على الرغم من أن أرض السودان نحسب أنها من أرض الفرص والامكانات، ولكن أغلبية شعبها يعاني فقراً مؤلماً، وذلك بسبب الحروب والسياسات الخاطئة منذ الاستقلال.. ونتيجة لذلك نجد أن البؤس لم يوجد في مكان معين انما يملأ الجمهورية السودانية من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، يوجد في القرى ويوجد في المدن ويوجد في كل مكان، يملأ السودان نغمة وشراً، ولهذا يشعر الكثيرون بأن السودان هو بلاد البؤس والشقاء.. كيف لا تصبح كذلك ويقطنها ياسر عرمان ومالك عقار وعبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور ومني أركو مناوي والصف طويل من الخونة وعملاء الغرب.. إن هؤلاء بأفعالهم جروا السودان إلى طريق الشقاء.. وأنا أزعم أن قارئ هذا الحديث مهما يكن لا يستطيع أن يقضي يوماً من دهره أو ساعة من يومه دون أن يرى إنساناً فقيراً أمامه لا يجد ما ينفق، ولم تتح له وسيلة ليجد الغذاء أو الكساء، وهذا لا ينفي أن الحكومة بسبب بعض سياساتها لها دور أساس في زيادة عدد الفقراء والمساكين بالبلاد. وكذلك المعارضة الشمالية لها نصيب كبير في ذلك، فكثيراً ما تضع مصالحها فوق مصالح الوطن. ٭ وفي ذات الوقت الذي نجد فيه قليلاً جداً من السكان يعيشون في شيء من اليسر، نجد الكثير جداً من السكان يستظلون بظل البؤس والشقاء والحرمان وابتغاء الوسيلة للظفر بما يقي شر الحاجة والسؤال. ٭ البؤس ملأ كل مكان رغم أنف الفلسفة القائلة إذا أسرف الشيء في الوجود فهو غير موجود. ٭ أما سادتنا ووجهاؤنا وأصحاب الحظوة ورجال الأعمال والمعارضين الكبار، فهم موجودون ونكاد نراهم في كل مدن البلاد وليس في قراها. ولأنهم عظيمو الخطر فهم محط اهتمام واحترام، ولا يرد لهم طلب، وكل واحد من هؤلاء لا ينام جائعاً إذا أقبل الليل، ولا يذهب طفله جائعاً إلى المدرسة ولا يطول انتظاره للغداء إذا حان وقته، ولا ينبغي أن يطول انتظاره للعشاء إذا أقبل الليل، لأن من حقه أن يتناول الطعام في أوانه، وأن يأخذ قسطاً من الراحة حتى لا تتعرض صحته الغالية لبعض ما يؤذيها.. تلك هي حياة المترفين وأبنائهم في بلادي.. فيما نجد الأشقياء والبؤساء من الذين عاشرهم البؤس لسنوات حتى اطمأنوا إليه كما تطمئن النفس للصحة والعافية. ٭ فلا بد أن تملأ الحكومة قلبها وعقلها بهذا الفقير المسكين الذي طحنه الغلاء هذه الأيام ولا بد أن يشغل همها وعنايتها، لأن هذا البائس المسكين ملأ السودان عبر الزراعة وغيرها من المهن نعمةً وخيراً، وللأسف الشديد ملأ السودان حياته شقاءً وبؤساً. ٭ انني أدعو كل الكتاب الوطنيين الشرفاء ليقفوا مع المواطن الفقير وينحازوا له في القضايا، وحديثهم في هذا الجانب يغني كل الغنى ويفيد كل الفائدة.. خاصة أن الفقر تمدد في كل ولايات السودان، ولكن ولاية الخرطوم هي الأكثر. ونأمل أن ينجح شيخ العرب وزعيم البطاحين المهندس صديق الشيخ صاحب مشروع إحياء المشروعات الزراعية في ولاية الخرطوم.. فالرجل كما نعرفه شهم كريم هميم وسليل أسرة وكيان اجتماعي لا يعرف الشح والبخل واللؤم، فهل تساعده هذه الصفات في كنس آثار الفقر الذي فشل فيه التكنوقراط السابقون حتى أصبح ظاهرة.. هذا ما نجيب عليه لاحقاً. ٭ كما إنني أدعو الحكومة لتأمين قوت الفقراء وعلاجهم وتعليمهم وتنميتهم، وهذا هو الطريق الصحيح.. أما إذا أصبحت الحكومة تتفرج مثل الآخرين، حيث أن كثيراً من السلع يعبث بها العابثون ومستها الخطوب بما لا نحب.. فلننتظر الكارثة.. أما إذا تفكك المجتمع وأصبح كل واحد يحب نفسه إلى أقصى آماد حب النفس ولا تهمه معاناة أخيه، فهنا سننتظر الكارثة الأكبر. ٭ نحن نحلم بوطن ومجتمع مسلم لا يكون الرجل فيه عبداً للمال، وإنما يكون المال فيه عبداً لمالكه، وتكون الثروة فيه وسيلة إلى إعانة المنكوب وإغاثة الملهوف وانقاذ المحروم، وليس هناك أروع من عاطفة الرجل الكريم حين يشعر انه أعان منكوباً أو أنقذ محروماً أو بر صديقاً. وتصرف في ماله ولم يدع ماله يتصرف فيه. وهذا هو المجتمع الذي نتطلع إليه.. فهل سيحدث هذا أما أننا نتسلى فقط بهذا الحلم؟!