعكر السياسة المياه.. الخرطوم: ماجد جادين ساره
نشر في الصحافة يوم 13 - 04 - 2012

أطلت فوبيا المياه في حوض النيل من جديد على سطح الاحداث بعيد ان اعلنت دولة جنوب السودان اعتزامها بناء سد على النيل الابيض، وانطلقت التقارير الاخبارية تمحص عن غرض المشروع المائي، وتبحث عن من يقف من خلف تمويله في ظل الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعايشها الدولة الوليدة، وذهبت اجهزة الاعلام المصرية الى ان المشروع يقع من بين حزمة مشاريع تنموية تمولها دولة اسرائيل، بغرض حجز مياه النيل عن مصر والسودان، ربما تمهيدا لبيعها؛،ويبدو ان الابعاد المقلقة التي اتخذها التعاطي مع هذا المشروع هي ما دفعت بوزير الري السوداني ليقلل من آثار قيام دولة الجنوب ببناء اي سدود على حصة السودان من مياه النيل. لكن تصريحات الوزير لم توقف تداعيات ذلك الاعلان من جوبا، كما انها فتحت الباب لاستعادة المخاوف المصرية المتوارثة من تأثيرات الانفصال على مصالحها في مياه النيل وامنها القومي، ومن قدرة الخرطوم التي تراهن عليها القاهرة في احتواء مطامح جوبا، وجرها لتقف بازاء مواقف البلدين تجاه قضية المياه الشائكة في هذه المنطقة.
فوبيا المياه واسرائيل.. الأموال لا تكفي..!
لم يكن غريبا ان تسعى القاهرة الى سماع وجهة نظر الخرطوم في اعلان جوبا عن عزمها بناء سد على النيل الابيض واستجلاء حقيقة المشروع ولكن الامر يضحى غريبا بالفعل حين تسعى الى ذلك في وقت كان وفد وزارتها المعنية بالمياه والرى في قلب الجنوب، ويجرى في عاصمته مباحثات مع نظرائه هناك. وقد عاد وفد وزارة الرى والموارد المائية المصري الى بلاده برئاسة الدكتور محمد عبد العاطى رئيس قطاع النيل بعد مشاورات استمرت اربعة ايام، دون ان يشير الى المشروع او يتطرق اليه، رغم ان الوفد الرسمي شارك خلال الزيارة في اجتماع اللجنة الفنية المشتركة بين الجانبين المصرى والجنوب سوداني، ومناقشة تقدم سير العمل بمشروعات التعاون الفني بين جمهورية مصر العربية وجمهورية جنوب السودان. وهى المشروعات التي تعتمدها القاهرة من العهد السابق كمدخل ملائم لتوطيد العلاقات مع الدول الجديدة في الحوض، وتتضمن حزمة من المشروعات بمنحة مصرية قيمتها 6ر26 مليون دولار. وقام الوفد بزيارة بعض مواقعها مثل مشروع حفر الآبار الجوفية بمدينة «جوبا» والتي تتضمن انشاء (6) آبار جوفية بعمق (75) مترا كي تتماشى مع متطلبات المرحلة الحالية لدولة جنوب السودان، لكن اللغة المشتركة بين البلدين تبدو منعدمة على ضوء الحذر المتبادل من التقارب الواضح بين جوبا وتل أبيب، ويرجع عدد من الخبراء المصريين تسارع الخطى الاسرائيلية باتجاه الجنوب، الى رغبتها في احكام سيطرتها على موارد مصر المائية، وحذر الباحث بمركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية الدكتور هانئ رسلان من أن موقف الجنوب فى قضية مياه النيل يخضع لمؤثرات خارجية منها اسرائيلية وسيكون مع دول المنبع ضد مصر، ولن يقف ازاء القضية موقف السودان. فالجنوب كما يقول رسلان أقرب إلى دول المنابع وتربطه علاقات وثيقة بأوغندا وكينيا، لكنه عاد واشار الى انه من غير المتوقع أن ينضم إلى مجموعة «عنتبي» على الأقل الآن، لانشغاله بمرحلة بناء الدولة ولن يكون بحاجة إلى صراع جديد لن يستفيد منه خاصة وأنه دولة هطول مطري غزير يقدر في حده الأدنى ب(500) مليار متر مكعب من المياه سنويا، فضلا عن انه لا يعتمد على المياه في الزراعة وانما يعتمد على الزراعة المطرية، لذا فالدولة الجديدة لديها تخمة في المياه. وعلى ضوء هذه الوقائع يقول رسلان ل» الصحافة» ان الجنوب ليس من مصلحته التدخل بشكل سلبي لتقليل كمية المياه المتدفقة حاليا إلى شمال السودان ومن ثم إلى مصر. ولا تبتعد د. أمانى الطويل الخبيرة الاستراتيجية في ذات المركز بعيدا حيث تقول ل» الصحافة» بدورها ان دخول اسرائيل كلاعب جديد في حوض النيل يشكل خطورة كبيرة على مصر، مشيرة إلى أن مصر تعاني من تهديد أمنى كما تعاني من تهديد صريح لمواردها المائية في نهر النيل مؤكدة ان بلادها قد دخلت بالفعل مرحلة الفقر المائي وتراجعت حصة الفرد مع زيادة السكان، وهو ما أدى إلى أن تقوم مصر بتحلية 200 مليون متر مكعب من المياه، واشارت الطويل الى ان اسرائيل سبق وأن طرحت من خلال اليونسكو في عام (2002 ) مشروعاً ثقافياً بعنوان «الأخدود العظيم» يمتد من الأردن وحتى جنوب أفريقيا، وان هناك عدة مشاريع إسرائيلية لسحب مياه النيل إلى إسرائيل لزراعة صحراء النقب، وبالتالي يتم تقوية الدولة الإسرائيلية.
من جانبها ظلت دولة الجنوب تؤكد على انها لن تصبح مصدرا للتهديد للدول العربية، كما انها واعية تماما لمصالحها ومخاوف جيرانها ومحيطها الاقليمي ، واعلن وزيرها للري والمياه بول مايوم على هامش اجتماعات المنتدى العالمي للمياه بمدينة مارسيليا الفرنسية عن سعيها لتنفيذ مشروعات مشتركة مع مصر تستهدف التنمية في بلادها، مشددا على ان الجنوب لن يسعى للاضرار بالمصالح المصرية، وان دولته لا ترضخ لاي ضغوط من جانب إسرائيل للتأثير على العلاقات مع القاهرة، وأن العلاقات مع إسرائيل لها حدود تراعي المصالح المشتركة دون أن تتجاوز الحدود للعلاقات الطبيعية بين دول الحوض ومصر والسودان ، وقطع الوزير بأن السدود التي تعتزم دولته انفاذها في أعالي النيل، من بينها السد المعني، « لن تضر مصر». فيما يؤكد وزير الري السوداني الاسبق الدكتور يحى عبد المجيد ل» الصحافة» تعليقا على الموضوع المثار، ان قضية مياه النيل لن تحل الا بتعاون دول الحوض كلها وفق اتفاق يحقق مصالح شعوبها المشتركة ويدعم من عمليات التنمية فيها، وشدد الوزير السابق على اهمية ابعاد الحسابات السياسية عن هذه القضية المحورية في المنطقة، مطالبا الاطراف الثلاثة بالجلوس معا للوصول الى تفاهمات مرضية للجميع.
الخرطوم وجوبا.. خيوط اللعبة وكروت الضغط
هل تحاول جوبا استخدام المياه ككرت ضغط في ميدان خلافاتها المتعددة مع الخرطوم، وهل يؤشر اعلانها عن بناء سد في النيل الابيض لبداية حرب المياه بين دولتي السودان الشمالي والجنوبي؟، ربما تقدم توضيحات وزير الموارد المائية حول ما اثير عن ذلك المشروع ما يساعد في الاجابة على ذلك، فقد اعتبر وزير الري سيف الدين حمد عبد الله ، أى حديث عن قيام سدود بدولة الجنوب بغرض حجز المياه عن السودان ومصر «حديث سياسي تنقصه الدقة والمعرفة التامة بالنواحى الفنية»، مؤكدا حدوث عكس ما يتوقع، بزيادة الإيراد لا بنقصانه أو احتجازه. ووصف الوزير في الخرطوم التصريحات الصحفية التى أشارت إلى اتفاق بين إسرائيل مع حكومة جنوب السودان على تشييد سلسلة من السدود تحجز غالبية المياه القادمة إلى الشمال، بأنها تنقصها الدقة والمعرفة بالنواحى الفنية وطبيعة ووضعية المياه، وشرح الوزير ان النيل الابيض يغذى نهر النيل الرئيسى بنسبة (16%) فقط من كمية المياه خلال العام لكل من السودان ومصر، بينما يرى خبراء مصريون عدم امتلاك دولة الجنوب للقدرة التخزينية لأى كميات من المياه، واشاروا في وسائل اعلام مصرية الى انها تعجز الآن عن إيجاد حلول ل 30 ألف كيلو متر مربع من المستنقعات المائية بالجنوب، ملوحين الى ان المشروع يتم وفق مخطط تنفذه جوبا بدعم من اسرائيل، لكن خبيراً في مياه النيل بالخرطوم « فضل حجب هويته» ابدى امتعاضا ازاء المخاوف المصرية، ذلك رغم القناعة التي ابداها بعدم حاجة الجنوب الى اقامة سد على النيل الابيض في ظل الوفرة المائية التي يحظى بها، لافتا الى ان طبيعة ذلك النهر وثبات وارداته من المياه طوال العام، يدحض مزاعم من يقول ان جوبا تحتاج لخزن مياه تلبية لاحتياجاتها زمن التحاريق، وقطع الخبير بعدم حاجة دولة الجنوب الى مثل هذا السد مؤكدا أن قيام أى سدود بالجنوب لن يضيف كميات تذكر على كميات المياه الواردة عبر «النيل الأبيض».
اذن الى ماذا تسعى جوبا من اعلانها هذا المشروع ومشروعات اخرى في اعالي النيل؟ وهل هناك حاجة فعلية لمزيد من المياه على ضوء التوسعات المتوقعة في الدولة الجديدة؟. يرى الخبير فى شئون المياه البروفيسور خليل عبدالله المدنى ان هذا الامر مناورة سياسية من قبل الدولة الوليدة وورقة ضغط تستخدمها حكومة الجنوب للضغط على الدولتين فى ظل القضايا الراهنة التى تعيشها، وقال المدنى ل «الصحافة» ان الحديث عن إنشاء سد او مجموعة من السدود على النيل الأبيض فى هذا التوقيت هو بمثابة كرت ضغط من قبل دولة الجنوب بصورة مباشرة على السودان بإقحامها مناورة جديدة فى القضايا العالقة، وتساءل المدنى عن موقع انشاء السد المقترح، مؤكدا انه لا يمكن من ناحية فنية إنشاء الخزان فى اقصى شمال دولة جنوب السودان فى منطقة ملكال، لأنها من أكثر المناطق الزراعية خصوبة فى دولة الجنوب ولايعقل ان يتم غمرها بمياه بحيره السد بخاصة وان الجزء الجنوبى من الأراضى ملئ بالمستنقعات ولا تتوفر عبرها مساحات كبيره من الأراضى الصالحة للزراعة بسبب المستنقعات والغطاء الغابى الكثيف فى تلك المنطقة. واشار المدنى خلال حديثه مع « الصحافة» بالامس الى عدد من الإشكاليات المتعلقة بملف المياه بين دول حوض النيل،واصفا اتفاقية( 1959) بالمعيبة لانها خلفت العديد من المشكلات خاصة مسألة توزيع الحصص ورأى ان التقسيم يجب ان يكون من أجل الإنتفاع وعلى اساس حاجة كل دولة، وذلك من خلال تفعيل المشاريع المشتركة التى تخدم كل دول حوض النيل، وقال الخبير ان من مساوئ عملية تقسيم الحصص انها يمكن ان تفتح ابواب الإبتزاز والمساومة وعملية الشراء والبيع بين الدول. وذهب المدنى الى ان الجنوب يستخدم حصة المياه الآن من اجل الكسب السياسى بخاصة وان تحالفات دولة الجنوب تتجه نحو دول جنوب الحوض خاصة يوغندا، مشيرا الى ان هذا الامر يقف من وراء المخاوف المصرية من الوجود الإسرائيلى فى منطقة البحيرات ودولة جنوب السودان، ورجح المدنى ان تشهد قضية المياه بين دول الحوض تعقيدات فى الفترة المقبلة، لان الخلاف الاساسي بينها يكمن فى مفهوم تقسيم المياه من جديد، وما يدعم من تلك الفرضية التراجع الذي يتضاعف سنوياً فى كمية موارد مياه حوض النيل بسبب العوامل الطبيعية والجفاف مع الأخذ فى الإعتبار زيادة اعداد السكان فى هذه الدول وبالتالى زيادة الحاجة المائية لكل دولة.
وكشف المدنى عن ظلال سالبة على السودان نتاجا لهذا الوضع المعقد بحسبان انه استنفد حصته من المياه، وقال ان البلاد تحتاج بشكل ماس الى زيادة كميتها من المياه وليس نقصانها خاصة في ظل التوسع الجاري فى مشاريع صناعة السكر فمعروف ان قصب السكر يستهلك كميات كبيرة من المياه، مشيرا الى انه برغم عملية التوافق الواضح السوداني المصري فى قضايا المياه ووقوفهم فى صف واحد ضد دول الحوض، الا ان الخلافات بينهم مازالت قائمة لافتا الى ان مصر أشارت الى انها قد تلجأ للتحكيم الدولى لحل قضية المياه للمحافظة على نصيبها والذى لن تفرط فيه، ذلك رغم ان القاهرة فشلت فى إدارة صراعها فى ملف المياه بسبب السياسات الخاطئة والمقفولة التى انتهجتها حكوماتها السابقة، والتى أضرت بمصالح مصر الإستراتيجية ببعدها عن دول الحوض. ويعود الخبير الآخر في المياه ليقول ل» الصحافة» ان عملية بناء السدود في دولتي السودان ومصر لاتتم الا بعد التشاور والتأكد من عدم اضرارها باحداهما،وهو الوضع الذي ينطبق على الجنوب شاء ام أبى، مشيرا ان عملية التمويل الخارجي نفسها تشترط على الدولة صاحبة المشروع عدم اضراره بمصالح الدول المجاورة، فضلا عن ان القانون الدولي يجيز عملية ايقاف المشروع حال اعلان طرف ما تضرره من السد المعني، وقطع الخبير بان الامر لن يختلف في حالة انشاء اي سدود على اعالي النيل بدولة الجنوب، وان مولتها اسرائيل لانه سيظل بمقدور مصر والسودان الاحتكام الى القانون الدولي.
القاهرة والخرطوم..هل تجدي رهانات المياه؟
بالرغم من ان قيادات الحركة الشعبية الحزب الحاكم في الجنوب دأبت على تقديم تطمينات مستمرة للقاهرة، قبل الانفصال، على صيانة حقوقها المكتسبة عبر اتفاقية مياه النيل للعام 1959، فإن المخاوف المصرية من تبعات الانفصال وتوجهات الدولة الجديدة ظلت ماثلة، وسجلت جوبا في سبيل ازالة تلك المخاوف تنازلات غير معهودة لاقليم لم يحز على سيادته بعد، فقد اعلن امينها العام باقان اموم من القاهرة في يناير من العام (2011) بأن حكومته لن تطالب بحصة خاصة من مياه النيل، وانها ستكتفي بعد الانفصال باقتسام حصة السودان. ثم مضت جوبا طوال الفترة الانتقالية الى ربط مشروعاتها في المياه والرى ببرنامج مساعدات فنية مصرية، لا زال يتواصل بميزانية لا تتعدى ( 50) مليون دولار، لكنها تمسكت في المقابل برفض المطالب المصرية المتجددة باستئناف العمل في قناة جونقلي، رغم الحاح حكومات القاهرة ما بعد الثورة. وتراهن مصر على الخرطوم فيما يبدو بشأن جر الجنوب الى خط الدولتين في التعامل مع قضية مياه النيل، وكسب صوتها في الجولة القادمة من المباحثات والمشاورات النهائية بين دول الحوض حول الاتفاق الاطاري الذي ترفضه القاهرة والخرطوم، ذلك في الوقت الذي تتأرجح فيه العلاقات بين الخرطوم وجوبا صعودا وهبوطا بسبب القضايا العالقة بين البلدين، وهو ما ينسحب على هذا الملف. وتعتمد مصر على التزامات السودان المقطوعة سابقا على وقوفه معها جنبا بجنب في مواجهة دول الحوض، منطلقا من فرضية تلازم المصالح السودانية المصرية فى هذه القضية، وهو الامر الذي يعتبره مراقبون غير صحيح بالمرة، فمصالح السودان بنظرهم قد تكون فى اعادة اقتسام ايرادات النهر بشكل يحقق زيادة فى حصته الحالية، وخاصة وان هذه الحصة سيتم اقتسامها مع الدولة الجديدة فى الجنوب. وقد اشار السفير السوداني السابق عثمان السيد في حديث ل»الصحافة» ان السودان يرتبط بعلاقات استراتيجية مع دول حوض النيل لا يجدر به ان يخسرها بالخوض فى مواجهة مع هذه الدول بالوكالة عن مصر. وتبرز فى هذا الاطار علاقات السودان المتنامية والمتميزة مع اثيوبيا التى تقف في مقدمة دول الحوض الآن المطالبة بإعادة اقتسام المياه وفق المعطيات الجديدة . ويرى السفير السيد ان على مصر ان تترك السودان ليتصرف ازاء ملف المياه بما يحقق المصالح الوطنية للبلاد، ومضى ليضيف «حتى اذا اقتضى ذلك ان يوافق دول حوض النيل الست فى تحركاتها» ، وانتقد السيد المعالجة المصرية لملف مياه النيل ورأى ان مصر لم تترك الفرصة للخبراء المعنيين بالمياه فى البلدين لحل المشكلة فى اطارها الفني واقحمتها فى اطار آخر يرتبط بأمنها القومي مما تسبب فى تعقيد المشكلة. وطالب السفير عثمان السيد مصر مابعد مبارك بمراعاة حساسية وضع السودان، وترك هذا الملف للخبراء فى وزارتي الري فى البلدين ليعالج فى اطاره الفني، بما يحقق المصالح الوطنية لاي من البلدين.
بيد ان مصر لا زالت تراهن على موقف السودان فقد عقد رئيس وزرائها د.كمال الجنزوري اجتماعا بمكتبه في الاول من الامس للجنة العليا لمياه النيل لاستعراض ثلاثة موضوعات رئيسية ، الأول يتعلق بتطورات أعمال اللجنة الثلاثية، والثاني يتعلق بالتعاون الثنائي بين مصر وكل من السودان وأثيوبيا ، والثالث خاص باستراتيجية التعاون بين مصر ودول حوض النيل. وقال وزير الري المصري للصحفيين بعد الاجتماع، إنه ناقش بشكل خاص سبل تعزيز الجهود المصرية لدفع التعاون مع كل من السودان وأثيوبيا والإسراع في تنفيذ مجموعة من مشروعات التنمية في هاتين الدولتين بمشاركة مصرية خاصة في مجالات التعليم والصحة والمياه والصرف الصحي والكهرباء والطاقة.وأضاف «أن الإجتماع ناقش أيضا دفع مشروعات التعاون بين مصر ودول حوض النيل، بحيث يصبح النيل قاسما مشتركا للتعاون والتنمية وليس التنافس أو الصراع».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.