قمت أخيراً بزيارة إلى مستشفى في العاصمة السعودية الرياض، وخرجت منه وأنا أحمد ربي على نعمة السمع والبصر والأنفاس التي استنشقها وأزفرها بلا مشقة أو عناء، الحمد لله على كل نعمك علي، وأسألك التجاوز عن قصوري في تمام الشكر لك. مرضى في نضارة الشباب أسيرو الأسرة والكراسي المتحركة، وحالاتهم مصنفة بين الشلل النصفي والشلل الرباعي والسكتة الدماغية التي يرقد بعضهم لسنوات تحت غيبوبتها. « حمانا الله وإياكم وعافاهم الله ورفع كبوتهم». كانت زيارة مليئة بالألم والرجاء والأسئلة المعلقة، معظم المنومين في هذا المستشفى من ضحايا الحوادث المرورية في بلد سجل أعلى نسبة وفيات في حوادث الطرق على المستويين العربي والعالمي. وكشف تقرير إحصائي للإدارة العامة للمرور بالسعودية، أن عدد الحوادث المرورية التي وقعت خلال العام قبل الماضي بمختلف مناطق ومحافظات المملكة بلغت أكثر من «485» ألف حادث، راح ضحيتها «6485» شخصاً، أي بمعدل «17» شخصاً في اليوم الواحد. وأضاف تقرير المرور «أن 85 بالمائة من حوادث السير في السعودية تعود إلى أخطاء بشرية من قبل السائق، مثل القيادة بحالة التعب والإرهاق، والسرعة الزائدة، والانشغال عن القيادة. والنسبة بالطبع مخيفة ومقلقة لكل مواطن ومقيم في المملكة، لكننا للأسف دائماً لا نعير الأرقام اهتماماً طالما كنا في مأمن من مآسيها..! فالتقّيد بالأنظمة المرورية فيه سلامة لنا وللآخرين، وأن يصل الشخص متأخراً دقائق خير من أن يتأخر بقية عمره «الناس راجلة وهو مُقعد». وإذا استرجع كل قارئ ذاكرته ليعدد أعزاء رحلوا عنه بسبب حوادث السير سيتجاوز العدد أصابع اليدين ويزيد، لذا أردت أن يستذكر كل سائق أن حياته وحياة الآخرين غالية، والله أمرنا بالمحافظة عليها، فقطع الإشارة وهي حمراء يعد شروعاً في القتل وشروعاً في الانتحار، فلا يضير شيئاً أن وضعنا حزام الأمان، ولن تتقلب موازين الكون لو تأخرت دقائق عن المكان الذي تقصده وأنت تسير بسرعة مأمونة، ولن تكون صيانة مركبتك أعلى كلفة من سلامتك. رشا محمد عثمان فتاة تضج بحيوية الشباب عرفتها زميلة لشقيقتي هند في جامعة الجزيرة «الدفعة 21 بكلية الزراعة»، كانت طالبة مرحة، تعطر المكان بلطفها وروحها الودودة، تزوجت بعد تخرجها وانتقلت مع زوجها للعمل في الدوحة، وأنجبت بحمد الله بنيناً وبنات، في ذات يوم قصدت هي وأسرتها بيت الله معتمرة، وبعد أداء العمرة وأثناء عودتهم بسيارتهم من مكة إلى الدوحة تعرضوا لحادث مروع على بعد كيلومترات من الحدود السعودية القطرية، سَلِم زوجها وأطفالها لكنها أصيبت «رشا» إصابة بالغة أدت إلى حالة شلل مستديم، «سائلاً الله لها الشفاء». اتصلت بها قبل شهور مواسياً، وعندما سألتها عن ملابسات الحادث وأسبابه أجابت بكل بساطة الإنسان المؤمن بما قدره الله له.. فقالت: أبونا نام!!