قرأت في صحيفة الأهرام المصرية عدد الجمعة 21 جمادى الاولى 1433م الموافق 13 أبريل 2012م الصفحة رقم (11) مقالاً بعنوان التكنولوجيا طوق النجاة في عصر العولمة الذي نعيشه عرض وتقديم نزيرة الافندي تعرض في المقال الوعي بما يدور حولنا طوق النجاة للخروج من الحلقة المفرغة التي يدور فيها (اقتصادنا) وتشخيص الداء اولى خطوات العلاج، فاذا كانت الاصوات قد بحت من الحديث عن (الازمة الخانقة) التي يجتازها الاقتصاد المصري، واذا كانت الكتابات والتصريحات قد تراكمت منذرة بمغبة التراكمات القادمة.. واذا كان الوطن قد تحول الى جزر منعزلة، كل ينظر في محيطه الضيق ولا يرى ابعد من ذلك، واذا كانت بعض الرؤى قد تحجرت عند مشهد واحد، غافلة عما يدور حولنا، فيجب علينا ان نستوعب ما يدور حولنا خاصة اذا كانت (القضية) تتركز في التجارة الدولية، وان رصيدنا من العملات الاجنبية آخذ في التناقص والتآكل مما يعني ان قدرة اقتصادنا على استشراف موقعه في التجارة الدولية تشوبه الضبابية، بينما دول العالم المختلفة آخذة في تبادل المواقع ودعم القدرات واكتساب المزيد من الخبرات، فاذا كانت التغيرات التي تشهدها نماذج التجارة الدولية ليست وليدة اليوم، ولكنها تراكم سنوات مضت، مما يعني مسؤولية النظام السابق عن اخفاقنا في هذا المجال على الرغم من الشعارات الرنانة الخاصة (بنمر على النيل) فإن مسئوليتنا في الفترة التي تلت ثورة 25 يناير ، لا تقل بأية حال من الاحوال عما سبق، ولقد تحررت الادارة ولكنها تاهت في فوضى المطالب الفئوية، وتعثرت في تضارب الاجندة السياسية، وتنازع المشاعر الوطنية بين الانغلاق والانفتاح وبين السيادة القومية وكيفية التواصل مع الآخر.. من هذا المنطلق نستعرض احداث دراسة صادرة منذ ايام حول (النماذج المتغيرة في التجارة العالمية).. والتي قامت بها مجموعة عمل من الخبراء في صندوق النقد الدولي، وان كان دور الصندوق يقتصر في كونه الناشر، اما التحليلات والنتائج فهي خاصة بهذا الفريق او مجموعة العمل التي ترأستها نجوى رياض. وجدير بالذكر ان صدور هذه الدراسة قد توافق مع صدور التوقعات الخاصة بالاقتصاد العالمي لعام 2012 - 2013م، التي تضمنت الاشارة الى ان النمو الاقتصادي في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا يعتمد على الانتعاش في (الاقتصاد الليبي) واستمرار الاداء الجيد في الاقتصاديات المصدرة للبترول، اما الدول المستوردة للبترول فإنها تواجه توقعات غير مسموعة نتيجة طول فترة التحول السياسي وذلك على غير المتوقع.. ومجموعة من العوامل الخارجية.. تعاظم التجارة الدولية وتعدد اللاعبين: شهدت التجارة الدولية طفرة في ادائها على مدى العقود الماضية، ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية حيث قفزت من نسبة لا تتجاوز 7% تقريبا من اجمالي الناتج العالمي في بداية الخمسينيات الى اكثر من 25% في عام 2010م وكان للصادرات غير السلعية النصيب الاكبر حيث شكلت نسبة 20% من ال 25% مع تضاؤل دور الصادرات السلعية باستثناء فترة السبعينيات والفترة من 2004 - 2008م. وعندما نبحث عن الاسباب التي ادت الى هذه الطفرة الضخمة والتي تتركز في ثلاثة عوامل، فسوف نجد وللأسف ان المنطقة العربية ومصر في صدارتها، لم تستطيع ان تأخذ بهذه الاسباب، التي ادت لتغيير خريطة اللاعبين الاساسيين على مسرح التجارة الدولية. فقد شهدت الفترة منذ السبعينيات (والتي تتطابق زمنيا مع تطورات ما بعد الانفتاح الاقتصادي ثم تولى النظام تقاليد الحكم في البلاد). تعاظم قوة الاقتصاديات الصاعدة، ودورها في تحويل خريطة اللاعبين الرئيسيين على الساحة او مسرح التجارة الدولية. تزايد اهمية التجارة الاقليمية ممثلة في سلسلة من العمليات التجارية التي تؤدي الى منتج نهائي يجمع بين مجموعة من الشركات في التصنيع والتجميع. انتقال (خطوة) الصادرات التكنولوجية المتقدمة الى الاقتصاديات الصاعدة ذات معدلات النمو المرتفعة (ديناميكية النمو).. ويضاف الى ما سبق (سمة اخرى) تميزت بها التجارة الدولية في طفرتها عبر العقود الا وهي زيادة التشابك وتعدد العلاقات التجارية بين اللاعبين القدامى والجدد وآخرين ودعم من ذلك انخفاض التعريفات الجمركية واثر التطورات التكنولوجية في خفض تكلفة النقل والاتصالات كما توجد العوامل الثلاثة السابقة.. والسمة التي صاحبتها في ظاهرة او عملية التخصص الرأسي بالنسبة للمنتجات بحيث يتم توزيعها على عدة مراحل تتم كل منها في (منطقة ما) داخل الدولة، او في (مجموعة من الدول) طبقا لعنصر التكلفة، بحيث تتعدد العمليات التجارية بين الدول قبل ان يصل (المنتج النهائي) الى المستهلك الاساسي كما يطلق عليه مسمى التعهد من جانب الدول المتقدمة، للدول النامية لأداء مهام انتاجية معينة ولكن هذه السمة سقطت او (قزمت) في قاموس العلاقات التجارية الاقليمية وتحديدا العربي.. فأين نحن من كل ذلك، بينما المستثمرون المصريون يواجهون صعوبة في الحصول على تأشيرات الدخول لبعض الدول في المنطقة؟!! ومنطقة التجارة الحرة ما زالت تبكي اطلالها نتيجة حروب التعريفات الجمركية الشوفونية، والنعرات القومية في انتاج السلع ونظرية المؤامرة في التعامل مع المنتج الآخر؟! وفيما يتعلق باللاعبين الرئيسيين فهم الذين تتجاوز معاملاتهم التجارية نسبة 2% من اجمالي التجارة الدولية.. وحتى بداية السبعينيات انحصرت الريادة في ثلاثة لاعبين رئيسيين الولاياتالمتحدةالامريكيةوالمانياواليابان حيث شكلوا نسبة تتجاوز 33% من اجمالي التجارة الدولية وبحلول عام 1990 اتسعت الدائرة لتشمل الدول ذات الاقتصاديات الصاعدة خاصة في شرق آسيا وبحلول عام 2010 اصبحت الصين ثاني اكبر شريك تجاري بعد الولاياتالمتحدة متجاوزة كلا من المانياواليابان، حيث شكلت التجارة الخارجية بنسبة 57% من اجمالي الناتج المحلي للصين، وبما يعادل ثلاثة امثال النسبة في الولاياتالمتحدة..!! وقد كان للتجمعات الاقليمية دورها في تعزيز هؤلاء اللاعبين الجدد وزيادة اعدادهم من خلال المعاملات التجارية داخل هذه التجمعات التي تمتد من (نافتا) الى الاتحاد الاوربي مرورا بالتجمعات الآسيوية فبرزت في هذا المجال المكسيك اضافة الى دول وسط وشرق اوربا الى جانب سنغافورة وهونج كونج وماليزيا واندونيسيا وكذلك تركيا والهند ومرة اخرى نتجرع مرارة الاخفاق العربي في مجال التجمعات الاقليمية وكذلك الدورالمصري في نطاق القارة الافريقية فلم نستطع اللحاق بالآخرين في مجال تكوين شبكة من الانتاج الاقليمي يتحول الى منتج عالمي على غرار ما فعلت الدول الآسيوية وغيرها في شرق ووسط اوربا وكذلك بالنسبة للمكسيك اعتماد على واردات السلع الوسيطة وتكامل مراحل انتاج السلعة النهائية. التكنولوجيا طوق النجاة: وقد انتقلت ا لدراسة من استعراضها للدول المؤثرة في التجارة الدولية والتجمعات الاقليمية الى استعراض المراحل التي دفعت ببعض الدول وفي مقدمتها.. (الصين).. الى الصفوف الاولى ودور التكنولوجيا وسلاسل الامداد في مجال التصنيع وكذلك بالنسبة للطفرة في التجارة الدولية، حيث انكمشت نسبة صادرات المنسوجات والملابس والمصنوعات الخشبية وغيرها من الصناعات ذات التكنولوجيا المنخفضة لصالح تلك المتوسطة والمتقدمة. وقد ترجم ذلك في زيادة القيمة المضافة التي اضيفت للسلع من مصادر خارجية، كما انه يزيد من احتمالات النمو الاقتصادي مستقبلا.. وقد فرقت الدراسة بين الدول الصناعية المتقدمة، وتلك الصناعية الجديدة او الاقتصاديات الصاعدة في مجال التكنولوجيا من خلال الاشارة الى تميز مجموعة من الدول الاولى بأنها تصدر منتجات ذات مكون اجنبي منخفض بالنسبة للمستهلك النهائي، كما انها مصدر ذو اسهامات ضخمة في الصادرات التكنولوجية لمجموعة الدول الثانية، وينطبق هذا الوضع على صادرات (الولاياتالمتحدة) (اليابان) (وألمانيا)، مقارنة بالصين والهند ودول جنوب شرق آسيا اضافة الى المكسيك ودول شرق اوربا، وتحديدا بولندا والتشيك والمجر، حيث تمثل الدول الصناعية المتقدمة مركز (القلب) او (نقطة الارتكاز) الرئيسية التي تنطلق منها مكونات من السلع الى الاطراف الخارجية الواقعة في اطار تجمعها الاقتصادي الاقليمي، وترتيبا على هذا الوضع ترتفع درجة الحساسية الاقتصادية لأي تغيرات في تدفق الامدادات سواء نتيجة سياسات متخذة او تعديل في اسعار الصرف او حتى الكوارث الطبيعية كما حدث بالنسبة لزلزال اليابان واثره على شبكة الانتاج وسلسلة الاعمال الآسيوية المتشابكة وطبقا لهذا التقسيم يطلق على المجموعة الاولى مسمى upstream، اما الثانية فتعرف ب downstream. مصر مؤهلة ويبقى التفعيل.. وحتى لا يفهم البعض القول بأن (التكنولوجيا طوق النجاة) بمثابة مصادرة للسير في الاتجاه الذي سلكه الآخرون ودعمته التجمعات الاقتصادية والتجارة الاقليمية في ظل الاوضاع الداخلية والاقليمية الراهنة، نشير الى ان البداية تكون بالتكنولوجيا المنخفضة وذلك في قطاعات الصناعات التقليدية ثم الانتقال الى التكنولوجيا متوسطة الانخفاض ويدخل في نطاقها العديد من الصناعات القائمة بالفعل في مصر، مثال تكرير النفط والبلاستيك والمطاط وصناعة بناء السفن والمعادن الاساسية ومنتجاتها، وتمثل الصناعات التكنولوجية متوسطة الارتفاع المرحلة الثالثة وتضم الماكينات والآلات الكهربائية اضافة الى محركات السيارات ومعدات النقل، وصولا الى صناعة الكيماويات، وهذه المرحلة ايضا قطعت فيها مصر شوطا طويلا ولسنوات عديدة وتبقى المرحلة الرابعة الخاصة بالتكنولوجيا المتقدمة والتي تضم الى جانب الصناعات الفضائية الادوية، واجهزة الكمبيوتر، والآلات المكتبية ، قطاع الاتصالات الالكترونية. وبالنظر الى ان البدايات في كثير من هذه الصناعات بما فيها التكنولوجيا متوسطة الارتفاع وبعض قطاعات التكنولوجيا المتقدمة قد ارست دعائمها في سنوات وعقود ماضية يكون المطلوب هو استكمال ما انقطع والاضافة الى ما تم تحقيقه في صناعات عديدة تم خصخصتها في مصروهذاكله يقتضي ظروفا امنية واوضاعا سياسية مستقرة تسمح للاداء الاقتصادي بالانطلاق والتعاون الاقليمي سواء على صعيد القارة الافريقية او منطقة الشرق الاوسط بالاثمار، هذا هو الحد الادنى المطلوب وليس دعاوي العصيان المدني والاضراب. وباستعراض الملامح الاخرى للنماذج المتغيرة في التجارة الدولية سوف نجد ان (النموذج الصيني) يعد حافزا ومشجعا على سرعة استعادة التوازن الاقتصادي لمصر، وتعويض ما اهدر عبر سنوات حكم (ضيق الافق) ومطالب فئوية واجندة سياسية متضاربة بالاضافة الى النماذج الآسيوية الاخرى التي تحذو حذو الصين.. لقد استطاعت الشبكة الآسيوية بقيادة الصين تليها الهند الانتقال من مرحلة المساهمة الجزئية والتجميع للصادرات الوسيطة من جانب المركز الرئيسي الى تأكيد بصمتها وانتاجها الوطني في الصادرات التكنولوجية المتقدمة للدول الصناعية، وقد دخلت الصين هذه المرحلة منذ منتصف التسعينيات حيث ارتفعت نسبة صادراتها من التكنولوجيا المتقدمة وأصبحت تلاحق الدول الصناعية المتقدمة في مجال هذه الصادرات جنبا الى جنب مع الاضطلاع بدور التعهد او ما يعرف باسم oustourcing والذي يتضمن تنفيذ مراحل معينة من مكونات محددة من المنتج النهائي للدول المتقدمة وابرز مثال في هذا الصدد هو اليابان على صعيد القارة الآسيوية ودول الاتحاد الاوربي. وقد ركزت الدراسة على حقيقة مهمة يمكن الاقتداء بها وتطبيقها وبما يمكن مصر اقتصاديا من عبور الازمة الخانقة لعنق الزجاجة.. حيث اشارت الى ان عملية (استيعاب التكنولوجيا) ليست عملية سلبية تقتصر على مجرد التلقي، ولكنها عنصر (القدرة) المستردة والمدفوعات بالادارة القومية للدولة في مجال تطويع التكنولوجيا الوافدة مع آلية في مجال دراسة التكنولوجيا جنبا الى جنب مع استيرادها من الخارج وفي ظل تدفقات استثمارية اجنبية.. يمكن ان تؤدي في مجموعها الى ايجاد مزية تنافسية بين الدول، وان تشابهت في مجال العمل ورأس المال او المهارات الاخرى ولاشك في ان مصر تملك هذه المقومات ويبقى التفعيل.. فهل يمكن استثمار هذا الوعي الهائل والمتزايد في التعامل مع التكنولوجيا الحديثة من جانب شبابنا؟!! هل يمكن ان تتسع الآفاق بحيث تتجاوز (الفيسبوك) و(تويتر) الى مجالات التطبيق العملي في قطاعات الاقتصاد المختلفة؟!! هل يمكن ان نركن الى قدر من الهدوء والامن والاستقرار بحيث يستعيد قطاع الصناعات التكنولوجية وانشطة التعهد دورها المتناهي في الاقتصاد المصري ويتسع مجال التطبيق في قطاعات اخرى من الاقتصاد. كل هذا يمكن اذا توقفنا عن الغناء والخطب الرنانة ورفعنا شعار (مصر) القوية بشعبها وثرواتها الطبيعية في ظل استقرار سياسي ونمو اقتصادي.. والله من وراء القصد.. خارج النص: الاقتصاد يلعب دورا جوهريا في حياة البشر في كل مكان والاقتصاد انواع وهناك الاقتصاد المنزلي واقتصاد التربية...إلخ وقد يعرفه بعض الاقتصاديين علم البدائل، ونحن في السودان كان الاقتصاديون يعقدون الندوات الاقتصادية على جانب من الاهمية في اركويت ومنتدى اركويت الاقتصادي اجرى العديد من البحوث العميقة في الاقتصاد السوداني، ونحن لا ينقصنا الخبراء الاقتصاديين ولكن الذي ينقصنا ان البعض من الاقتصاديين لا يهتمون بدراسة الاقتصاد ولكي اؤكد ما ذهبنا اليه عدم اهتمامنا بمشروع الجزيرة الذي يعتبر من اعظم المشروعات الزراعية في افريقيا وكنا نعتمد عليه بعد الله قبل اكتشاف البترول لا سيما وان آبار البترول لها عمر افتراضي ..!!! واخيرا نرجو لبلادنا من الله سبحانه وتعالى الاستقرار والرفاهية انه نعم المولى ونعم النصير..