تعود المصريون عبر حقبهم التاريخية الطويلة مع عهود الاستبداد والقهر، أن يجعلوا من بيوتهم قبلة تلهج ألسنتهم بالتضرع إلى الله والدعاء على الفرعون وزبانيته إلى أن يزيحه رب السموات بالخسف في اليم أو الموت بداء عضال أو الاغتيال في يوم كيوم المنصة الذي أتى بالمخلوع رئيساً واعداً المصريين بألا تتجاوز مدة حكمه الفترتين الرئاستين، ولكنه استمرأ الجلوس على الكرسي ورغب في توريثه لابنه من بعده بشتى صنوف القمع والمراوغة والتزوير لإرادة الشعب.. وكالعادة كان كهنة المعبد وترزية القوانين والدساتير جاهزين لحياكة وتفصيل كرسي الرئاسة على مقاس ولي العهد المدلل جمال مبارك. وقدمت ثورة الياسمين التونسية أنموذجاً استلهمته الشعوب العربية التي توافرت لديها الظروف والعوامل المهيأة للانفجار من البطالة والفقر وغلاء المعيشة في ظل الاستبداد السياسي والقمع الأمني والفساد الإداري وكبت الحريات وتزوير الانتخابات، بالإضافة لاحتكار مافيا رجال السلطة لمفاصل الاقتصاد ووسائل الإعلام التي تزين طغيان الفرعون وتضفي على أعماله لبوس الوطنية والعدالة والرصانة والحكمة، وما تزال هذه الفئة من «فئران السفينة الغارقة» تحاول إعادة التموضع وركوب موجة الثورة والليبرالية والتحرر بممارسة ذات الدور القديم في تضليل المشهد الثوري وتزييف الحقائق وتسطيح الوعي السياسي للحفاظ على بقايا ذيول النظام المتهالك. ولما انكسر حاجز الخوف وانفجرت ثورة الجماهير الهادرة، انهارت قوى الأمن أمام الطوفان البشري وفقدت القيادة والسيطرة، نزل الجيش للشارع في 28/1/2011م، للحفاظ على الأمن بحياد ما بين النظام والثوار، فلم يجد الفرعون من قوة تسنده وتدعم سلطانه أو تصدق وعوده الإصلاحية المزعومة، فاختار مرغماً التنحي وتسليم السلطة للجيش في سبيل الحفاظ على أركان النظام ورسم قواعد جديدة للعبة الديمقراطية يشكل الجيش القوة الضاربة فيها، وتسمح بتدخله لحسم الصراع على السلطة لمصلحة النظام العلماني المحمي والمصان في أغلب بلدان المشرق من قبل القوات المسلحة أو بالأحرى قادة الجيوش. وأخذ المجلس العسكري يلاعب القوى السياسية الثورية ويستفيد من تناقضاتها لمصلحة بقائه، متحكماً في المشهد بشكل مباشر أو من وراء الستار، فتارة ينسق مع التيارات الإسلامية لتحقيق قدر من الاستقرار ودفع عملية التسليم التدريجي للسلطة، وتارة يحتضن التيارات العلمانية «المدنية» لقطع الطريق على مزاعم «تكويش» الإسلاميين على السلطة رغم وصولهم لأبوابها عبر الانتخابات، فلو قدر للشعب المصري أن ينتخب الجمعية التأسيسية لوضع الدستور انتخاباً مباشراً لما أتى بغير الأغلبية الإسلامية التي أظهرتها نتائج الانتخابات التشريعية بمجلسي الشعب والشورى، ولكن يبدو أن هناك من ينادي بالديمقراطية ولا يعترف بنتائجها، بل يتهم الشعب بقلة الوعي والخبرة السياسية، لأنه لم يأتِ بفلول الحزب الوطني المنحل و«أحزاب الأنابيب» الديكورية التي زيَّنت المشهد السياسي للنظام المخلوع سنين عدداً، ولم تبلغ بعد سن الفطام من حضانة السلطة ورعايتها .