ورد في صحيفة الصحافة الصادرة بتاريخ 17/4/2012م خبر وصف فيه وزير الدولة بوزارة المالية عبد الرحمن محمد ضرار الوضع الاقتصادي في البلاد بالممتاز والمطمئن وقد ذكر ذلك امام البرلمان ،ومن جانبه اعتبر وزير الاعلام السابق عبد الله مسار ان الوضع الاقتصادي مطمئن ونفى ما تردد عن وجود ازمة اقتصادية في المحروقات والسلع وأضاف (السلع الآن متوفرة والسكر موجود ولا توجد ازمة في اي صنف). لقد قرأت هذا الكلام أكثر من مرة واثار في نفسي عدداً من الاسئلة اود ان يشاركني فيها الآخرون. ومنها، هل يقصد هؤلاء الناس هذا السودان الذي نعيش فيه ام ان هناك سوداناً آخر؟ وهل كلمة ممتاز وكلمة مطمئن تحمل معنىً واحداً وهو الذي نعرفه، ام أن لها معانٍ اخرى؟ ام انهم يقصدون السودان فعلاً ويقصدون تلك المعاني التي نعرفها من (الممتاز) و(المطمئن) لكنهم يستخفون بعقول الناس بالرغم من ان معرفة اقتصاد السودان بالنسبة للانسان العادي لا تحتاج الى معرفة علوم الاقتصاد ومصطلحاته المعقدة بل يكفي ان يتحسس الانسان بطنه فيجدها جائعة ويتحسس جيبه فيجده خاوياً وقد يجد فيه بعض النقود ولكنها نقود فاقدة لمقدرتها الشرائية. حقيقة والله لا ادري ماذا يقصدون. دعونا نسيح في اقتصاد السودان هذا وببعض الاسطر علّنا نجد الطمأنينة في هذا الاقتصاد فنتمسك بها او نجد هذا الامتياز فنتشبث به. ومن المعروف انه بعد اتفاقية الشؤم نيفاشا، فقد السودان 75% من ثروته النفطية، وهي تعادل حسب اقوال الاقتصاديين 70% من الميزانية العامة و 80% من عائد النقد الاجنبي فهل هذا الامر دفع اقتصاد السودان الى الامتياز وجلب لنا الطمأنينة؟ الإجابة لا تحتاج لتفكير. اما اذا رجعنا للمعايير التي يقيس بها الاقتصاديون حال البلد الاقتصادية فإننا نجدها في السودان على النحو التالي: نجد ان نسبة الفقر في السودان تتراوح ما بين 46% على احسن تقدير و 80% على اسوأ تقدير اما معدل التضخم فقد بلغ وعلى حسب تقارير حكومية 19.4% اما حجم العجز في الموازنة العامة فهو حوالي 7 مليار جنيهاً اما نسبة البطالة فهي 28% للخريجين و15% من القوى العاملة الكلية. اما ديون السودان فهي ثلاثين مليار دولار وهي تعادل 64% من الناتج المحلي. فهل اقتصاد السودان وبهذا المستوى يوصف بأنه ينحدر نحو الانهيار ام انه ممتاز؟ أما فيما يتعلق بالطمأنينة فأود ان اشير الى مثال واحد عسى ان يعطيني صورة عن الواقع وهو حركة الصرف- اي قيمة الجنيه مقابل العملات الاخرى - ونأخذ قيمة الجنيه مقابل الدولار لقد كان سعر الدولار جنيهين ولفترة طويلة نسبياً ثم بدأ يتحرك فصار 2,5 ثم 2,8 جنيه، ثم ثلاثة ثم عاد الى 2,8 ثم قفز الى 3,5 ثم عاد الى الثلاثة .. وهكذا، ظل يتحرك الى ان وصل الى 6,1 جنيهاً للدولار ثم عاد قليلاً فهل معدل الصرف يبعث على الطمأنينة ام على الهلع؟ وقد نتج عن ذلك في كثير من المراحل عدم الرغبة عند التجار في البيع بل في الآونة الأخيرة صار بعض الناس ينكبون على شراء وتكديس السلع. اما اذا جاز الحديث عن توفر السلع، فان وفرة السلع لا تدل على ان الاقتصاد بخير بل الذي يدل على ذلك هو مقدرة الاشخاص على الحصول على السلع لأن المشكلة في فقر الافراد لا فقر البلاد، نعم ان معظم السلع متوفرة في الاسواق ولكن كم من الناس لهم المقدرة للحصول على تلك السلع؟ اما توفر سلعة السكر فهذا امر يتناقض مع التصريحات الكثيرة للمسؤولين ففي المجلس التشريعي تمت مناقشة العجز في السكر والكيفية التي يجب ان تتبع لسد هذا العجز. كما ان وزير الصناعة قد صرح فيما أوردته صحيفة الانتباهة الصادرة يوم 19/4/2012م بأن «هناك عجزاً بلغ 375 ألف» اي ما يعادل تقريباً 25% من الاحتياج الكلي. وقد اتخذت الولاية عدة تدابير منها ان خصصت خمسة مراكز لبيع السكر فاذا ما كان السكر متوفراً فلماذا اذاً تخصص الولاية مراكز للبيع؟ وقد رأيت بأم عيني طوابير مصطفة لشراء السكر فلماذا اصطف هؤلاء النفر والسكر متوفر هذا هو حال الاقتصاد في السودان بمقاييس السياسيين، ولتبسيط الصورة وتقريبها اكثر الى ذهن قارئنا الكريم فسوف اضع مقارنة في بعض السلع المهمة واكتفي بالمقارنة بين هذا العام والعام المنصرم، وهي تعطينا مؤشراً جيداً عن حال الاقتصاد في السودان والى أين يسير !!! في الجدول السابق على سبيل المثال لا الحصر نجد ان اقل نسبة زيادة هي 17.2% واعلاها 80% فكم نسبة زيادة الاجور التي واكبت هذه الزيادة في اسعار السلع خاصة الاساسية منها نجد 0% فهل هذا الامر يجعل الاقتصاد ممتازاً والناس في حالة طمأنينة. أيبدو أن هنالك أناساً في السودان يرون انه في حالة عدم وجود خبز او كسرة يمكنهم ان يأكلوا البسكويت، كما قالت ملكة بريطانيا حينما تظاهر الناس لعدم وجود رغيف الخبز. ألا ليت حكم الاسلام يعود، يوم ان كان هناك خليفة للمؤمنين اول من يجوع وآخر من يشبع، فالحادثة المشهورة ايام الرسول صلى الله عليه وسلم، تظهر لنا كيف كان رسول الله المثل الاعلى فحينما جاع سيدنا عمر رضي الله عنه واشتد به الجوع وبعد ان ربط الحجر ولم يسكن جوعه ذهب الى صديقه ورفيق دربه ابي بكر الصديق رضي الله عنه عسى ان يجد عنده ما يشبع به جوعته فوجده قد ربط حجرا ببطنه كذلك فتوازرا وذهبا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجداه قد ربط حجرين من شدة الجوع. وكذلك ما حدث عام الرمادة فحينما سمع سيدنا عمر بطنه تصيح من شدة الجوع وهو آن ذاك يحكم الجزيرة العربية كلها والشام والعراق ومصر وبلاد فارس ومع ذلك كانت بطنه تصيح من الجوع فقال لها تصيحي اولا تصيحي والله لا تشبعي حتى يشبع سائر المسلمين. وإذ هو في تلك الحالة اذا جاءه رجل بكبد إبل فقال له هل يجدها كل المسلمين قال لا قال فاذهب بها حتى يجدها سائر المسلمين. هذه القصص ليست للمواساة والتسلية، وانما هي اعمال لرجال صنعهم الاسلام العظيم فنسأل الله ان يعيده لحياتنا ونسأل الله ان يجعلنا من العاملين لعودة الحياة الاسلامية ... آمين يارب العالمين.