ربما لم يكن الدمار والحرق الكامل لمجمع الكنائس بضاحية الجريف غرب نهار السبت الماضي في حاجة لاكثر من عود ثقاب، وكأنه حريق هجليج الذي لم يعف احدا من لهيبه الحارق، لتنتقل النيران عبر الخطوط غير المرئية سريعا ودون سابق انذار الى هياكل الكنيسة الانجيلية المشيخية وما هي الا هنيهة حتى احالتها الى كومة من رماد وحطام، ليبقى السؤال من الذي اشعل عود الثقاب، أهم متشددون إسلاميون أم أصحاب ميراث يملكون حكما قضائيا؟ توجهنا بسؤالنا هذا الى الرجل الذي نسجت الاقاصيص حول علاقته بالاسلاميين المتشددين وعلاقته المتعمقة معهم الداعية الاسلامي المعروف محمد عبدالكريم لكنه نفى سريعا ان يكون هو من وقف خلف الستار ليعطي الامر لانصاره، لكن الشيخ ربما كان على حق عندما استدرك قائلا الامر لايعدو سوى ان يكون تعبيرا لماحدث في هجليج واشعل نفوس الشماليين بالغضب. في المقابل بدا انصار الكنيسة المحروقة نهار الاحد وهم يقضون سحابته بين الصلوات والترانيم اكثر تصميما وعزما اذ قال قائلهم بنبره لا تخلو من الاصرار للمضي قدما في طريقهم بان ماحدث يملكون له تأويلا لاهوتيا وقطع بان الامر وحدهم كما وحدت هجليج السودانيين. إذن ربما هي هجليج الحاضر الغائب من يقف خلف الستار ، الروايات التي استمعت لها «الصحافة» من داخل المجمع الكنسي غداة اليوم التالي للاحداث كانت تشير باصابع الاتهام إلى انصار الداعية محمد عبدالكريم بيد انه يمكنك ايضا ان تلتقي آخرين لا يقطنون بعيدا عن موقع الاحداث قالوا بانهم شهودا لما تم واخبرونا بان الامر يخص نزاع حول الارض والمواطنين القاطنين حوله. الحقيقة في ضاحية الجريف اختارت ان تتوارى بين جنائنها الوارفة فالافادات التي خرجنا بها من هناك حملت الكثير من التضارب، يقول مدير المجمع يوسف مطر أمس ان الحديث عن نزاع حول الارض لم يسمعوا به الا في التاسع من ابريل المنصرم، وهو اليوم السابق لمحاولة هدم المجمع عبر سلطات المحلية بواسطة قرار ممهور بتوقيع المعتمد على حد قول الرجل الذي تابع اوقفنا العملية وابرزنا ماعندنا من مستندات تثبت احقيتنا في ملكية المكان، لكن الرجل لا ينفي وجود نزاع في الارض طرفه اسر قال انها كان والدهم من الاساتذة بالمدرسة الزراعية وهو من الشخصيات الانجيلية ويقيم بمنزل خصص للاساتذة وتوفي قبل 9 سنوات ويمضي مطر ابناء هذا الرجل ادعوا ملكيتهم ل9 افدنة من مساحة الارض التي تبلغ 13 فدانا وقاموا باستخراج مستندات نشكك في صحتها لاننا نملك وثائق واوراق الملكية وكلها مسجلة لدى مصلحة الاراضي واضاف هذا المجمع عمره 100 عام، بيد ان محدثي يصمم على ان ما تم نهار السبت يقف خلفه الداعية الاسلامي محمد عبدالكريم وانصاره ويلفت الى ان التحريض خرج من المسجد الذي يرعاه الرجل وقبله كانت هناك بيانات تحريضية وزاد نحن نملك شهودا على ذلك، في المقابل يروي دانيال مور وهو قس مقيم داخل المجمع تحدث نهار الاحد امام جموع المصلين والمتضامنين وقال( لم افكر في ايقافهم ،كانت مجموعة كبيرة للغاية اول ما فكرت فيه هو حماية اطفالي من الاذى، بدوا في تهشيم الزجاج واشعال النيران دون توقف، حاولوا التهجم على الغرفة التي احتمي بها اطفالي وعندما تحدثت اليهم لم يتراجعوا اخبرت رجل شرطة كان بالداخل يراقب الدمار طلب مني ان اخرج الاطفال). حديث دانيال يوضح ان المجموعة التي اقدمت على الفعل كانت تعرف ماتريده، فوكيل وزارة الارشاد حامد يوسف الذي اعلن من داخل المجمع عن فتح باب تحقيق حول محاولة هدم وحرق الكنيسة ،لتقديم الجناة والمحرضين للعدالة، اضاف ان السلوك لايمكن السكوت عليه او المضي خلفه دون محاسبة من يقفون ويحرضون الناس للاقدام عليه ،معتبرا ان ماتم لم يكن وليد الصدفة لكن هناك من يقف خلفه، ذات الحديث هو ما جدده وزير الدولة بوزارة الارشاد والاوقاف محمد الياقوت في الاجتماع الذي ضم ممثلين للمحلية ومجلس الكنائس السوداني داخل مباني الوزارة وقام بتشكيل لجان للتحقيق ضمت الجانبين. وقال مدير المجمع يوسف مطر ل»الصحافة» عقب الاجتماع حدثنا الوزير عن الضالعين في القضية وطالبنا بتبرير لعدم وجود الاجهزة الامنية والشرطة وكيفية حدوث هجوم من عدد يفوق ال700 شخص دون ان تلتفت الاجهزة المسؤولة للامر، قبل ان يضيف ابلغناه باننا نشكك في وجود تواطؤ في الامر لكن الوزير حسبما نقل مطر، اكد على تصميمهم للوصول الى المحرضين والجناة ومساءلتهم وتقديمهم للعدالة قبل ان يشدد على إلزامهم بالتعويض كاملا ونفى وجود تواطؤ لكنه لفت الى ان التقصير او الخلل هو من يقف خلف الامر . في ذات الاتجاه يقول علاء الدين محمود الذي يقطن ضاحية الجريف بالقرب من موقع الحدث ل»الصحافة» هذه الكنيسة تحولت من كونها رمز ديني الى ثقافي وتراثي للمنطقة ويضيف فهي ضاربة في القدم وفي زمن الانجليز تحولت الى المدرسة الامريكية وتخرج منها العديدون، ويمضي في القول المجتمع بالمنطقة كان يتعايش في تناغم تام مسيحيون جنوبيون واقباط وارتريون واثيوبيون وداخل هذه الارسالية كان يتم تدريس اللغة الانجليزية، وفي هذه المساحة من الجريف الحارة الثانية يشير محمود الى ان التعايش السلمي هو عنوانها ويتابع عاش الكثير من الاقباط منهم من هاجر بعد مجيء الانقاذ ومنهم من ينتظر دون ان تتم معاملتهم على اساس تفرقة دينية حتى مجئ الداعية محمد عبدالكريم الذي تحدث في خطبة الجمعة السابقة كثيرا عن الكفار والجنوبيين ويضيف ان لم يكن له دور مباشر في حادثة الكنيسة فأنا اجزم بأن له دوراً غير مباشر ولو كان الامر يخص نزاعاً بين اسرتين كما ورد فلماذا لم يتم حسم ذلك عبر القضاء ولماذا اجتمع هؤلاء ولماذا كان التوقيت متزامنا مع الحالة الهستيرية في الشارع اعقاب تحرير هجليج والموقف العدائي الذي برز تجاه الجنوبيين . ويكشف محمود عن نقاش دار بين عدد من شباب الحي ابانوا عدم رضائهم عما يحدث ورحبوا جدا بزيارة الشباب السودانيين من خارج المنطقة للتضامن مع الكنيسة ، ايضا اعتقد ان من الذين يقفون وراء الاحداث القوى السياسية المعارضة بمنطق ان الطبيعة لا تحتمل الفراغ وبما ان هذه القوى غير موجودة بخطابها المعتدل فمن الطبيعي ان يسود الخطاب المتشدد الذي يتلى على اهل المنطقة ليل صباح. وحول علاقتهم مع المسيحيين بالمنطقة يقول علاقتنا مع الاقباط علاقة قديمة وازلية وكذلك الجنوبيين فالجريف مجتمع وليس قبيلة يتألف من مكونات عديدة منها الاقباط وكذلك الجنوبيون اضافة الى سكان المنطقة الآخرين من المسلمين الذين ينتمون لقبائل مختلفة. لم يذهب نائب الامين العام لهيئة شؤون الانصار آدم أحمد يوسف بعيدا عن محدثي السابق ووجه هجوماً عنيفاً على المجموعات الاسلامية المتطرفة، التي وصفها بالسرطان الذي يدب في جسد الاسلام والبلاد، لافتا الى ان طوائف المسلمين لم تسلم من افعالهم، واعتبر ما حدث جرس انذار، وطالب بضرورة محاصرة التطرف، لانه حالة مرضية شاذة على حد وصفه، وتابع الاغلبية المسلمة بالبلاد متعايشة دون تفرقة قبل ان يشير صراحة الى انصار الداعية محمد عبدالكريم ويضيف قبل شهور قاموا بمثل فعايلهم هذه تجاه امام الانصار الصادق المهدي، في ذات السياق تحدثت الصحافة الى الناطق الرسمي لحزب التحرير، ابراهيم عثمان ابوخليل، حول الامر والاتهامات التي تشير الى احد الاسلاميين المعروفين بالتشدد ليصف الرجل بدوره الحادث بالمؤشر الخطير، قبل ان يحذر من ان مثل هذه التصرفات ان كانت حقيقية قد تقود البلاد الى فتنة دينية، لافتا الى ان الاسلام يحترم الاديان وخصوصيات الناس ولا يعطي الحق للاشخاص لاخذ الحق، واضاف كان على من قاموا بالفعل ان يتوجهوا الى الدولة، وتابع لا يمكن طعن ظل الفيل . المعارضة بدورها لم تغب عن المشهد وشكل الامين العام لحزب المؤتمر السوداني عبدالقيوم عوض السيد وامين امانة الفئات مهندس نورالدين صلاح الدين ونقل رئيس هيئة تحالف المعارضة فاروق ابوعيسى ل»الصحافة» متابعتهم للقضية وحذر من ان الفعل بمثابة النار التي لن يسلم منها مشعلها واضاف هذا الفعل ان لم يجد الحزم سيدمر البلاد تماماً واضاف «نحن في انتظار ماسيسفر عنه التحقيق ولابد من معاقبة الجناة وعلى الحكومة ان تعي الدرس لان مثل هذه التصرفات يدفعها الغلوا والتطرف الذي يرعاه النظام» الحكومة بدورها وعبر وكيل وزارة الاوقاف حامد يوسف الذي اعتبر ماحدث لا يعبر عن انسان السودان، قبل ان يؤكد ان الوزارة تدين الحادثة باعتبارها سلوكا متطرفا واجتهاد اشخاص،« لكنه اجتهاد خاطئ وباطل ومردود عليه«، مبينا ان المساجد التي اشاروا اليها بالاتهام ستقوم وزارته بتوجيه ولاية الخرطوم بفتح تحقيق عاجل وتقصي الامر ورفعه للجهات المختصة. لكن الداعية الاسلامي محمد عبدالكريم، كذب كل الاتهامات التي وجهت اليه واكد في حديثه مع «الصحافة» عدم تعرضه لمجمع الكنائس خلال خطبة الجمعة او من قبل، واضاف مانقل من اتهامات محض كذب، وقال انه لم يتعرض للكنيسة لا في خطبة الجمعة ولا من قبل ،وتابع «حدثنا المصلين عن هجليج والخطبة مسجلة بالكامل»، وبين عبدالكريم ان الامر نزاع بين اللجان الشعبية والكنيسة حول الارض، ونحن لسنا طرفا فيه، وعلى من يدعي ذلك ان يأتينا بالبيان ويثبت الامر. من جانبها كشفت الكنيسة عن ابلاغهم السلطات بتلقيهم تهديدات بالهجوم من قبل المجموعات المتطرفة قبل يوم من الحادث بعد رصدهم للتحريض عبر خطبة الجمعة بمسجد الداعية محمد عبدالكريم، واضاف سارعنا بإبلاغ الجهات المختصة لكن المجموعات التي هاجمتنا كانت اعدادها كبيرة واعمارها متفرقة. وتابع لم يتركوا شيئا. قاموا بحرق كافة المباني والادوات واتلاف ملفات الطلاب والمستندات وكسر الخزنة و نهب مابداخلها، بجانب عدد كبير من اجهزة الحاسوب، واشار الى ان الهجوم سبقته محاولة للازالة قبل اسبوعين من قبل السلطات بأمر المعتمد، قبل التراجع من قراره بعد ابرازنا للمستندات التي تثبت ملكيتنا للمكان منذ العام 1918م. ماحدث في ضاحية الجريف بداية الاسبوع سيكون له مابعده ان لم تنتهِ لجان تحقيقه الى نتائج كاملة وتقدم الجناة الى القضاء، هذا ما تقوله ملامح المصلين والذين تضامنوا معهم من داخل المجمع الذي تحول الى ركام، فالمجمع وحسب افادات من مديره يرعى اكثر من 600 مسيحي بالولاية، وتقول سجلات الدولة الرسمية ما قبل انفصال الجنوب ان نسبة المسيحيين تبلغ 30% من جملة السكان البالغ عددهم 40 مليون نسمة، لاشك ان هذه الارقام تراجعت بنسبة مقدرة، بعد مغادرة المسيحيين السودانيين من اصول جنوبية العام الماضي، لكن ما يقوله مجلس الكنائس ان اعدادهم مابعد يوليو 2011م تزيد عن النسبة التي اعلنتها الحكومة (3.5%) .