وجاءت الفرصة على طبق من ذهب لأهل الانقاذ. ويدرك الجميع أن شعبية الانقاذ وصلت لأدنى مستوياتها قبل استرداد هجليج. وذلك لأسباب واضحة وجلية، فارتفاع تكاليف المعيشة وصل ذروته وبلغ مبلغاً ضاقت به أحوال وأخلاق الرجال. وأخبار الفساد سودت بها الصفحات الطوال في الصحف السيارة، ووصلت إلى أعتاب القضاء. وتدني الخدمات الصحية والتعليمية والبيئية كارثة أخرى، وكل ذلك حدث وصاحبه بعد الانقاذ عن مشروعها الحضاري وقيمه المعروفة، وصاحبه كذلك حديث كثير عن ثراء عدد ضخم من منسوبيها، مع إهمال كبير لأسر الشهداء وانصراف تام أو قل صيام عن الحديث عن الجهاد وصفحاته المضيئة. وتتابعت خيبات الإنقاذ من اتفاقية نيفاشا الهشة ومروراً بانهيار مشروع الجزيرة وانتهاءً بالانفصال وبؤر الصراع المشتعلة في أبيي وجنوب كردفان والنيل الأزرق، إضافة للتضخم المتصاعد، وغيره وغيره من الأعباء التي تنوء بحملها الجبال. وارتكبت الحركة الشعبية خطأ عمرها ومسَّت كرامة الإنسان السوداني الذي تناسى كل سوءات الإنقاذ، وانتفض مارداً جباراً ووقف بصلابة وعزة بجانب قواته المسلحة حتى استردت كرامة الوطن، وغمرت الفرحة أرجاء الوطن. وخرجت جموع شعبه تتغنى بعزته ومنعته وقوة شكيمته، وعاد إعلام الإنقاذ ليتحدث عن الجهاد وسير الشهداء، وعادت الصور والأناشيد الجهادية التي توارت ردحاً من الزمن. وعادت روح الإنقاذ الأولى وما طواه النسيان من بطولات الزبير وإبراهيم شمس الدين وأحمد بشير الحسن وعبيد ختم وعلي عبد الفتاح، وكل ذلك العقد الفريد المتلألئ من الجهابذة الذين لو قدرت لهم الحياة لما آلت الانقاذ إلى ما آلت إليه من الضعف والهوان وقلة الحيلة. وهناك أحاديث مرجفة عن استغلال الزخم الشعبي بعد هجليج بإضافة مزيدٍ من الأعباء على هذا الشعب الرائع، وحديث هامس عن رفع الدعم عن المحروقات، وإن فعلت الإنقاذ ذلك تكون قد ارتكبت خطأ عمرها كما ارتكبته الحركة الشعبية يوم احتلت هجليج، فما هكذا تورد الإبل وما هكذا يكون جزاء الشعب الصابر الذي تحامل على جراحه وعلى شظف عيشه، وساند الانقاذ وقواته المسلحة بالنفس والنفيس حتى عادت العزة وعادت البسمة إلى الشفاه الجافة. أرجو أن تبحث الإنقاذ عن مصادر لخزينتها الخاوية بعيداً عن زيادة الأعباء والضغوطات على الشعب، فلها في الزراعة والتعدين والنفط ما يقيم أودها إن شاء الله، وأن تحاول جاهدة التخفيف على الناس بدلاً من التضييق عليهم. وإن كان خليفة ساركوزي الاشتراكي بدأ عهده بتقليص رواتب وامتيازات الدستوريين وكبار المسؤولين ب 30%، فالأحرى بالإنقاذ أن تفعل ذلك، وأن تقلل مصاريف الدولة الذاهبة إلى الجيوب المتضخمة. بدلاً من الهجمة على الفقراء والمعوزين.