مرت بالسودان كثير من الاحداث المؤسفة التي ادت في كثير من الاحيان الى ارباك العلاقات الشمالية الجنوبية ووضعها في قالب عدائي، تسبب في كثير من الحركات التي ادت الى مواقف وصلت بين الدولتين حد الحرب. وهذه المواقف مازالت آثارها وعقابيلها على الساحة السياسية، وقد ظننا نحن في الشمال انه وبعد هذا الموقف اللئيم الذي قامت به قوات جنوب السودان بالهجوم على تلودي كمقدمة كي تشن هجوماً تاماً على مدينة هجليج المدينة السودانية الشمالية ذات العمق الاقتصادي المهم والتي اخذ تحريرها واصلاح ما افسدته القوات الجنوبية كثيراً من الجهد والوقت، وأصبحت هناك ظاهرة ثابتة وهي أن قوات الجيش الشعبي أخذت تميل الى الخراب والتدمير بعيداً عن اساسيات التعامل بين الدول في الحروب، وبصريح العبارة فإن سلوك هذه القوات اصبح ظاهرة ملازمة لأية حرب تقودها، ظننا أن ذلك لن يتكرر. وجمهورية السودان لها من الامكانات والخبرات ما يمكنها من درء هذه المخاطر، ولكن يخشى إذا استمر تكرار هذه الهجمات البربرية أن يلجأ اهل الشمال للمعاملة بالمثل. ولولا الإرث الحضاري والثقافي الذي يتميز بها اهل الشمال بعد الخروقات الثانية لتم تطبيق هذا المبدأ تطبيقا قاسياً. ويجب أن يعلم أهل الجنوب أن الشعب السوداني في الشمال له حدود من الصبر، وأخذ يضيق ذرعاً باستهتار الجيش الشعبي، وأخشى ما اخشاه ان ينقلب كل اهل الشمال ليتعاملوا مع أهل الجنوب بالمثل، وعندئذٍ لن يكون التعامل عشوائياً أو تحكمه شريعة الغابة كما تحكم تصرفات الجيش الشعبي. لقد غادر الوفد السوداني إلى اديس ابابا لمحادثات السلام التي ستتم بين البلدين، ومن المتوقع ان تبدأ اليوم الاربعاء، كما أن حكومة جمهورية السودان مازالت تمد حبال الصبر كي ما يهدأ اهل الجنوب ويتفرغون للتنمية وتعمير بلادهم. وكان من الممكن إن تم هذا بالطريقة التي ذكرت أن يساهم أهل الشمال في هذا الأمر. ان الكيل بمكيالين في سياسات اميركا وفي تعاملها مع مشكلات البلدان الصغيرة امر غير مفيد له، ولا يمكن أن يؤدي إلى نتائج، وعليها ان تعلم أن القوة لا تقهر ارادة الشعوب، كما انني اذكر هذه الادارة بقضية السلام في نيفاشا التي اكسبتها ما فقدته في الانحياز المغرض وغير العادل. وانا اعتقد أن مشكلة الادارة الاميركية تنحصر في ان بعضا من ممثليها في مراكز اتخاذ القرار هم عرضة للوبيات المختلفة، وان كان عهد الرئيس باراك اوباما قد قلل من هذه الظاهرة وحد من شدتها كثيرا، الا انها مازالت قائمة. وبقى علينا ان نقدم لكل الاحزاب والقوى السياسية نصيحة خالصة لوجه الله، وهي أن السير في قضايا الوطن الكبرى بهذه الطريقة العشوائية غير صحيح، فهي تفرز وتلد كثيرا من الآراء المتضاربة احياناً وفي كل الحالات لا تجد رأياً موحداً للحزب المعني، وذلك نتيجة لغياب التنظيم في كثير من هذه المؤسسات التي كان من الممكن اخضاع كل قراراتها للدراسة وضرورة الحصول على رأي غالب واحد كي ما نمارس الديمقراطية كما ينبغي ان نفعل، وليس هذا فحسب، وإنما على كل حزب السعي في تكوين جهاز قومي يناط به مناقشة كل مشكلات البلاد، وبهذه الطريقة وحدها يمكننا الحصول على قرارات تنال الدعم والتأييد القومي، أما أن نترك الحبل على الغارب هكذا فإن هذا لا يؤدي الى قرارات ملزمة للجميع، لانني وفي هذه الايام الحظ كثيراً من اجتهادات المثقفين المقدرة التي تعمد الى سبر غور المشكلات التي تواجه السودان، وغالباً ما تنتهي هذه الدراسات العلمية المقدرة الى اعمدة الصحف. وانني ارى في حالة حدوث اية مشكلة من المشكلات تتطلب رأي المثقفين، أرى أن يلجأ المثقف الى ضمان وصول آرائه الى جهات الأثر في تطبيقها. وقد يظن البعض أن هذا الرأي لا يمكن تطبيقه خاصة في المشكلات الوطنية المتشعبة، ولكنني أرى سهولة التطبيق، لأن المثقف «مجبور» على القيام بأي عمل يسعى الى حل مشكلة أمته. بقيت كلمة أخيرة أوجهها الى الإخوة في الاتحاد الافريقي الذي اخذ مجلس الامن يعتبره بوابة من بدايات دخوله، كما اوجه نفس الكلمة الى اعضاء مجلس الأمن، وهي أن الحالة التي تمر بها المشكلة السودانية الشمالية مع اهل الجنوب اخذت تشتد وتخف حسب مزاج الإخوة في الجيش الشعبي، وعلى هاتين الجهتين ان تتدخلا للفت نظر حكومة الجنوب الى هذا الخلل الذي يجعل من المستحيل حل هذه القضية بطريقة تفاوضية. والاتحاد الافريقي ومجلس الأمن الدولي هما الجهتان المناط بهما حفظ الامن في المنطقة، وعليهما حسم هذا التأرجح في العلاقات، حتى يظهر الاثنان بمظهر اكثر انضباطا، كما أرجو ان انبه جميع الاخوة في السودان الذين كانوا يظنون أنه يمكن اعادة الوحدة بين البلدين مرة اخرى، ولكن ظهر ووضح جليا ومنذ اجراء عملية الاستفتاء ان الاخوة في الجنوب قد اداروا عربتهم لتسير في خط واحد، ويرون ألا مجال للعودة الى الوراء، ونحن في الشمال على قناعة تامة بأن لهم ما يريدون، خاصة أن موسوفيني يشجع هذا الاتجاه. ولكنهم قد لا يعلمون أن هذه العربة الضخمة ذات الاتجاه الواحد وبعد تخطيها للحدود اليوغندية، فلن يجد قادة الجيش الشعبي ما يجدونه الآن من دلال زادهم دلالاً على دلالاهم. جعفر الميرغني.. أول الغيث قطرة: يقوم الحزب الاتحادي الديمقراطي بنشاط مكثف لتحقيق الآلة الحزبية ووضعها في حراك يتناسب واهمية الاحداث التي تمر بها البلاد، وقد اقام الحزب ليلة سياسية كبرى حضرها جمهور غفير من المواطنين، وكان على رأس المتحدثين في هذه الليلة السيد جعفر الميرغني مساعد رئيس الجمهورية، بعد أن منّ الله عليه بالشفاء. وتحدث السيد جعفر عن الوحدة الوطنية والتكتل القومي، مقترحاً أن يقوم أهل السودان بليلة سماها ليلة الحكماء، ويتم اختيارها من كل القوى السياسية ذات الشأن لمعالجة القضايا العالقة وتحقيق السلام العادل لجميع مناطق السودان، ويعتقد السيد جعفر أن الحرب لن تعالج القضايا، وأن الحوار والتفاوض أنجع السبل لمعالجة المشكلات، واقترح أن تقوم لجنة الحكماء بالاتصال بكافة القوى السياسية والشخصيات الوطنية لحل الخلاف مع الجنوب. وعلى الرغم من رأيي الذي ذكرته في مقدمة هذا المقال والذي رأيت فيه أن الاخوة في الجنوب اخذوا يكونون نمطا من التنظيم السياسي الذي لا يحتمل التعامل الديمقراطي، وكان يمكن ان يتم هذا الرأي قبل أن تصل الامور الى ما وصلت اليه، وقبل ان تتطور وتستفحل وتصل الى هذه المرحلة. إلا إنني وبحسب معرفتي بزعامة الحزب بقيادة السيد الميرغني ومتانة الصلة التي كانت قائمة بين مولانا الميرغني وجون قرنق، وكيف أن هذه الصلة دفعت جون قرنق إلى أن يصف مولانا الميرغني بالشريك الخفي، وهي تدل دلالة كاملة على أن العلاقة بين الرجلين كانت عامرة وقوية. فإن السيد جعفر يمكن أن يحاول ما ذهب اليه في خطابه القيم، ومجرد المحاولة من جعفر الميرغني يمكن ان تعيد قيادة الجيش الشعبي إلى صوابه، ويعمل مع الحادبين لخلق حكومة جنوبية مستقرة، مع التزام حكومة شمال السودان بتقديم كل ما يمكن ان يرأب الصدع. الرئيس البشير: قام المشير عمر حسن أحمد البشير بإصدار قرار جمهوري بمنح وسام النيلين من الدرجة الاولى للفريق أول هاشم عثمان الحسين مدير عام قوات الشرطة، والفريق دكتور العادل عاجب يعقوب نائب المدير العام، وللفريق هاشم يعقوب، واللواء محجوب عثمان الحسن ساتي، فيما منح وسام الجدارة لمحمد عبد الرحيم عبد الله، والعقيد أحمد عثمان أحمد والعقيد جمال عز الدين عبد الوهاب. ونص القرار الرئاسي على منح وسام الانجاز العسكري للادارة العامة للمباحث والتحقيقات الجنائية، ونجمة الانجاز العسكري للواء سمرة محمد، ووسام النيلين من الطبقة الثانية للواء عبد العزيز حسن عوض، كما نص القرار «061» على منح الإدارة العامة للدفاع المدني وسام الإنجاز العسكري، ونجمة الإنجاز العسكري للواء هاشم حسين عبد الحميد. ومع احترامي لكل هذه الأوسمة والنياشين التي قدمها السيد الرئيس لبعض قادة الشرطة، إلا أن التكريم الأكبر هو قوله إن الشرطة تستحق التكريم كل يوم. وهذا القول لم يجانب الحقيقة في كثير أو قريب، لأن الشرطة أوضحت بجلاء أنها جهاز وطني قوي، وحققت الشعار القديم الذي كان يتنادى به رجال الشرطة بأن الشرطة في خدمة الشعب، وهذا الكم الهائل من التكريم الذي اولاه رئيس الجمهورية لجهاز الشرطة لم يأتِ من فراغ، وإنما أثبت هذا الجهاز الامين القوي بالعمل أن الشرطة في خدمة الشعب، وأصبحت هذه عقيدة عامة عند سواد الشعب، لأن الشرطة تؤدي دوراً وطنياً مهماً وضرورياً للبلاد والعباد. كما أرجو أن أشيد بتخصيص أماكن السكن التي يحتفلون بتسلمها الآن، وهم أولى الناس بتهيئة الاستقرار اللازم لأفرادها. ونتمنى أن نشهد مزيداً من الإنجازات، ونتقدم بشكرنا الى الفريق هاشم حسين عبد الحميد مدير عام الشرطة. كلمة لا بد منها: من المفارقات العجيبة أن اثار أحد المسؤولين السياسيين في هذا النظام قصة عدم ترشيح الرئيس البشير مرة اخرى، وهو امر لم تكن هناك ضرورة لإثارته الآن، لأن السيد الرئيس كون له شخصية كاريزمية قوية ومحبوبة، وربما أن النظام برمته يسير بدفع هذه الشخصية، وأنا الذي أعي الأحداث خلال الستين عاماً التي مضت، لا أذكر ان تاريخ السودان افرز شخصية كارزيمية بحجم اسماعيل الازهري. والرئيس البشير الآن يذكرني بهذا الرئيس العظيم اسماعيل الازهري، وكلاهما استمد قوته ونفوذه بأعمال خالدات في سبيل الوطن. وقبل أن أختم هذا الموضوع أرجو أن اعتذر لقرائي الاعزاء بأن المرض اخذ يغلبني بعد ان غلبته طوال هذه المدة، ولكنني أعد بأن ابذل كل ما اوتيت من جهد في الكتابة، آملاً من الله العلي العظيم أن يوفقني لمواصلة المشوار. والله الموفق.