دائماً ما يطلق الدكتور نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية ونائب رئيس المؤتمر الوطني لنفسه العنان وهو يخاطب لقاءً جماهيرياً حاشداً أو لقاءً نوعياً داخل قاعة مغلقة، ودائماً ما تحفظ وسائل الاعلام عبارات نافع «الساخنة» وتضعها كلما سنحت الفرصة والاستدلال بها في كشف سوءات النظام في ما يتعلق بالحريات والحوار مع القوى السياسية، وتشير إلى أن هذا النهج الذي يتبعه واحد من أكبر قيادات الحزب الحاكم لا يصل الى نتائج ملموسة في هذه المسائل المطروحة إن كانت متعلقة بالحريات او الحوار، والغريب في الأمر ان كل العبارات التي اطلقها د. نافع ومن شاكلة «لحس الكوع» واخواتها لم تذهب به من كل مواقعه.. مثل ما فعلت تلك الكلمات التي اطلقها اللواء حسب الله عمر الأمين العام لمستشارية الامن القومي السابق، حيث قال في برنامج «مؤتمر إذاعي» في راديو امدرمان «لو أجمعت الأحزاب على ذهاب الشريعة فلتذهب». وتعرض بعدها حسب الله لهجوم وابل من منبر السلام العادل ومن الرابطة الشرعية ومن الصحافة ومن بعض ائمة المساجد، بل بعض الجهات طالبته بالتوبة. ولم تنفع كل المبررات التي ذكرها حسب الله لتفسير عبارته، ولم تفلح كل المحاولات بعد ذلك في ان يبقى حسب الله في منصبه، بل صدر قرار عن رئاسة الجمهورية التي تتبع لها المستشارية بإعفاء حسب الله من الامانة العامة. ولم يدم طويلا صاحبه وصديقه المستشار صلاح عبد الله قوش حينما قال إن المستشارية تدير حواراً مع القوى السياسية، ووصف الدكتور نافع في برنامج «مؤتمر اذاعي» ان الحزب غير معني به، اي ان الحزب المؤتمر الوطني غير معني بهذا الحوار الذي تديره المستشارية!! ولكن الفريق اول صلاح قوش لم يصبر على كلام نافع طويلاً وجاء رده: «ان كلام نافع يخصه هو».. حيث وجدت فيه صحف اليوم التالي عنواناً مثيراً.. وبعدها لم يبق الفريق صلاح قوش طويلا في المستشارية وغادرها ان كان بهذا السبب او غيره..! وقيل ان احلامه توقفت عند هذا الحد، وروجت بعض المصادر ان صلاح قوش كان يريد ان يصعد الى اعلى مثلما صعد رؤساء المخابرات في العالم، مثل فلادمير بوتين في روسيا، وجورج بوش في امريكا، وزين العابدين بن علي في تونس الى رؤساء دول. ولكن يبقى الدكتور نافع علي نافع حالة استثنائية.. حيث يهاجم القوى السياسية ويصفها بصفات لا تجد القبول من القيادات السياسية وقواعدها في كل اطراف السودان، ويظل د. نافع يهاجم ويهاجم، ولكن آخر هجوم له كان على منظمات المجتمع المدني في دعم قضايا السودان.. وقال ان المنظمات الاجنبية واجهات لعمل استخباري، وحتى منظمة اليونسيف التي تعمل من اجل اطفال لا تخرج من هذا العمل الاستخباري، وان من يعتقد ان اليونسيف بريئة في تقديم خدماتها هو يرى كما الاطفال الذين لا يجدون خدمات هذه المنظمة في غزة وفي أفغانستان، وان المنظمة لم تتحرك عندما تاجرت فرنسا باطفال السودان، ولم تسلم منظمات الاممالمتحدة من هجوم نافع ووصفها بأنها منظمات سياسية، حتى بعض الوطنية منها وصفها نافع بأنها واجهات لليسار. وجميل جداً أن يكتشف د. نافع كل هذه العيوب والسوءات في المنظمات الدولية والاجنبية وبعض منظمات المجتمع الوطنية، وجميل جداً أن ينتبه المؤتمر الوطني أخيراً لهذه الأدوار التي تؤديها المنظمات الدولية والاجنبية وبعض الوطنية كواجهات لعمل استخباري يهدد كيان الدول المستهدفة بالخدمة إن كانت في ثياب الانسانية. وجميل جداً أن يفصل المؤتمر الوطني بين امانة المنظمات والعمل الطوعي لمواجهة التحديات التي تواجه البلاد كما قيل في هذا اللقاء. والسؤال المطروح هل لم يكتشف المؤتمر الوطني ود. نافع ان هذه المنظمات الدولية والاجنبية واجهات لعمل استخباري الا أخيراً؟ ولماذا لم يصدر هذا القول من قبل، خاصة أن الدكتور نافع رجل سياسي وهو الرجل الثالث في الحزب الحاكم، وتولى من قبل منصب مدير جهاز الامن؟ فهل خلفيته الامنية والسياسية لم تمكنه من معرفة ان هذه المنظمات ما هي الا واجهات استخبارية الا الآن وبعد عشرين سنة حكم؟ ام ان الدواعي لمعرفة هذا «السر» لم يحن وقتها الا حينما تضررت الحكومة من عمل هذه المنظمات في الجنوب سابقاً، وتحاول أن تلحق الضرر بدارفور وتسعى ان تمد شباكها الى ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق؟ وكما قيل أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي، ولكن كيف يواجه المؤتمر الوطني العمل الاستخباري لهذه المنظمات؟ وكيف يحد من خطره على البلاد؟ والشيء المعلوم أن هذه المنظمات ان كانت دولية او اقليمية او اجنبية او حتى وطنية فإن الممول لها يكون صاحب الرأي والهدف من عمل هذه المنظمات، وبالتالي إن اكتشف المؤتمر الوطني ان هذه المنظمات هي واجهات استخباراتية فإن الممول في هذه الحالة دول، والدول استخدمت هذه المنظمات لتقوم بعملها نيابة عنها في بعض الدول، لأن التدخل المباشر تمنعه القوانين الدولية، وبالتالي فإن أجهزة الاستخبارات في العالم هي التي تمول هذه العمليات الانسانية لتصبح ذريعة للوصول الى المواقع والاهداف التي تريدها الاستخبارات ان كانت في السودان او افغانستان او الصومال وغيرها، وبالتالي قد تكون الظروف الطبيعية او السياسات التي تتبعها الحكومات او الظروف السياسية هي التي قد تتيح لهذه المنظمات الدخول في الاراضي محل هدف اجهزة الاستخبارات العالمية، وإذا أخذنا حالة السودان فإن حرب الجنوب كانت سبباً للتدخل، وكذلك في دارفور أدى تأجيج الصراع وظهور معسكرات النازحين في دارفور مثل ابو شوك وغيرها ومثل حالات «الفقر» و«المرض» في شرق السودان، الى دخول المنظمات الأجنبية. وعليه إن كنا نريد تجفيف اسباب دخول هذه المنظمات الدولية والاجنبية بصفة عامة وتقليل دورها الاستخباري، علينا أن نعمل على تجفيف اسباب دخولها بقدر الاستطاعة، خاصة اذا كانت هذه الاسباب من الممكن معالجتها سياسيا او اجتماعيا او صحيا. والامر الثاني تقوية منظمات المجتمع المدني الوطنية لتحل محل هذه المنظمات الدولية في حالة وجود اسباب خارج المعالجة مثل الاسباب الطبيعية ان وجدت، ورغم أن السيد رئيس الجمهورية وجه بسودنة العمل ووجه الولاة بطرد اية منظمة تشك الجهات المسؤولة في طبيعة عملها، إلا أن السودنة لم تمض بصورتها الفاعلة، وحتى كاشا عندما طرد منظمة قامت عليه الخارجية وقالت إن مثل هذه الاعمال تهزم سياستها في العمل الدبلوماسي. وكان الأجدر بالسيد نافع علي نافع أن يعمل مع هذه الامانة في الجهاز السياسي والعون الانساني في الجهاز التنفيذي ومع كل الجهات، مع اجل الحد من شر هذه المنظمات، وهي «شر» لا بد من التعامل معه، فإن ضمنت الدولة المعالجة السياسية والاقتصادية فإنها لا تضمن الكوارث الطبيعية، وأن يضع المعالجات للحد من دخولها الى البلاد، وهي تدخل بأسباب ووفق اجراءات معينة لا تنزل من السماء. والأمر الثالث أن المؤتمر الوطني أسند أمانة منظمات المجتمع المدني للسيد عادل عوض، وعادل ليست له دراية كبيرة بعمل هذه الامانة ولا ابعادها، فقد كان مساعداً للراحل مجذوب الخليفة، وانسب منصب مناسب له هو «مقرر المكتب القيادي» بحكم خبرته في دائرة القطاعات سابقاً وتوليه أمانة اتصال التنظيم في المؤتمر الوطني في عهد أمانة د. غازي صلاح الدين قبل المفاصلة. وهناك العديد من الأسماء التي لها خبرة في هذا المجال، ولعل أبرز هؤلاء د. عبد الله سليمان العوض ود. مأمون يوسف، ومن الجيل الجديد هناك د. سراج الدين عبد الغفار، وابراهيم علي ابراهيم وشنقر، وغيرهم، ولكن عادل عوض لا يستطيع أن يحقق الهدف من إنشاء هذه الأمانة، وأن تجربته في الشمالية بوصفه والياً والرعاية الاجتماعية عندما كان وزير دولة، لم تكن بالقدر الذي يجعل القيادة تدفع به الى امانة استراتيجية مثل هذه يمكن أن تحمي البلاد من «شر كبير» إذا نجحت في مهمتها.. ويجب على المؤتمر الوطني أن يعطي «العيش لخبازه» والبلاد لا تتحمل أي ضغط ينتج عن فشل عمل بسبب عدم الاختيار المناسب.