لم يتوقف الحد عند رفضها بل امتد لإدانتها واتهام من يقوم بها بالسلبي تجاه المجتمع، انها الكتابة والرسومات على جدران الأماكن العامة، فكم من حائط ذي طلاء جديد لطخت جنباته برسومات استخدم فيها الفحم والطباشير، ولم تسلم انفاق المرور والكباري كذلك، حيث لم يمر الأسبوع الأول لجسر السوق المركزي الجديد الا وتصيد هؤلاء المجهولون جدرانه الاسمنتية الصلبة للكتابة عليه، فيما يمتلئ نفق عفراء برسومات وكتابات على كلتا جنبتيه، فيما تضج الجدران الخالصة البياض لعدد غير قليل من المدارس بطلائها الجيري المعتاد بكلمات أقل ما توصف بأنها تخدش الحياء وتكثر التوقيعات الشخصية على الجدران القريبة من الحدائق العامة وتصل حتى الى جذوع الاشجار الضخمة ان وجدت، هذا فيما نجد في بعض الاماكن كلمات باللغة الانجليزية تترابط مع مصطلحات تستخدمها عادة مجموعات مغني الراب والهيب هوب، وتقترب هذه الكلمات ذات الخطوط العريضة من فن الغرافيتي الامريكي النشأة الذي منعته الولاياتالمتحدةالامريكية وخصصت له فرقة من الشرطة لمكافحته. الطفل حامد محمد صاحب الأربعة عشر ربيعا يمر قرب حائط منزل مطلي حديثاً، فينحني الي الارض باحثا عن قطعة فحم يجدها فيلصقها مع الحائط ويمضي ناقشاً خطاً شبه مستقيم بقطعة الفحم على حائط ذلك المنزل.. وانتبه بعد برهة لوجود «الصحافة» فرمى قطعة الفحم بعيداً وتحدث اليها مجيباً عن عدة أسئلة طرحتها «الصحافة» عليه، حيث قال: إنه لا يعلم ما دفعه لارتكاب هذا الفعل، وإنه لم يفكر في أية عواقب قد تنتج نتيجة ما فعله، معتذرا عما حدث، ومشيراً بيده الى محل ألعاب بالقرب منه يحمل حائطه الجانبي عدداً من الكتابات في شكل رسائل عاطفية ناطقا «إنت ما شايف داك» ثم غادر. الأستاذة نعمات حسن تستند إلى مكتبها في إحدى المدارس الخاصة وتسجل عدداً من الطلاب للكورس الصيفي.. تحدثت الى «الصحافة» بملامح تشي باستنكارها لمثل هذا السلوك، حيث جلست على مقعدها لتحكي عن قصص كثير من التلاميذ الذين طردوا وطلبوا منهم احضار أولياء امورهم، اذ ضبطوا متلبسين وهم يخطون على جدار المدرسة أو جدران منازل قريبة منها، عازية هذا السلوك الى قصور في ثقافة الشأن العام تتشارك فيها الجهات المسؤولة عن العملية التربوية، مضيفة أن فترة المراهقة من الفترات الحساسة التي يختل فيها سلوك التلميذ، حيث تزيد فيها نسبة التفلتات باعتبار ذلك نتيجة حتمية للاحساس الزائد بالاستقلالية. يقول الباحث الاجتماعي صلاح حسين إن الكتابات التي على الحائط والرسومات التي يستخدم فيها أسلوب الغرافيتي تعتبر من السلوكيات المتوقعة في ظل تداخل الثقافات وانتشارها ووجود الشبكة العنكبوتية التي تتفاعل فيها ثقافات العالم المختلفة. وكشف عن وجود صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تعرض صوراً عليها هذه الكتابات والرسومات، مقترحاً حملة تقودها الجهات المهتمة بالثقافة لترسيخ الثقافة السودانية وسط الشباب، وحثهم على الاعتزاز بالإرث الثقافي السوداني ونشره. ومن جانب آخر وصف الكتابات المسيئة والرسائل العاطفية على الجدران بأنها نوع من أنواع الكبت الاجتماعي الذي يشعر به المراهقون، داعياً المجتمع إلى التواصل المكثف مع هذه الفئة، والعمل على إرشادها إلى عمل يحقق خلال فترة فراغهم الكثير من الفائدة الإيجابية الخلاقة التي تنعكس على المجتمع، بتوطيد جسور تسهم في تطور المجتمع وتحد من السلوكيات المرتكزة على إثبات الذات.