خلال لقائه رئيس الحركة الشعبية جناح السلام نهاية الاسبوع الماضي شدد رئيس الجمهورية علي ضرورة ان يأتي حل قضية الحرب بولايتي النيل الازرق وجنوب كردفان بأياد سودانية بعيدا عن دولة جنوب السودان ، واكد رئيس الجمهورية ان أبناء السودان قادرون على حل مشاكلهم لوحدهم دون تدخلات خارجية . وحديث رئيس الجمهورية بحسب مراقبين هو ماظلت تنادي به القوي السياسية التي كانت تشدد علي ضرورة عدم اتاحة الفرصة لتدويل القضايا السودانية ،وكثيرا ما ناشدت الحكومة بالجلوس الي الاحزاب المعارضة والحركات المسلحة بعيدا عن الوسطاء الدوليين وذلك للوصول الي تفاهمات واتفاقيات تفضي الي حلول مرضية لكل الاطراف ، وبحسب مراقبين فان تأكيد الرئيس الاخير يعني ان هناك تحولا كبيرا في سياسة الحكومة ،واصفين ذلك بالمؤشر الايجابي الذي ينبئ بامكانية جلوس الحكومة والجبهة الثورية الي طاولة مفاوضات،ورغم روح التفاؤل التي خلفها حديث الرئيس،الا ان مراقبين بدأوا متشائمين حيال امكانية مفاوضات مباشرة بين الحكومة والحركات المسلحة ،مشيرين الي انعدام الثقة بين الطرفين خاصة الحركات المسلحة التي تتهم الحكومة بعدم الوفاء بالعهود في حالة عدم وجود وسطاء دوليين وفي وجودهم ايضا ،ويتساءلون عن الجهة الداخلية التي ستقوم بالوساطة وعن ضمانات تنفيذ مايتفق عليه الطرفان. والمتابع لمسيرة « الانقاذ» يلحظ تعثر معظم الاتفاقيات التي ابرمتها مع حاملي السلاح والاحزاب المعارضة ،وعادة ما تتهم بالتسبب في نسفها وعدم الوفاء ببنودها ،واول هذه الاتفاقيات ماتعارف عليها باسم اتفاقية السلام من الداخل التي تم توقيعها في العام 1997 بين الحكومة ورياك مشار الذي عاد قبل اكمال الاتفاقية عامها الاول ادراجه الي الحركة الشعبية متهما وقتها الحكومة بعدم الوفاء ببنود الاتفاقية ،ثم جاءت اتفاقية جيبوتي في العام 1999 وكانت بين الصادق المهدي وحكومة الإنقاذ وحينها قال الصادق المهدي « جئت لاصطاد أرنبا فاصطدت فيلا» ،ولكن التعثر الذي صاحب انزال بنود الاتفاقية لم يترك إمام الانصار يهنأ بصيده لتذهب هي الاخري ادراج الرياح،ثم جاءت اتفاقية نيفاشا التي شاب تطبيقها الكثير من الاتهامات المتبادلة بين الانقاذ والحركة الشعبية ورغم وصولها لمحطاتها الاخيرة الا ان مخرجاتها التي افضت للانفصال خصمت منها كثيرا كنموذج لاتفاقية حققت نجاحا نسبيا،ولم تحظ اتفاقية القاهرة الموقعة بين الحكومة والتجمع الوطني بالنجاح المتوقع ولم يختلف مصيرها عن سابقتها ،وبعد تدهورالاوضاع في دارفور وطرق قضيتها ابواب المجتمع الدولي سعت الحكومة لاحتواء الامر عبر اتفاقية ابوجا التي لم تصل هي الاخري الي غايتها المنشودة كما هومعروف ، ثم جاءت اتفاقية أسمرا في العام 2006 التي ابرمت بين الحكومة وجبهة الشرق وهذه الاتفاقية رغم انها اسهمت في ايقاف الحرب غير ان قادة جبهة الشرق ظلوا يؤكدون عدم وفاء الحكومة بتعهداتها لانفاذ عدد من البنود ،واخيرا اتفاقية الدوحة التي بدأ طرفها الرئيس التجاني السيسي مسلسل الشكوي من صعوبات جمة تواجه انزال الاتفاقية علي ارض الواقع ،متهما الحكومة بعدم الوفاء بتعهداتها المالية. اذا اغلب الاتفاقيات التي وقعتها الحكومة كانت بوساطة خارجية ،ومايدعو له الرئيس بان تأتي الحلول بعيدة عن التدخلات الخارجية ،يؤيده ايضا القيادي بالاتحادي الديمقراطي المسجل معتصم عز الدين الذي شدد علي ضرورة الحوار السوداني السوداني لحل كافة القضايا الوطنية ،غير ان عزالدين في حديثه ل«الصحافة» طالب بتوحيد الجبهة الوطنية المعارضة بشقيها المدني والمسلح ،وقال ان تجسيد دولة المواطنة القائمة علي المساواة يعتبر الحل النهائي لمشاكل السودان ،معتبرا الحلول الجزئية المتمثله في الجلوس الي الحركات المسلحة وتجاوز القوي المعارضة المدنية خطأ لايقود الي حل مشاكل السودان مجتمعة ،مؤكدا تأييده لطرح مساعد الرئيس جعفر الميرغني الداعي لانشاء مجلس حكماء لحل مشاكل دولتي السودان والجنوب ،وقال ان عمل هذا المجلس يجب ان يبدأ بحل المشاكل الداخلية في المقام الاول. ولكن كيف السبيل الي حوار سوداني سوداني في ظل حالة انعدام الثقة بين حكومة تتهم المعارضة المسلحة والمدنية بتنفيذ اجندة خارجية ،ومعارضة تري الحكومة ناقضة للمواثيق ،يجيب القيادي بالمؤتمر الوطني الدكتور ربيع عبد العاطي علي التساؤل بالاشارة الي ان الحوار بين السودانيين امر مطلوب بغض النظر عن الانتماءات والمرجعيات ،مؤكدا انه سيكون مدخلا مثاليا لحل قضايا السودان وقفل الطريق امام التدخلات الدولية ،وقال ان الحكومة لاترفض الحوار مع القوي المعارضة المسلحة اذا فضت ارتباطها مع دولة الجنوب وتخلت عن الاجندة الخارجية ،مبينا ان توفر الثقة يتوقف علي وضوح المحاور والقضايا مثار الخلاف. وفي ظل حالة العداء الواضحة بين الحكومة والحركات المسلحة الممثلة في الجبهة الثورية يبدو الاتصال المباشر بين الطرفين غير متوقع وهذا يعني بالضرورة وجود طرف وطني ثالث ،يراه القيادي بالاتحادي المسجل معتصم عزالدين متوافرا في اي طرف وطني مستعد للقيام بهذا الدور دون تحديده ،ويشترط القبول بمبادرة الطرف الوطني وعدم النظر اليها بريبة وشك ،فيما يؤكد الدكتور ربيع عبد العاطي ان الكثير من الجهات الوطنية يمكنها لعب هذا الدور الذي اوضح ان الحكومة ترحب به في حالة التأكد من عدم وجود عنصر اجنبي يقف من وراء الجهات المبادرة. ويعتقد المحلل السياسي الدكتور صديق تاور في حديث ل«الصحافة» ان الطرف الثالث يجب ان يتمثل في لجنة قومية مستقلة ومحايدة يقوم رئيس الجمهورية بتعيينها ترتب لعقد مؤتمر قومي بمشاركة كل القوي السياسية الحاكمة والمعارضة تصدر توصيات وقرارات ملزمة لكل الاطراف. لكن المخاوف من عدم وفاء الحكومة بتعهداتها في حالة وصول الحوار السوداني السوداني بمخرجات ملزمة لكل الاطراف تظل العقبة التي يتخوف الكثيرون منها ويطالبون بوجود ضمانات قوية ،ولكن القيادي بالحزب الحاكم ربيع عبد العاطي يقلل من هذه المخاوف ،مشيرا الي ان القضاء علي مثل هذه الاتهامات يكمن في انزال بنود مايتفق حوله الي ارض الواقع ،وزاد « نحن لسنا في عالم مبرأ من العيوب ولكن يجب التركيز علي الايجابيات واتفاقية نيفاشا توضح وفاء الحكومة بتعهداتها» ، ويري الدكتور صديق تاور ان المخاوف من عدم مصداقية الحكومة صحيحة،الا انه يقول ايضا ان افضل ضامن لانزال مايتفق حوله يجب ان يكون الشعب السوداني ،ويضيف» آليات مثل الاعتصامات والمقاطعات تعتبر فعالة في حالة عدم ايفاء احد الطرفين بالاتفاق».