تصفية ضباط بالجيش السوداني    معارك كردفان    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    رئيس اتحاد بربر يشيد بلجنة التسجيلات ويتفقد الاستاد    سيناريوهات ليس اقلها انقلاب القبائل على المليشيا او هروب المقاتلين    عثمان ميرغني يكتب: المفردات «الملتبسة» في السودان    خطوط تركيا الجويّة تدشّن أولى رحلاتها إلى السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. خلال حفل بالقاهرة.. فتيات سودانيات يتفاعلن في الرقص مع فنان الحفل على أنغام (الله يكتب لي سفر الطيارة) وساخرون: (كلهن جايات فلاي بوكس عشان كدة)    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    حياة جديدة للبشير بعد عزله.. مجمع سكني وإنترنت وطاقم خدمة خاص    إحباط محاولة تهريب وقود ومواد تموينية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    هدف قاتل يقود ليفربول لإفساد ريمونتادا أتلتيكو مدريد    كبش فداء باسم المعلم... والفشل باسم الإدارة!    ((أحذروا الجاموس))    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    مبارك الفاضل..على قيادة الجيش قبول خطة الحل التي قدمتها الرباعية    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    التغير المناخي تسبب في وفاة أكثر من 15 ألف شخص بأوروبا هذا الصيف    تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    ماذا لو اندفع الغزيون نحو سيناء؟.. مصر تكشف سيناريوهات التعامل    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    السودان يدعو المجتمع الدولي لدعم إعادة الإعمار    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    ما ترتيب محمد صلاح في قائمة هدافي دوري أبطال أوروبا عبر التاريخ؟    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    السودان يستعيد عضوية المكتب التنفيذي للاتحاد العربي لكرة القدم    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    عودة السياحة النيلية بالخرطوم    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    شاهد بالصورة والفيديو.. عروس سودانية ترفض "رش" عريسها بالحليب رغم إقدامه على الخطوة وتعاتبه والجمهور يعلق: (يرشونا بالنووي نحنا)    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثقافة الشايقية جعلت النعام أدم قلبها المعبر .. توفرت لجيلنا مصادر شتى للمعرفة
الروائي محمد سليمان الشاذلي ل (الصحافة) (1)
نشر في الصحافة يوم 15 - 05 - 2012

محمد سليمان الشاذلي روائي وقاص صدرت له رواية حدث ذات مرة في دبي وكتاب كنائس ومساجد عن التجاني يوسف بشير كتب مجموعة من القصص القصيرة نشرت بجريدة الصحافة وقد تنقل بين لندن ودبي حيث يعمل الآن بmbc
محمد سليمان الشاذلي نبدأ حوارنا معه بلمحات من سيرته الذاتية؟
- اسمي الكامل محمد سليمان الفكي الشاذلي وأكتب باسم الشاذلي لوجود كاتب يكتب الفكي بنفس القافية والروي .درست اللغة الفرنسية وآدبها بجامعة الخرطوم . حصلت على جائزة جامعة الخرطوم للقصة القصيرة للعام 1983م عن الودعات السبع وكان رئيس لجنة التحكيم علي المك وقد منحني مدير الجامعة آنئذ الجراح عمر بليل درقة الآداب مع مبلغ مئتين وخمسين جنيها ثم فزت بذات الجائزة عن قصة الجثة المحرّمة العام 1984م . وكان علي المك وعمر بليل في مكانيهما فقال عمر بليل مهاذرا ؟ ماذا فعلت بالمئتين وخمسين التي أعطيتك إياها العام الماضي فأجبته ضاحكا بما قد لا يستساغ من بعض القراء هذه الأيام وقد كان حقا ً مبلغا ضخما إذ ْ كانت جامعة الخرطوم تتكفل بكل النفقات الدراسية والحياتية حتى ش+رب اللبن بعد وجبة الغداء علمتنا إياه جامعة الخرطوم . وكان السناير يقولون حين نزول البرالمة ساعة الغداء :» شوف صاحبك البرلوم ما حايقدر يشرب اللبن بعد الغداء « وبالفعل تلك عادة تحتاج بعض حين . المهم أن عمر بليل أشار إلى المظروف المحتوي على المئتين وخمسين جنيها وقال لي :» آند يو غوت آنذر ْ تو هندردْ آند فيفتي يو ميْ سبند ذي وي يو لايك.» وتقدمت في دراسة اللغة الفرنسية وقرأت لو أتغنجير لألبير كامو ولونفن ْ نواغ لكامرا لاي . ثم إني مكثت بعض الوقت بفرنسا أيام الجامعة وكان ذلك في السنة الرابعة ثم بعد أن تخرجت انتقلت للعيش في لندن بانجلترا حيث عالجت التجارة والترجمة والإعلام وأنا الآن أعمل كاتبا ًأول ومترجما ً فوريا ً بقناة الام بي سي - بدبي . أسكن الخرطوم 2 لكني ولدت ونشأت في مدينة أمدرمان . وحينما اقضي بعض الأيام بالسودان أكون موزعا ً بين المدينيتين ولكل نكهتها وطابعها . أبي ينحدر من قبيلة عرب العوامرة الذين أشار إليهم السير هارولد ماكمايكل في كتابه أشورت هيستري أفْ ذي أرَب ْ إن ْ ذي سودان ْ بأنهم ينتمون إلى السيد عامر بن السيد رافع زاعما ً أنهم ينتمون إلى الدوحة النبوية ، أما أمي فتنتمي إلى قبيلة الشايقية الذين وصفهم هارولد ماكمايكل في ذات الكتاب بما يمكن تخفيفه إلى أنهم أصحاب طرب وفرح وأدب . ولعلي نفسيا وشكليا أنتمي اليهم فثقافتهم جدّ ضاربة وجاذبة . ولعل الكثيرين لا يعلمون أن النعام آدم عربي إذ إن والده من الهواوير لكن ثقافة الشايقية القوية لم تأخذه فحسب وانما جعلته قلبها المعبر عنها ولا مراء في أنه أمهر من عزف الطنبور ، كما أن صوته لم يتكرر خاصة ً حينما يشير إلى أصله العربي « منصوركتي مو عارفانا ، تبكي الكَرَبة بعربانها « والكَرَبة بفتح الكاف والراء هي منطقته التي انطلق منها إلى راديو أمدرمان ولكل السودان ، وأنا لعلني مثله فأبي من العرب العوامرة لكن وجداني شايقي ما قد يكون قد دفعني إلى الغناء والشايقية يعنون بكلمة الغناء عموم الشعر والقصص والأدب .
- وهي ذات البيئة التي نشأت بها أنت فما تأثيرها عليك ؟
- أقول أن ذلك قد يكون شأني لأني كنت قريبا لجدتي لأمي وقد كانت مليئة بالشعر والقصص ذي الإمالة التي كانت لا تبارحني في قراء الدوري عن أبي عمرو . نعم كان لها تأثيرها خاصة ًأن بيتنا كان يجاور بيت خالي وخالتي . كما أن أمي تنظم الشعر من حين لحين وتحفظ الكثير من الأبيات الطريفات التي تروقنا مع الجُرُم وآن يخمّر الشربوت .
- تم ّ تلقيني القرآن من قبل والدي وأنا دون سن الخامسة حتى بلغت سورة الحديد ْ ثم لمّا تعلمت أحرف الهجاء عند سن السادسة صرت أختلف إلى خلوة الشيخ الفنجري . كان لديّ لوح له رقبة من الخشب وكنت أجيد صنع الدواية ذات الرائحة النفاذة من سَكَن صاج العواسة أو من هبوه إن شئت مع صوف الغنم والصمغ العربي ، وكانت لي أقلام من الثمام أحدّها بالموس حدّا . وما كنت أنعم بعطلة الصيف للعب والتسكع .
- لم يكن في بيتنا سوى ألواح القرآن والمصاحف الكريمة وأحدها كان مكتوبا بماء الذهب . وقد بدأت أنا من مصروفي الصغير إدخال الكتب الصغيرة ايضا إلى البيت فلما كثرت تكرم أبي باريحيته واشترى لي مكتبة من خشب المهوغني لا تزال موجودة ومن ايامها وبند الكتب أصبح بندا كبيرا كما أن نقلها من الخرطوم طورا ً إلى لندن وطورا ً آخر إلى دبي ثم إلى المنازل التي تقتضي المعيشة الانتقال اليها أصبحت اليوم امرا ً فيه نصبه والٌامه التي هي في غاية الحدة . ولعل زوجتي ترهق أيما إرهاق أذ إنها هي من يحرص على تبويب الأرفف وتنظيم المجلدات والكتب ذوات الأحجام المختلفات .
من أين جاءت ثقافتك الدينية ؟
كان والدي عليه رحمة الله رجل قرآن وعاشقا كبيرا لمحمد بن عبد الله النبي الأمي الأمين وخاتم المرسلين عليه افضل الصلاة وأذكى التسليم . ومن قبل بلوغنا الإدراك أي منذ اليفاعة كنت أسمع منه باستمرار وأنا ابنه الأكبر أن أمنيته هي أن يجاور حبيبه عليه عاطر الصلاة والتسليم . تلك كانت أمنيته الوحيدة في الحياة . شفتاه كانتا لا تفتران عن التلاوة والصلاة . لسانه يتلو قرآنه في كل ّ حين ، سخّر لي الفؤاد والسوَر ، ما زلت ُ أذكر ُ تلقينه لي سورة ليلة القدر في ليلة من ليالي الطفولة فيها الظلامُ والبرقُ والرعد ُ وفيها المطر . وأذكر وأنا بعد دون سن الخامسة أن بلغنا سورة نون فكان يتلوها كما ينبغي وكنت أرددها بسرعة مخلّة فلمّا أن تعب من التكرار قال لي بصوت عالٍ : «نووووون فيها مد» فحسبت أن كلمة فيها مد جزء من الآية فرددت وراءه : «نووووون فيها مد» فضحك أيما ضحك وكان في سمته أريحية دائمة الابتسام والضحك وربتما يكون مبعث ذلك ما كان ينعم به من تصالح مع النفس وتيقن بالقرآن . وكان كثيرا ً ما يشرح لي الطريقة المثلى لغسل الميت وتطييبه لا سيما بالكافور . وقد مرت الأيام وغسلته مع أخي وطيبته بالكافور وصلينا عليه في الحرم النبوي الشريف ودفناه في البقيع ليس بعيدا عن القبة الخضراء (أم قلّة) مع أختي التي كانت شبيهة له في الملامح العربية و زوجها وبنتيهما . ولقد مكثت بعد دفنه ودفنهم مع أمي وأخي ما يقارب الثلاثة وأربعين يوما في المدينة التي عشقها ، وكانوا قد بدأوا حينها في فتح الحَرَم ْ النبوي طوال الليل شأن الحَرَم ْ المكي , وإني لأدّكر أن الطيب صالح عليه رحمة الله كان يهاتفني كلّ ليلة وكان للمدينة وراقدها عاشقا فأهاتفه وأنا متخذا ً موقفا بين باب جبريل والبقيع . كان إن ذهبت مع أبي إلى الحَرَم ْ النبوي يقول لك بغتة ً وأنتما في وسطه : كان هنا دكان ، كان هنا زقاق ،كانت هنا دار! كان يحفظ طبوغرافية المكان القديم حفظا فقد كان يختلف إلى تلك الديار المقدسة منذ الستينات آن كان الجنيه السوداني يساوي ثلاثة عشر ريالا سعوديا وكان يحمل هو ورفقته بابور الإبرة والكسرة الجافة والشرموط وما يمّكن من صنع السخينة ، وكانوا يمكثون قرابة الشهرين متخذين ذهابهم وايابهم عبر بحر المالح.
- للزومي حفظ القرآن فاتتني مهارة تعلم كرة القدم ولعب الورق لكن أحرف القرآن كما قلت آنفا ًدفعتني للكتب فصارت هي الواحة التي اقضي فيها بعيض الأوقات بعد الاطلاع على رواية حفص عن عاصم في المصحف لمقارنتها باللوح المخطوط برواية الدوري عن أبي العلاء الذي هو دونما ريب افقه القراء بالعربية نحوا وصرفا .لاحقا ً صارت لي اهتمامات برواية نافع وإعجاب برواية حمزة ولم أستسغ كثيرا الكسائي وخَلَف العاشر .
حدثنا عن قراءتك الأدبية الباكرة ؟
كنت أجد الكتب الأكثر تقدما ً في مكتبة ابن خالتي الأديب الأريب عصام الدين إبراهيم الشيخ صاحب قصيدة فاتنة الأنبوب السحري التي كتبها لمضيفة إحدى طائرات الداكوتا وقصيدة اسكندرية مدينة التناقض البديع . كنت أجد في مكتبته النبي والموسيقى ورمل وزبد لجبران خليل جبران وديوان المهندس وإبراهيم ناجي وديوان إشراقة للتجاني يوسف بشير الذي عسر عليّ جدا ً آنئذ لو لا بعض العون الذي وجدته في الكتابين الذين وضعهما عنه هنري رياض ود. عبد المجيد عابدين اضافة لدواوين من الشعر العربي القديم. كما كان لابن جيراننا الذين صرنا وإياهم أهلا المهندس الأديب محمد أحمد عبد الرحمن الأحمر (بدا أو أتش) روايات سلسلة تاريخ الإسلام لجورجي زيدان وكتب مترجمة عن الأدب الإنجليزي والفرنسي والروسي. إضافة لمجلات العربي والدوحة وصباح الخير وروز اليوسف وأخبار اليوم التي كان ينشر فيها مصطفى أمين قصة صاحبة الجلالة وسنة أولى سجن . وكلاهما عصام الدين و(بدا أو أتش) أقلعا عن كتابة الأدب في وقت لعله كان باكراً بعض الشيئ . بعد ذلك اكتشفت مكتبة امدرمان المركزية حيث حفظت ُ بجهدي الذاتي المعلقات السبع بشرح الزوزني بالإضافة للاطلاع على ما كتبه طه حسين وعباس محمود العقاد والمازني ومصطفى صادق الرافعي ثم جعلت أقرأ بتؤدة شعر أبي الطيب والبحتري وابن الرومي وبشار بن برد وعدي بن زيد وأبي تمام وأبي العلاء المعري الذي أعجبتني عنده رسالة الغفران أيما إعجاب ، ثم شرعت في سفر الأصفهاني فقرأت لمسلم بن الوليد صريع الغواني وعمر ابن ابي ربيعة وعبد الله بن قيس الرقيات ثم عرجت على العقد الفريد والعمدة لابن رشيق والحيوان والبخلاء للجاحظ والشعر والشعراء لابن قتيبة وخزانة الأدب ورسالة الصاهل والشاحج والمستطرف والمستظرف وأدب الكاتب والأدب الكبير والأدب الصغير وكليلة ودمنة لابن المقفع وقد استبشعت مقتله أيما استبشاع.. ثم كان الفتح الأكبر عندما تمكنت من الاقتراب والتعرف وأنا بعد في السنة الأولى من الثانوي العام على جارنا الأكثر تميزا وتحضرا ً وتمدنا ً عبد الحي أحمد عباس والذي كان دوما ما يكون ب(الخارج) إذ لم يكن الناس يسافرون كثيراً تلك الأيام لتحدد اسماء البلدان التي يسافرون إليها . كان مثقفا كبيرا ومدمنا للسفر بحكم عمله كرجل أعمال وكان مكتبه يعمل دوامين من الثامنة صباحا حتى الثانية ظهرا ومن الخامسة مساء ً حتى الثامنة وكان من جلسائه حسن قنجاري وتومو شيك وآل أبي العلا وآل القوصي ، وكان يزوره الحاردلو وعثمان اليمني . وقد استمعت لأول مرة عنده لبحيرة البجع لشايكوفسكي وأمتعتني أيما متعة وقد أصبحت الموسيقى الكلاسيكية في حاضري الآن غذاء ً لا ينقطع كما الوجبات وازدحمت مكتبتي الموسيقية بأصناف الأسطوانات و التأليفات والمؤلفين وصار غروفز دكشنري أف ميوزيك آند ميوزيشان رفيقا حميما . وفي لندن كانت قلعة البيربكان التي تأوي شركة شكسبير آند ْ كمبني ْ تُحي يوميا ًكونسرتا كلاسيكيا مرة ً لرمسكي كورساكوف في شهرزاده التي تشعر فيها بأجواء ألف ليلة وليلة ويعن لك كأنك ترى البساط الطائر وعلاء الدين ومصباحه السري وأسفار السندباد ذات المغامرات ، ومرات يحيون ليالي لفرانز ليست في قصيده السيمفوني , كل هذا اندلع من تلك الشرارة التي أطلقها عبد الحي ، وقد كان يعالج الرسم أيضا ومرة أهداني بعد عودته من إحدى سفراته إلى الخارج مجموعة كاملة من ألوان الزيت والريش ذات المقاسات المختلفة مع بعض ألوان الباستيل ولوحة لحصان كنت ترى فيها العرق يسيل من فخذه الخلفي ما أبدع فيه الرسام حقا . وقد أتيح لي لاحقا زيارة معظم المتاحف في أوروبا وأمريكا ولا متعة تعادل عندي ساعة في اللوفر او الهرميتاج أو متحف رودان او فان جوخ في امستردام أو متحف الفن الحديث في نيويورك ... وأعود فاقول إني في حديقة دار عبد الحي الواسعة جدا والمضاءة من الجدران بمصابيح نحاسية كلاسيكية ذات ظلال فيكتورية عتيقة التقيت بالأستاذ المدمن للثقافة والسياسىة علي عبد الحميد الذي كان يعمل كبيراً للمحاسبين . معهما قرأت أصل الأنواع لشارلس داروين وتاريخ الفلسفة الغربية لبرتراند رسل الذي عقد فيه فصلا ً للفلسفة الإسلامية ، كما قرأت معهما الفلسفة الوضعية واللزوميات لأبي العلاء المعري والمادية التاريخية والثالوث المحرم لبوعلي ياسين وحوار مع الصفوة لمنصور خالد ومقدمات لمونتسكيو وهيجل وماركس وكانط وهيوم ودونما ريب قرأت هكذا تحدث زرادوشتورا لنيتشة لكني في الحقيقة شعرت ربما بحكم تربيتي الدينية إلى نوع من الراحة لهنري بيرغسون . كان ذلك الرجلان المتمدنان ورغم حداثة سني يتعاملان معي على نحو من الاحترام على نحو لا يكاد يصدق . كنت أقرأ في اليوم إضافة للقرآن ما لا يقل عن المئتي صفحة وذات يوم قرأت كتاب العقاد «يسألونك» بكامله وصفحاته تفوق الثلاثمائة صفحة . وكنت أجتهد لوحدي مع بعض المساعادات من البرتشْ كانسُلْ في إجادة اللغة الإنجليزية وكانوا يعرضون كل أربعاء فيلما محترما ً فكنا نقرأ أتل أف تو سيتيز كما كتبها شارلس ديكنز دون تبسيط وكذلك وزرنغْ هايز لبرونتي ولا أزال أدّكر ُ قسوة هيسكليف ولعلّ موت كاثرين في وزرنغْ هايز هو أهم موت في تاريخ الأدب على الإطلاق . ثم بدأت في قراءة الدراما فقرأت هاملت وتاجر البندقية وذي وينتر تلْ ومدار السرطان ومدار الجدي وقطة على سطح صفيح ساخن بعضها لميلر وبعضها لتنيسي وليامز. ثم لما بلغت الصف الثالث من الثانوي العالي تم إدراجي لتفوقي في المواد العلمية بالقسم البايولوجي وذلك بمدرسة محمد حسين العليا فاوضحت أن رغبتي هي الانخراط في المجال الأدبي إلا أن الناظر وحتى الوكيل وكان أديبا وهو تاج السر عطية رفض تحويلي لأن المدرسة تعوّل على من لهم قدرات لدخول كليتي الهندسة والطب لترفع من شأنها ، غير أني في الأسبوع الثاني جررت درجيّ وكرسيّ من الفصل العلمي لأقرب فصل أدبي وكان اسمه غزالي وكنا بالطابق الثاني فأتى تاج السر عطية ونظر من النافذة وقال لي بغضب : «ده شنو العملتو ده؟» فأجبته بأني مثلت المدرسة في مسابقات المدارس في اللغة الإنجليزية وليس البايولوجي فصمت ومضى . واجتزت الامتحان إلى الجامعة بيسر منقطع النظير إذ ْ كنت كثيرا ً ما أكتفي بما أسمعه في الحصّة تساعدني في ذلك ملكة الحفظ . ولقد استمتعت غاية الاستمتاع بمسرحية أوسكار وايلد ذي امبورتنْسْ أفْ بينغ أيرنست التي قرأناها كما كتبها وايلد اضافة إلى كتابين لطيفين احدهما فلوَرزْ فُر مسزْ هاريس ْ وماغريتْ غوسْ تو سكول ْ . وقد قرأت ُإضافة ً إليهما آرمز آند ذي مان وقيصر وكيلوباترا لبرنارد شو بلغته كما كتبها دونما بردجيغ أو تبسيط كما استمتعت بذخيرة المطالعة التوجهية وما حوته من موازنات وسرقات وهو لعمري باب ضخم ذيّل الخطب والمكاتبات الجاهلية والنبوية والراشدية والأموية والعباسية .
جامعة الخرطوم ؟
اتخذت سبيلي لجامعة الخرطوم من الضربة الأولى ودرست الفرنسية وآدبها وكانوا يدرسوننا فيها مادة تعرف ب: لا كُلتور فرُنْسيسْ أي الثقافة الفرنسية فيها الأغاني والمأكل والمشرب والملبس وأدب الحوار ولا أدري إن كانت تلك المادة قد مدّنتنا أم أصابتنا بشئ من التغرّب وضربا ً من اللهو الذي قد يراه البعض الآن غير مباح وهو على كل غير متاح.وعلى كل ٍ فلقد اتخذت ُ طريقي لل(الخارج).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.