٭ كم كانت الفاجعة كبيرة بالنسبة لي وانا اتلقى خبر وفاة الزميل العزيز مهدي سعيد، قبل فترة ليست بالطويلة، وفي تلك الايام حرمت نفسي من رثائه لأسباب معروفة للجميع.. ٭ وما ان ذهبت الى القضارف إلا وجدته مبتسما في وجهي فرحا بقدومي حتى كدت اظن ان مهدي يحبني وحدي ولكن بمرور الزمن اكتشفت انه يحب الجميع.. اشهد الله لا اذكر ان قابلته الا وهو ضاحك، لن تغره الدنيا وظل يركل تقاطع المصالح مع الزملاء برجله وكأنه على يقين باقتراب دنو اجله ومفارقته لهذه الفانية. ٭ ومهدي ظل مراسلا لصحيفة الانتباهة ولم يخرج من القضارف الا قليلا كنا نلمس فيه انتماءً حميماً وعشقاً بيناً للقضارف وظل في كل كتاباته ينحاز لقضايا القضارف ولكنه انحياز بوجد وموضوعية ولا يفتعل ذلك افتعال من ينشدون الوجاهة الصحفية.. ولكنه يعبر تعبيرا صادقا عما يختلج في دواخله من افراح واحزان، وحقوق وواجبات وآمال وطموحات واحباطات وكل ذلك ناتج عن انتماء صادق للقضارف وفيض عامر من المحبة لأهلها وهذا من ظل ينفد من قلبه وقلمه الى قلوب القراء مباشرة. ٭ إن مهدي سعيد مليء بالثراء النفسي والروحي فيه طاقات جبارة استغلها لخدمة الناس وهذا ما شهد له به زملاؤه وعارفو فضله.. ٭ لم يكن انحيازه لقضايا المواطنين مبنيا على انحياز حزبي ضيق . ٭ لقد ظل دوما معبرا عن رؤيته ومشاعره كما تمليها عليه مواقفه دون شرط او قيد من حزب او جماعة او حتى صحيفته التي كان يراسلها.. ٭ الاستاذ مهدي سعيد صحافي بأعظم ما يحمل هذا المصطلح من معاني. ٭ انه شخص تتمثل فيه كل الصفات الانسانية المعروفة وهي رحابة الخيال، والتسامح، والبساطة ، وروح التضامن.. وهذه الصفات ساعدته على الاستمرار في رسالته الصحفية النبيلة. ٭ مهدي رجل عميق التدين، على سنته ومنهاجه، وقلماً يحمل تدينه على كف قميصه.. ٭ وما نعرفه عنه انه يحسن الى ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل.. انه رجل كاد يكون من الملائكة.. ٭ ما ان وقعت اي قطيعة بين زملائه او اصحابه هناك الا واسرع لإنهائها باسلوب وحكمة وقبول ناله من الجميع واتفقوا واجمعوا عليه لأنه كان يمارس التسامح اليومي واليُسر في امور العقيدة وهذا ميراث غرسه فيه آباؤه واجداده قبل ان يعرف الطريق الى الصحافة.. ٭ لم يترك الصحافة لأية مهنة اخرى وكأنه يرفع شعار لا تترك الكتابة فهي ان صدقت تكون المرشد من الضلال، ولا تكسر القلم فهو المفصح عن الاحوال.. ٭ يا مهدي، يا سعيد هذا هو اسمك وفي ذات الوقت هي صفاتك ولكنها صفات لفضائل تتسابق.. ٭ ما نعرفه انك قمت بواجبك الانساني والصحفي، ففضلك لا يجهله الا من يجهل القمر.. ٭ عاش حياته متقشفا كريما متسامحا ومنفتحا على الآخر... ٭ رحلة طويلة من العمل الصحفي تعددت خلالها لقاءاتنا في الخرطوم وفي مكتبه بوزارة الصحة القضارف وفي دواوين الحكومة هناك وفي السوق، كانت ضحكاته تبعد عنا الهم وتقوينا لمواجهة صعاب الحياة.. ٭ لقاؤنا الاول كان بواسطة الاخ ا لعزيز محمد سلمان وفي ذلك اللقاء اكتشفت فيه نبع الطيبة والمعرفة والنصح والبصيرة ومنذ تلك اللحظة أكن له تقديرا لم يتزحزح الى ان فارق هذه الفانية.. لأنه لم يتزحزح عن هذه القيم مما يؤكد انها طبع وليس تطبعاً.. ولذلك ترسخت قامة مهدي في الذهن والوجدان.. ٭ كان لمهدي سعيد تواضعه الصوفي وقناعته المثلى ووفاءئه اللامتناهي.. ٭كان يرتدي ملابس دون ملابس الطبقة الوسطى بكثير مما يؤكد للناظر اليه سعة زهده في الدنيا.. ٭ ان مهدي سعيد باقي حاضر لم يمت.. وصحيح اننا لم نره بعد اليوم ولكن روحه أزلية باقية فينا ... «إنا لله وإنا إليه راجعون»..