ما أن أشرقت شمس يوم الانتخابات الأول حتى استبان الخيط الأبيض من الأسود في أكبر عملية فوضى انتخابية على مرأى ومسمع من العالم . فلم تسعف كل مهارات المؤتمر الوطني في عمليات التزوير وعبقرية المفوضية في إخراج مسرحية الانتخابات حيث تكشف ضعف النص والأداء العملي للانتخابات واتضح حجم الخلل الذي طالما نبهت له الأحزاب المقاطعة والمشاركة معا . وحيث لم يعد ممكنا في ظل الرقابة الوطنية والأجنبية والحضور المكثف لوسائل الإعلام إخفاء مظاهر الفوضى والتزوير والخلل الذي كشف ومنذ اليوم الأول، يتضح حجم المهزلة الانتخابية بكل حيثياتها وتجاوزاتها ووقائعها التي تسجلها لحظة بلحظة مواقع الانترنت والفضائيات . ثم ماذا بعد سيستمر المشهد بكل تفاصيله الدراماتيكية حتى لو خلا المسرح من الرواد أو واصل البعض مشاهدة لوحاته المعلومة وفقا لما هو مرسوم له ليحافظ الحزب الحاكم على تشبسه في الحكم بعد أن علقت العقلانية ووئدت أحلام المتفائلين بنقلة جديدة ولو نسبيا . فلينسحب من ينسحب من المرشحين الذين راهنوا على ما تبقى من فتات النزاهة والشفافية التي ما هي إلا سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً . محجوب عروة - الهندي عزالدين -عثمان ميرغنى وغيرهم ليلحقوا بركب المقاطعين الذين رأوا بعيون الزرقاء مالم يره غيرهم . سينتهي المشهد وسيصبح البشير رئيسا وسيعيد المؤتمر الوطني صياغة دوره من جديد بلغة الدولة والامساك بقوتها الآمرة رغم أنف الديمقراطية الموءودة في يوم عرسها المفترض . لكن ستظل التحديات ماثلة والأخطار متعاظمة وسيصبح السودان سودانين وبينهما حقول من النفط والألغام المزروعة على الحدود،الموارد والملفات العاثرة . مشهد كان يستوجب أن تكون القوى السياسية موحدة ومتضامنة لتكبح سنان المخاطر الداهمة على الوطن لكن بريق السلطة والثروة التي عود قادة المؤتمر الوطني أنفسهم على التربع على عرشها بمفردهم قد حالت دون أن تأخذ المسؤولية الوطنية موضعها دون إحساس بان الوطن هو للجميع طالما أن الجميع قد اختاروا التبادل السلمي للسلطة سبيلا بشرط أن يكون شفافا ونزيها دون تزوير في شمس منتصف النهار الحارقة . وتبقى الحقيقة أن الحزب الحاكم قد نجح في إقصاء منافسيه ليس عبر انتخابات حرة ونزيهة تعيد الأمل بعد 20 عاماً من اليأس لكنه نجح أيضا في أن يخدع نفسه على طريقة النعامة التي تدفن نفسها في الرمال ظنا منها أن لا أحد يراها ، اللهم يسر ولا تعسر. واشنطن