لقد عادت جنوبطوكر الى الواجهة للمرة الثالثة هذا العام، فبعد ان حذرت قياداتها المحلية قبل اسابيع من بلوغ الأزمات المعيشية هناك حد المجاعة الشاملة، يشتكي الان مواطنو المنطقة التي تتبع ولاية البحر الاحمر من تردى الاوضاع التنموية والمعيشية بمناطقهم ووصولها الى حافة الهاوية. وهو التصعيد الذي يمضي بالامر الى منعطف جديد في ظل عدم اعتراف كل من المسئولين في الخرطوم وفي الولاية بما يقوله المواطنون. وتزامنا مع تلك الشكاوى اعلن نائب المنطقة في المجلس التشريعي الولائي نداء اشبه بالاستغاثة الاخيرة، يحث خلاله علنا الحكومة والمنظمات على العمل على انقاذ حياة من تبقي من مواطني المنطقة» 152» ألف نسمة، معلنا ان الامر بلغ في جنوبطوكر حدا لا يحتمل السكوت ودفن الرؤوس. الى ذلك ، يستمر طلاب جنوبطوكر بالجامعات في التعبير عن استيائهم من الوضع هناك، بعيد عودتهم من جولة بالمنطقة استغرقت ثمانية ايام وشملت مناطق «درهيب، مرافيت، وعقيق، وقرورة». وقد وصف الطلاب العائدون من المنطقة الاوضاع الانسانية هناك بالمتردية خاصة الجانب الخدمي والذي يتمثل في ندرة مياه الشرب وتدهور الوضع الصحي، واشاروا ل» الصحافة» بان بعض الحوامل من النساء يلدن في الطريق بسبب وعورة وطول الطريق قبل الوصول لبورتسودان. واكد عثمان زبيداي ، لمراسل الصحافة في الولاية، ان انسان محلية جنوبطوكر « تحت خط الفقر ، ولايملك ابسط مقومات الحياة» ، واضاف « ويبدو ذلك جليا على اجساد المواطنين» . ويؤكد مؤتمر البجا بدوره خطورة الاوضاع التي يعيشها مواطنو المنطقة، وطالب بان تدخل جنوبطوكر غرفة العناية المكثفة حتى لا تموت، واشار امين البجا السياسي صلاح باركوين ل» الصحافة» امس الى ان التطورات في المنطقة تستوجب عملا سريعا وكبيرا ، وتابع : يجب ان يتم تحرك سريع لانعاش المنطقة اقتصاديا و اجتماعيا واقرار برامج لانقاذها. ويقول باركوين ان جنوبطوكر من المناطق التي تعاني الجفاف وتقلبات الطبيعة، فضلا عن اثار الحرب التي اندلعت على اراضيها بين الحكومة والتجمع الوطني، وادت الى ان يفقد الاهالي ابناءهم ومواشيهم، موضحا ان التنمية التي اتفق ان تتجه اليها والى غيرها من المناطق المتأثرة بالحرب اكبر من مقدرات ولاية البحر الاحمر، وان المعالجات لاشكالات جنوبطوكر وغيرها تحتاج لعمل موضوعي وجهود حقيقية في اطار الولاية والشرق والاطار القومي، بيد ان باركوين عاد ليقول « هذه المنطقة ظلت تاريخيا الاقل نموا، وتعاني اكثر من التهميش الذي يطال في الواقع الاقليم باكمله». ويدعم ما يقوله الطلاب رئيس حزب التواصل حامد محمد علي، الذي يقطع ل»الصحافة» بان الاوضاع السيئة في « جنوبطوكر» فوق حد الوصف، وان تلك الحقيقة « لا ينكرها الا مكابر»، مؤكدا على ان المنطقة تعرضت خلال الحرب لتدمير ما تملكه من بنية تحتية، فلا يوجد بها طرق معبدة او مستشفى رئيسي او غطاء نباتي علاوة على تعرض سكانها للموت او النزوح، وتابع : المشكلة الان ان الوضع المزري وصل حد انعدام الغذاء، ووفاة النساء على الطرق القاسية قبيل وصولهن المستشفى، ناهيك عن الالغام، واشار الى ان الاهالي يظلون كل عام معزولين لشهور طويلة بعد اغلاق « خور بركة» للطرقات التي يسلكونها، واضاف « المعاناة في جنوبطوكر مسألة حقيقية ولا يستطيع احد انكارها». وتعد قافلة ابناء جنوبطوكر الثانية الى المنطقة بعد القافلة التي كان ارسلها النائب الاول لرئيس الجمهورية، علي عثمان طه، لدعم الاهالي بعد ان ضربها الجفاف في موسم الامطار الماضي. وحمل طلاب المنطقة الى ذويهم ما تيسر من ادوية وملابس، فضلا عن انفاذهم برامج ثقافية وتوعوية. الا ان الروايات الحكومية لا تتسق مع ما يقوله ابناء جنوبطوكر، عن الاوضاع الانسانية هناك وبالقرب من المنطقة الحدودية ،على وجه التحديد، فقد نفت الحكومة تردي الاوضاع التي يعيش فى ظلها اهالي جنوبطوكر، وقال نائب رئيس المؤتمر الوطني بالولاية محمد طاهر أحمد حسين ل» الصحافة» ان كل ما يتردد عن المنطقة مزايدة سياسية وان الواقع على الارض يشهد تحسنا كبيرا خاصة على صعيد التنمية مشيرا الى ان حكومة الولاية اولت جنوبطوكر اهتماما خاصا ، وقال ان طريق قرورة طوكر حال اكتماله سيسهم في حل كل مشاكل المنطقة. لكن الاهالي اعتبروا ذلك سياسة تهدف الى اجبار الاهالي على النزوح من مناطقهم وهجر جنوبطوكر، وحمل اهالي المنطقة والي الولاية، محمد طاهر ايلا، مسؤولية تفاقم الاوضاع لمنعه المنظمات الانسانية من الدخول لتقديم المساعدات العاجلة للاهالي، مدللين على وجود هذه السياسة بخلو المحافظة من اي وجود حكومي ما خلا مكاتب تحصيل الايرادات والامن، وعدم توافر اية خدمات صحية او مياه نقية او مقرات حكومية فى المنطقة. ويعود الامين السياسي لمؤتمر البجا للتعليق على هذه المزاعم لكنه فضل التأمين اولا على تردي الاوضاع الانسانية في المنطقة، واكد ل» الصحافة» على معاناة الاهالي هناك و على حقيقة المخاطر التي تتهدد حياتهم، ثم اشار صلاح باركوين الى ان المعاناة في جنوبطوكر جزء من معاناة اهالي الشرق جميعا، لافتا الى الصعوبات التي لازالت تكتنف عملية حصول الناس في الاقليم حتى على مياه صالحة للشرب، وتابع : معالجة تلك الاوضاع المزرية تحتاج لاهتمام ومجهود مخلص من المسئولين، لكن ليس على مستوى ولاية البحر الاحمر فقط لانها لا تمتلك مقدرات تعيد للناس حياتهم ، مؤكدا ان الامر يجب ان يخضع لمنظور قومي يعمل على تنفيذ مشاريع استراتيجية ويشيد البنى التحتية التي تنطلق منها التنمية، واضاف باركوين « اذا قال الاهالي انهم يعانون المجاعة.. فهم محقون، لانهم في حاجة فعلا الان لعناية فائقة». بينما يقول رئيس حزب التواصل حامد محمد علي ان المسئولية فيما يحدث للمنطقة يتحملها الجهاز الحكومي ككل بداية من الحكومة في المركز وانتهاء بالمعتمد في طوكر، وتابع : سيدنا عمر بن الخطاب قال « لو عثرت بغلة في العراق لكنت مسؤولا عنها»، الا ان حامد محمد علي عاد وحمل ايضا ممثلي المنطقة جزءا من المسئولية، لانهم لو رفضوا الصمت على ما حدث لجنوبطوكر لحدث تغيير كبير في تلك الاوضاع، واضاف رئيس حزب التواصل « الكثير من المناطق تعاني من السياسات العقيمة والتنمية المقلوبة، لان بعض المسئولين يهتمون بالمظهرية رغم انها في حقيقة الامر مشاريع وهمية».