يحتفظ شارع غبيرا العام بوسط العاصمة الرياض بخصوصية سودانية خالصة للحد الذي يشعر غير السودانيين اذا ما عبروه بانهم غرباء، وفي شارع غبيرا العام تتجدد المشاهد وتتنوع الحكايات.. وعبر «الحلقة الثانية» من «مشاهد وحكايات» نتوقف أمام شكاوى رداءة المنتجات السودانية والمغالاة في اسعارها مقار نة بمنتجات دول أخرى، ونستمع لأسرار تمسك البعض منذ عقود بالشارع العتيق.. والى التفاصيل: قال فضل المولى آدم جبارة عكريب: رغم إنني أعمل في مجال تجارة السيارات الا انني لا بد ان اعبر من شارع غبيرا العام الذي يمثل ملتقى لا يمكن الابتعاد عنه، ففي هذا الشارع الذي تفوح منه رائحة السودان يتسنى لكل شخص ان يلتقي ولو على سبيل المصادفة بأشخاص يعرفهم، وبالتالي نستطيع التأكيد انك اذا كنت تبحث عن شخص ما عليك الا البحث عنه في شارع غبيرا. وأشار عكريب الى ضرورة أن توظف سيطرة الوجود السوداني في هذا الشارع الحيوي الى فعل ايجابي، بحيث تتم اعادة النظر في طرح المنتجات السودانية التي تُباع في هذا الشارع بمراعاة الجودة، مبيناً أن كثيراً من هذه المنتجات ومع أهميتها لا تسطيع ان تصمد عند طرح أية سلعة من دول اخرى، وذلك يعود لعدم الاهتمام بمخرجات الجودة. وأضاف إبراهيم محمد التوم فضل الله قائلاً: أمضيت أكثر من ثلاثين عاماً أرابط بهذا الشارع، وخلال هذه السنوات الطويلة تعرفت على ادق التفاصيل، وهو الأمر الذي مكنني من معرفة أي شخص وتاريخ قدومه لهذا الشارع، وبالتالي اتعرف على أي وافد جديد، خاصة أولئك الذين يبحثون عن فرص عمل جديدة. واوضح فضل المولى ان الشارع تغير كثيراً وأصبحت المنتجات السودانية تسيطر على كل جنباته، ولكل سوداني تخصص يقوم به، فنحن في مطعم «الملتقى السوداني» ومنذ عقود نقدم أشهى اطباق الكمونية، الشية، الفول، العدس، الضلع، أم فتفت، الكبدة، الكوارع، التقلية والقراصة الخ.. وحينما تدخل الى مطعمنا يتملكك الشعور بانك في شارع الاربعين او ام بدة او الصحافة. وحول عدم تخصيص اماكن للعائلات السودانية داخل المطاعم السودانية كما هو حال الشعوب العربية، قال: ان السودانيات يحرصن على تحضير المأكولات السودانية على طرقتهن الخاصة داخل منازلهن، ونحن بدورنا نحتفظ بحقيقة أننا نتفوق عليهن، الا اننا نحترم خصوصيتهن.. وبطبيعة الحال لن ابوح بتفاصيل الخلطة السرية الخاصة بمأكولاتنا. العم علي محمد أحمد عبد الرحمن الذي يجلس على ناصية الشارع منذ سنوات طويلة لبيع بضائع متفرقة، قال: مضت سنوات كثيرة وانا أمارس بيع الطواقي، ليف العشميق، العطور، السبح، وكثير من المنتجات البسيطة، والعمل ينشط خلال ساعات المساء وخاصة في نهاية أيام الأسبوع «الخميس والجمعة». وشكا العم عبد الرحمن من رداءة ليف العشميق السوداني، مبيناً انه يرد الى الرياض متسخاً، في حين يصل العشميق المصري بشكل مرتب ومنظم، مبدياً استغرابه لعدم اهتمام الموردين بسلامة ونظافة المنتج حتى يكون منافساً، ونتيجة لعدم الاهتمام تخلينا عن شراء العشميق السوداني وابدلناه بالمصري. وأكد أن أفضل ما في شارع غبيرا العام هو أنك تشعر بأنك داخل السودان، فخلال ساعات المساء تلتقي بأناس من مختلف ولايات السودان وهم يحملون ثقافات متباينة، حيث يتم التواصل الجميل معهم جميعاً. وأعرب عن أمله في أن يتمكن من وضع عصا الترحال قريباً حتى يكون وسط أسرته بالولاية الشمالية. وانتقد عبد العظيم عبد الماجد محمد إبراهيم وهو صاحب «طاحونة وبقوليات» عدم اهتمام التجار السودانيين بالمنتجات الواردة الى السعودية، مبيناً أن الذرة والكبكبي والعدسية والدخن تصل إلينا وهي مليئة بالتراب والحصى، وأمام هذا الواقع المزعج نضطر مرغمين إلى نظافة ما يمكن نظافته، لذلك اصبح كثير من الزبائن يفضلون المنتجات البقولية الواردة من اليمن والهند وتركيا باعتبارها خالية من التراب والحصى. كما شكا إبراهيم من ارتفاع أسعار زيت السمسم مقارنة بزيت السمسم الوارد من اليمن، مؤكداً أن عدم الاهتمام بمخرجات الانتاج وارتفاع أسعاره تجعل العملاء ينصرفون عنه. المهندس الزراعي حسن جاد الله يشير إلى أنه يعمل خلال ساعات الصباح موظفاً رسمياً في احدى الشركات، وخلال ساعات المساء يتحول الى شارع غبيرا العام، وكأنه يستمد منه روح الاستمرار في الغربة الممتدة قال: منذ عقود احرص على أن اكون خلال المساء هنا في شارع غبيرا العام، حيث مزاولة تجارة بيع الثياب النسائية والعطور، مشيرا الى ان الشارع ظل صامدا بسودانية خالصة رغم برامج السعودة، وهو أمر يعود لترحيب القيادة السعودية بالوجود السوداني، خاصة انه لا توجد أية جالية اخرى لها تجمعات وتكتلات كما هو حال الجالية السودانية. وأضاف شرف الدين محمد صالح انه قد تخصص في بيع الكوانين والمفاريك والمقاشيش منذ «22» سنة، ويشكو ايضاً من رداءة صناعة المنتجات السودانية، ويشير الى ان هذه الرداءة يتسبب فيها افراد، وهم الذين يستفيدون من الاستيراد، في حين أن مثل هذا العمل يتوجب أن تتولاه شركات متخصصة تحت إشراف الدولة.