ما بين التقليص والدمج مضت حكومات ولايات البحر الأحمر، سنار، كسلا، نهر النيل والجزيرة في انفاذ توجيهات المركز الداعية لخفض اعداد الدستوريين وذلك في اطار تطبيق سياسة الحد من الانفاق واعادة هيكلة اجهزة الحكم والتي تأتي ضمن الترتيبات التي اتخذتها الحكومة لمجابهة الازمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، ولكن رغم التعديلات التي اجرتها هذه الحكومات على هياكلها التنفيذية الا ان مراقبين اعتبروا ان ماتم في هذا الصدد جاء اقل من التوقعات ، ووصفت التعديلات بالطفيفة وانها مجرد ذر للرماد في العيون. لم يحظ التعديل الوزاري بمعظم الولايات باهتمام الشارع الذي بدا زاهدا في متابعة هذا الملف على عكس ماكان سائدا في الفترت الماضية ، كما ان التعديلات التي كان الهدف من ورائها تقليص اعداد الدستوريين لم تأت حسبما اعلنت الحكومة وذلك بحسب مراقبين والذين يعتقدون ان حكومات الولايات لم تشأ مخالفة توجيهات المركز وعملت علي اجراء تعديلات طفيفة ، مؤكدين عدم اسهامها في خفض الانفاق كما يتوقع ، ورغم ان النائب الاول لرئيس الجمهورية كشف امام البرلمان مؤخرا عن اتجاه لخفض الدستوريين على مستوى الولايات من 572 إلى 318 دستوريا، الا ان الواقع على ارض الولايات التي نفذت توجيهات المركز يوضح ان الرقم الذي حدده النائب الاول والمستهدف خفض 254 دستوريا لايمكن الوصول اليه ،وذلك لأن الولايات الخمس مثار تقريرنا استغنت مجتمعة عن 21 دستوريا فقط ، حيث خرج سبعة من التشكيل الوزاري لحكومة ولاية سنار ،وخمسة في الجزيرة،وواحد بنهر النيل ،واربعة بكسلا ،وثلاثة بولاية البحر الاحمر ،واتجهت معظم حكومات الولايات التي اجرت تعديلات الى سياسة دمج الوزارات لتتراوح على اثر ذلك الوزارات من ثماني الى عشر ، ولم يتجاوز تقليص الوزارات الرقم اثنين، بل حتى الولايات التي قامت بالغاء وزارات مثل الشباب والرياضة والمجلس الاعلى قامت بتعيين الذين كانوا يشغلون هذه الوزارات والمجالس مستشارين او معتمدي رئاسة ،ولم تقدم ولاية على تخفيض المحليات التي يؤكد الكثير من المراقبين صعوبة تقليصها بسبب سياسة الموازنات الجهوية والقبلية التي كانت وراء قيامها ،ويستبعد مراقبون تخفيض 254 دستوريا بالولايات ،مشيرين الى ان ولايات دارفور الخمس التي يتجاوز عدد دستوريها المائة وستين تشهد اوضاعاً استثنائية تحتم اشراك اكبر قدر من مكونات المجتمع القبلية والسياسية والحركات المسلحة واحزاب البرنامج الوطني في الحكم ،ويعتبرون ان ولاية النيل الازرق وجنوب كردفان تمران بذات الاوضاع التي تشهدها دارفور. ويرجع مراقبون محدودية التعديلات التي اجرتها حكومات الولايات اخيرا الى اسباب مختلفة وفي حالة ولاية الجزيرة يشير المحلل السياسي ياسين الباقر في حديث مع (الصحافة) الى ان بعض الولايات تحتاج لعدد مقدر من الدستوريين وذلك لمساحتها الشاسعة ولكثافتها السكانية ،وقال ان الجزيرة ولاية مترامية الاطراف وبها اكثر من ثلاثة مليون نسمة وتحتاج لجهاز تنفيذي يستطيع القيام بالاعباء التنفيذية المختلفة ،الا ان المحلل السياسي يعتبر ان الحل لايكمن في تقليص الدستوريين وزاد:مجابهة الازمة الاقتصادية يجب ان تكون بالنظر الى القضايا الكلية المتعلقة بالاقتصاد والخدمات والتعليم والزراعة ،وتقليص وزيرين او حتى عشرة لايقدم ولايؤخر بل يجب ايجاد حل للمشاكل الاقتصادية ،ويعتبر ياسين الباقر ان هناك اوجهاً اخرى للصرف البذخي في الجهاز التنفيذي والوزارات والادارات الحكومية هي الاخرى تحتاج لمعالجات جذرية تنفيذا لسياسة خفض الانفاق. ولكن القيادي بالمؤتمر الوطني بولاية سنار مبارك عبد القادر يؤكد في حديثه ل(الصحافة) على جدوى الاجراءات التي نفذتها حكومات الولايات ، وقال ان الخطوات الاصلاحية الرامية لخفض الانفاق من شأنها ان توفر اموالاً مقدرة يمكن توجيهها نحو الخدمات ،وقال ان الغاء التعاقدات الخاصة وخفض مخصصات الدستوريين وتقليص اجهزة الحكم تؤكد جدية الحكومات بالولايات على انفاذ توجيهات المركز وترشيد الصرف ،مشيرا الى ان المتغيرات التي تمر بها البلاد هي التي فرضت هذه الاجراءات التي اعتبرهها تصب في المصلحة العامة. وفي المقابل هناك من يرى ان بعض حكومات الولايات ظلت تحرص على خفض الانفاق وتقليص اجهزة الحكم قبل توجيهات المركز الاخيرة ،وهذا مايشير اليه نائب رئيس المؤتمر الوطني بولاية البحر الاحمر محمد طاهر احمد حسين والذي اكد في حديث هاتفي مع (الصحافة) تطبيقهم لسياسة الترشيد منذ 2005 ،مبينا ان حكومة ولاية البحر الاحمر تطبق سياسة تقشفية صارمة وانها سبقت الولايات في الترشيد وتقليل اجهزة الحكم ،واردف:منذ 2005 لم يسبق ان تجاوز عدد الدستوريين في الولاية الاثنين وعشرين ،ولدينا ثماني وزارات وعشر محليات فقط،بالاضافة الى ثلاثة مستشارين ولايوجد لدينا معتمدو شؤون رئاسة ،ويملك كل دستوري عربة واحدة باستثناء الاخ الوالي ،ويقول ان الاجراءات الاخيرة قضت بتقليص نصيب المؤتمر الوطني في المشاركة وحافظت على حصة الاحزاب ،مبينا ان الانجازات الكبيرة التي ظلت تحققها حكومة الولاية تعود بشكل مباشر الى تطبيقها سياسة الترشيد منذ سبع سنوات. ورغم الاجراءات الطفيفة التي قامت بها حكومات الولايات انفاذا لتوجيهات المركز الداعية لخفض الانفاق واجهزة الحكم ،يرى القيادي بالاتحادي الديمقراطي بولاية نهر النيل حسن احمد الشيخ ان ماتم لايخرج من اطار العمل السياسي الذي يستهدف اقناع المواطنين بخفض الانفاق وجدية الحكومة في معالجة الازمة الاقتصادية،وقال في حديث ل(الصحافة):لم يحدث تقليص او خفض خاصة في ولاية نهر النيل التي كنا نتوقع ان تقلص وزاراتها الى النصف او دمجها ولكن هذا لم يحدث ويرى ان الهدف من قرار خفض الانفاق هو الهاء المواطنين عن الازمة الاقتصادية التي تواجه البلاد. ويقول رئيس حزب التواصل بولاية البحر الاحمر حامد محمد علي ل(الصحافة) ان الازمة اكبر من معالجات محدودة في الجهازالتنفيذي ويشير في حديث ل(الصحافة) الى ان المواطن لم يعبأ كثيرا بالتغيرات والاجراءات الاخيرة وذلك لاسباب يعرفها الجميع ،وزاد:في حالة ولاية البحر الاحمر اذا حصل تقليص في الجهاز التنفيذي او زيادة فكله سيان ولايفرق كثيرا وذلك لأن كل السلطات في يد الوالي والدستوريون لايملكون صلاحيات ،لذلك مثل غيري لم اهتم بما حدث. ويشير المحلل السياسي سيف الدين هارون في حديث ل(الصحافة) الى ان الاحباط الذي اعقب التعديلات التي شهدتها حكومات الولايات يعود لعدد من الاسباب ابرزها ان هذه التعديلات لم تأت مقنعة ولم تقترب من الازمة الحقيقية المتمثلة في وجود وزارات ومحليات لاداع لوجودها. وقال ان التقليص اقتصر على وزارة او اثنتين ولم يطال المحليات المترهلة ،معتبرا ان الكثير من الولايات لاتحتاج الى اكثر من خمس وزارات ومثلها من المحليات ،مستبعدا ان تكون للتعديلات آثار ايجابية على المواطن وميزانيات الولايات.