* وإن تعجب فعجبٌ أن تتابع بالصوت والصورة حملة إعلانية طويلة وكثيفة تروِّج لأسهل سلعتين كانتا حتى وقت قريب «طعام للفقراء» «العدس والرُّز» وربما «الدكوة» لكن الإعلان التهديدي المشفوع بأبغض الحلال عند الله «الطلاق» يجعل العدس والرُّز من السلع النادرة التي تهدد إستقرار أسرة غنية تقف ربتها في كامل أناقتها في مطبخ فاخر وأواني لامعة وتقول لزوجها المغلوب على أمره في ما يبدو.. «ياكده يا بيت أبوي».. ويبدو إن الإعلان قد تأثر بعقلية حكومة الحركة الشعبية التي تدير شئون الدولة الوليدة أو إن الحركة هي التي تأثرت بالإعلان التلفزيوني «أيهما أسبق» جمهورية جنوب السودان دولة ولدت عقب إستفتاء شعبي جاء بنتيجةٍ كاسحةٍ لصالح الإنفصال «بغض النظر عن الترهيب أو التزوير الذي مارسته إستخبارات جيش الحركة الشعبية على الناخبين وتداولت مناظرة المواقع الأسفيرية ضرباً وقتلاً وحرقاً» وإحتفلت جوبا وسط حشود جماهيرية وحضور إقليمي ودولي تقدمته جمهورية السودان بإعترافها الرسمي ومشاركة رئيسها المشير البشير ووفده الرفيع.. وولدت دولة الجنوب وفي فمها ملعقة من ذهب إذ تتدفق عليها مليارات البترودولار من آبار وحقول ومحطات معالجعة وأنابيب وميناء تصدير ما أوجفوا عليها من خيلٍ ولا ركاب لكننا قدمناها لهم لقمة سائغة هنيئة مرئية.. فولدت الدولة بأسنانها ولم يكن على قادتها «لو إنهم يحسنون صنعاً» إلا «التدوير» تسليم مفتاح.. لكن الدولة الوظيفية لم تكن تُحسن صنع أي شئ.. فقام رئيسها يوم إعلان الإستقلال «بنمرة أربعة» ووجه خطابه وبحضور البشير إلى المتمردين في الدولة الأم وقال لهم «لن ننساكم».. وهي ليست عبارة عاطفية بقدر ما هي رسالة عدائية لجمهورية السودان.. ولما كانت قدرات الجيش الشعبي بائسة.. وهو تجمع مليشيات قبلية بلا «عقيدة قتالية» خاصة بعد هلاك مؤسسة جون قرنق صاحب نظرية «السودان الجديد» من حلفا إلى نمولي.. فوجد الجيش الشعبي نَفْسَه في مواجهة نَفْسِه.. وتشرذم إلى مجموعات قبلية تمارس الإنتقام من بعضها البعض.. وتصفِّي القيادات التي ترفع صوتها في وجه حكومة جوبا.. التي غيَّرت المواجهة من عسكرية إلى إقتصادية فعمدت إلى إغلاق أنبوب النفط لحرمان بلادنا من نصيبها فحكمت على إقتصادها بالإعدام رمياً «بالبلاده والحساده» ولما رأت أن بلادنا غير آبهة بخروج عائدات النفط من الموازنة، هجمت على هجليج لتدمير منشآت النفط والتوجيه بحرقها في رسالة هاتفية موَّثقة لا تترك لسلفاكير مجالاً للتنصل والإنكار. * يا النجمة يا الهجمة.. يا الوابل يا بيت أبوي.. يا أبيي يا هجليج.. يا كل حاجة يا ما في حاجه.. وهذا ما يجافي أبسط قواعد العمل السياسي أو فن الممكن.. ولا أحد في الجنوب يمكن إقناعه بأن لبلاده مصلحة في معاداة السودان الذي يمد جنوب السودان بما يقارب مائتي سلعة غذائية تنساب عبر الحدود في سهولة ويسر قبل أن تحيلها حماقة سلفاكير إلى سلع محرَّمة تودي بمهربها إلى حبل المشنقة أو الرمي بالرصاص في ميدان التهريب. وسيتضور مواطنو دولة الجنوب جوعاً وعطشاً ومرضاً حصاداً للسياسات الرعناء التي تنتهجها حكومتهم الفاسدة المفسدة.. ولن يكون العملاء الغربيون أرق أكباداً ولا أعطف قلوباً على شعب الجنوب من حكومته فحواسيبهم لا تتعاطى إلا بالأرقام ولا مجال فيها للعواطف.. وهم يريدون إبادة الشعب الأفريقي المتخلف.. فالدنيا في نظرهم ستكون أجمل بدونهم.. وهم يكابدون للإطاحة بحكومة الخرطوم ذات التوجه الإسلامي.. لكنهم بالمقابل لا يرحبون بالموت في سبيل هذا الهدف من «بني جلدتهم» وإن كان لا بأس في أن يموت أي عدد من أبناء السودان شماله وجنوبه لتتحول رفاتهم إلى «بترول» بمرور الزمن وهم ما مستعجلين!! * المواطنون في دولة الجنوب في نظر حكومة سلفا هم سكان المدن بالأحرى بعض المثقفين وهؤلاء لا يزيد عددهم على المائة ألف.. وبقية السكان في القرى والغابات والأحراش يأكلون ماتيسر لهم من الأشجار والنباتات وما تبقى من حيوانات وبعض الحشرات. لا يطلبون علاجاً إلا عند الكجور .. ولا يتطلعون إلى ماء شرب نقي.. ولا يحلمون بالكهرباء.. ولا الطرق المرصوفة والنمارق المصفوفة.. ولا يطالبون بقسمة السلطة ولا بنصيبهم من الثروة.. ولا ينضمون لحزب حاكم أو معارض فحاكمهم سلطان القبيلة ودينهم الكجور وكان العشم أن يكون الخلاص في أطروحة الحركة الشعبية التي تزعم تحرير السودان!! من شنو؟ الله أعلم. ولن يطول ليل الظلم فلابد أن ينجلي ويهب ثوار الجنوب في وجه الطغاة «مستجدِّي النعمة» ويعيد النظر في علاقته الدولة الأم فإن كان لا مجال «لوحدة كونفدرالية» كما هي مطالب العديد من المثقفين الجنوبيين فليس أقلَّ من علاقة حسنة.. ومنافع متبادلة.. ومفاوضات منتجة.. بدلاً من سياسة «يا كده يا بيت أبوي» فتنقلب الحركة على وجهها «فتخسر الورا والقِدَّام». * حاول رجل أحمق أن يُدخل حماره في المركب.. والحمار يعاند في دخول المركب وصاحبه يضربه بعنف.. فتدخل أحد الحاضرين قائلاً: «يا زول خلي في قلبك رحمة على الأعجم ده» فرمى الرجل العكاز وأخذ الفرَّار وضرب به الحمار فأرداه قتيلاً وقال للرجل «إنت دخلك شنو حماري وأنا حُر فيه!! وهذا هو المفروض