اثمرت جولات التفاوض بين « الخرطوم» و» جوبا» في العاصمة الاثيوبية بعد مشقة على اتفاق جزئي يتعلق بمنطقة « أبيي» المتنازع عليها، وفحوى الاتفاق الذي اعلن امس ورسم نصف ابتسامة في وجوه السودانيين في الشمال والجنوب «اجراء استفتاء منطقة أبيى المتنازع عليها بنهاية العام الجارى» ،وذلك بإشراف الأممالمتحدة والاتحاد الافريقى، لكن العقبة الحقيقة أمام الطرفين لتجاوز مسألة « أبيي» ستظل باقية حسبما اعلن في اديس ابابا وهي «من الذين سيصوتون فى الاستفتاء «، فمن المعلوم سلفا ان السودان يتمسك بمشاركة قبيلة «المسيرية» فى الاستفتاء، بينما تعتبر جوبا ان عملية الاستفتاء تخص قبيلة «دينكا نقوك». والخلاف حول هذه النقطة اجل اجراء الاستفتاء عن موعده الحقيقي في يناير من العام الماضى بالتزامن مع استفتاء تقرير مصير الجنوب. والمتابع لمواقف دولتي الجنوب والشمال من القضية يعلم بان الاتفاق المعلن حول أبيي لا يقدم جديدا على صعيد القضية التي تزداد تعقيدا بسبب تمسك كل طرف بموقفه،وهو ما يحيلنا تأكيدا لهذه الحقيقة الى تصريح الناطق باسم وفد الجنوب عاطف كير، فالاخير قال لموفد « الصحافة» بثقة امس بان « الوساطة الافريقية تفهمت رؤيتنا وموقفنا بهذا الخصوص حول استفتاء المنطقة». وهو الموقف الذي يصطدم برغبات سكان المنطقة الاخرين من المسيرية، فقيادات القبيلة ومن بينهم رئيس الوفد الحكومي الممسك بملف المنطقة الخير الفهيم، لا يتقبلون اقصائهم من المنطقة بأية ذريعة كانت، وقد شدد الفهيم هذا في تصريحات ل» الصحافة» قبيل مغادرته الى « اديس» بان مشاركة المسيرية في الاستفتاء المزمع لتحديد تبعية المنطقة « خط أحمر»، لكن الفهيم شدد ايضا على تمسك القبيلة بالحقوق التي منحتها لهم اتفاقية اديس ابابا العام الماضي، وحددها في تكوين المؤسسات التشريعية والتنفيذية والشرطية خاصة الشرطة المجتمعية في أبيي، فضلا عن منحهم حقهم في رئاسة المجلس التشريعي وموقع نائب رئيس وحدة أبيي الادارية. هذا فيما يطالب مراقبون بالتعامل مع قضية أبيي بما يتناسب مع اهميتها ودورها في التأثير على العلاقات بين الشعبين في الشمال والجنوب، وتجد هذه الدعوات صداها في الرأي العام السوداني، لان حل « أبيي» بكل تعقيداتها وظلالها على السكان داخلها وعلى الحدود، اضحى مرتهنا لمعالجة حزمة القضايا الاخرى « المعلقة». وقد رأى البروفيسور عوض الكرسني بان المنطقة تستحق ان يكون لها مسار منفصل عن بقية القضايا العالقة بين البلدين، وقال ل« الصحافة« ان وضعها في الاطار العام الذي تدور حوله خلافات الخرطوموجوبا غير سليم بالمرة، مشيرا الى ان الالتزام بتوقيت انجاز الهياكل الادارية والشرطية المتفق عليها في العاصمة الاثيوبية، كان سيشكل فارقا كبيرا. فكيف يا ترى يمكن ان يجترح مسارا لحل أزمة منطقة أبيي، والحال ان طرفي التفاوض ابديا معا عجزا واضحا عن الخروج برؤية تحقق التعايش والتساكن بين مكونات المنطقة، ولم يفلحا في غير توقيع ورقة حالها ك»الحصان بلا عربة»؟. ربما يكون لما اقترحه ناظر عموم المسيرية مختار بابو نمر فى تصريحات صحفية بالخرطوم ، قبل اسبوعين، حظا في هذه الاتجاه، فقد نوه بداية الى اهمية تشكيل ادارية ومجلس تشريعى المنطقة باعتبار ان ذلك بات مطلبا يحقق الكثير من التطلعات الايجابية لاهل « أبيي» مشيرا الى درجات الخطر القصوى التي يشكلها الفراغ الادارى، ثم انطلق ناظر عموم المسيرية، ربما استشعارا لتخوفات من بعض القيادات الجنوبية، للمطالبة ايضا بالدفع بشخصيات تنتمى الى بطون دينكا نقوك لتكون نقطة بداية لتعاون ادارى وتشريعى يقود أبيى الى منضدة الحل المرضى، دونما تكون هنالك اى تعقيدات للاوضاع. وهى المطالب التي تتسق كذلك مع دعوة الاتحاد الافريقى الذى طالب بضرورة الاسراع في عملية تشكيل هذه الآليات الادارية والتشريعية. الا ان ماتتعامل به كل من جوبا و الخرطوم كمسلمات معقدة في قضية هذه المدينة،لا يشكل هاجسا على طريق الحل عند اخرين. فالبروفيسور عوض الكرسني يعود ليقترح في حديثه ل»الصحافة» حلا لقضية أبيي قد يعيدها الى جذورها الحقيقية، فهو يطالب باستبعاد موضوع السيادة عليها لعدد من السنوات، يتم حكم المنطقة خلالها عن طريق ادارة مشتركة في اطار العلاقات بين البلدين، معربا عن قناعته بان «استكشاف المكونات المتواجدة هناك،امكانيات التعايش وفرص الاستفادة من الموارد الهائلة التي تتيحها أبيي، سيساعد في التوصل لحل مرضى لجميع الاطراف»، ولا يرى الكرسني في مسألة الاقدام على التخلى عن سيادة السودان على المنطقة لاعوام من خطورة، مؤكدا ان ذلك لن ينزع عن المدينة سودانيتها.