تتسارع هذه الأيام وتيرة الاحداث السياسية والاقتصادية بسبب قرار الحكومة رفع الدعم عن المحروقات، وتفننت اطراف كثيرة في استغلال هذا الظرف كل حسب رؤيته واهدافه، ووقف المواطن المسكين يترقب ويدفع الثمن الباهظ لهذه القرارات الظالمة، والتي تحاول الحكومة تصويرها على انها طوق النجاة مما نحن فيه، وكادت أن تقول للمواطن نحن نجتهد لقتلك كي تعيش. السلع هي الأخرى دخلت السباق الماراثوني المحموم، وتقدمت الصفوف وحولت بقدرة قادر المواطن الى متفرج لا مشترٍ، والساسة هنا وهنا بدأوا اعداد العدة لحملة لتغيير النظام الحاكم، وتتواصل حملة السباقات. وان كانت الحكومة جادة في الخروج من هذا المأزق لماذا بدأت الحل عكسياً، أما كان من الاجدر بها ان تعمل اولا على خفض الانفاق الحكومي عبر تقليل مخصصات التنفيذيين والتشريعيين والتعديلات الوزارية وازالة المناصب التي ليس لها مبرر غير رضا ءهذا او ذاك، وقبل كل ذلك مراجعة القرارات الاقتصادية التي وضعت لتدمير الاقتصاد لا النهوض به، وفقدت البلاد مخزونها من النقد الاجنبي بفضل تلك السياسات التي افرزت اشكالا جديدة من التحايل على المال العام، مثل السفر المتكرر لأناس فقط للاستفادة من فرص التحويل التى كانت تمنحها الدولة للمسافرين، فهجر الناس اعمالهم او استغلوا من قبل نفعيين للسفر خارج البلاد لمجرد الاستفادة من فرق العملة بين السعر الرسمي والموازي، والسياسات الخاطئة في مجال الاستثمارات الاجنبية بالسودان زادت الطين بلةً في بلد اعتمادها بشكل اساسي على الزراعة والثروة الحيوانية، وتفتح الابواب للمستثمرين في مجالات خدمات النقل والمطاعم والخدمات الاستهلاكية، وضاعت فرص كبيرة لانتشال مشروع الجزيرة من وهدته واعادة الحياة فيه من جديد، والاطماع تلاحقه من هنا وهناك، وتحولت العاصمة الى وعاء جامع لأهل السودان الذين هجروا قراهم التي لا يتوفر فيها ابسط مقومات الحياة الكريمة من ماء وغذاء وصحة، والخرطوم بحجمها الهلامي الجديد لا تنتج برغم أن منتجي البلاد قدموا اليها من كل حدب وصوب. وتخطئ الحكومة مرة أخرى وهي تحاول تقسيم البلاد لمعسكرين حيال سياسة رفع الدعم، والمسؤولون فيها يقدمون شرحاً لشباب حزب المؤتمر الوطني وقاعدته لا قناعهم بمساندة تلك القرارات، وكأن أولئك من كوكب آخر ولن يتأثروا بتلك القرارات. ومخطئ من يظن ان هذه القرارات يمكن ان تمر دون ان تكلف البلاد الكثير، وستقود الى المزيد من التمزق، وستقتل الكثير من الامل الذي ولدته احداث هجليج الاخيرة. والحكومة اعلنت افلاسها دون ادنى حد من الشفافية توضح فيه الاسباب الحقيقية لما نحن فيه، فإن كان انفصال الجنوب هو الشماعة التي تعلق عليها الحكومة اسباب الفشل، الا اننا نقول ان التعنت بعد هذا الانفصال لبعض ساستنا واقتصاديينا كان له الاثر الاكبر في تعقيد المسألة، فإني لا أجد منطقا لحرمان دولة الجنوب من تصدير نفطها عبر خطوط ستتآكل بالصدأ، وربما تنهار لمجرد التعنت الذي افقدنا الكثير وسيفقدنا المزيد ما دمنا سنقاسمهم بتأجير الخطوط شيئاً من عائدات النفط. فنحن محتاجون لمراجعة الكثير من السياسات الاقتصادية، ومعالجة تداعيات الفساد الذي عم جل المال العام قبل أن نثقل كاهل المواطن بقرارات لن تزيده الا شقاءً وقهراً. وأمام الحكومة فرصة لدراسة ما يدور حولها، والجلوس مع الآخر والتشاور معه حول أنجع السبل لتجاوز ما نحن فيه، وترك الجمود والتعنت من أجل السودان ومواطنه المغلوب على أمره.