رحم الله فنان الشرق القدير آدم شاش حينما كان صوته البحري المريح ينساب عبر اجهزة الراديو المتعبة في بيوتنا في قرانا البعيدة ، على متن ربابته الجميلة الموحية في أغنية « فنجان جبنة» . والحقيقة لا اعرف ان كان الفنان القدير اتخذ من موضوع القهوة معبرا الى رموش الحبيبة أم لانه ونظرا لأن الشيء الجميل بالشيء الجميل يذكر فقد أراد تخليد معشوقته القهوة مادام يحملها اليه ذلك الجمال الشاربة عينيه من زرقة البحر الأحمر وعمقه وعنفوانه. أميل الى الاعتقاد بأن القهوة كانت معبرا الى اللحاظ الجميلة فهي عزيزة تؤدي الى أعز ، لا سيما اذا استحضرنا موضوع الشاى عند فنان الربابة الشايقي واتخذناه في هذا الخصوص سابقة عشقية الى رحاب الحبيب على بساط الشاى: بريد شايا تغسل ايديك كبابي وبريد شايا تسوي انتي وتجيبي وبعيدا عن ساحات العشق حتى الفناء واحتساء القهوة في حضرة من نهوى في زمن أصبح لا يتيح لك حتى حك رأسك ، فان المغني آدم شاش كان بأغنيته تلك لا يمتدح الحبيبة فقط وانما يسجل اعلانا غنائيا مجانيا يذكر فيه فضل البن الحبشي على ما عداه ، ولذلك فإنني اقترح على ورثته مطالبة الحكومة الاثيوبية بهذا الحق . وقبل أن آتي الى موضوع هذا الحق ، أود التعريج على شركة مقاهي استاربكس الأمريكية . ان هذه الشركة هي احدى أكبر الشركات في العالم وفنجان القهوة في أحد مقاهيها ربما كلف أربعة أو خمسة دولارات. الناس هناك ... شقراوات وعجائز وشباب يقفون بالصف لشراء فنجان جبنة استاربكس للتمتع بنكهة وطعم البن المستورد من جميع أنحاء العالم . وفيما قرأت ، فان لهذه الجبنة الأمريكية قصة خلف الكواليس فهناك محادثات تجري بين رئيس شركة استاربكس والحكومة الأثيوبية تتعلق بسياسة الشركة التي تقوم بتسويق معظم البن المنتج في الدول الأفريقية الفقيرة . لقد فشلت تلك المحادثات لأن أثيوبيا كانت تسعى الى تسجيل أنواع البن المنتج في أراضيها كعلامات تجارية . ان ذلك التوجه فيما أرى ، نظرة حصيفة من حكومة الجارة الشقيقة في عصر نرى فيه الملكيات الفكرية - ومنها العلامات التجارية في دولة مثل الولاياتالمتحدة تقارب 25% من تجارتها الخارجية مع تودد الدولة الكبيرة للمارد الصيني للانضمام الى منظومة الحماية الدولية حتى لا « يبعزق « قراصنة الموسيقى الدوليين الابداع الأمريكي فيضيع في البحر الصيني سربا. تعارض استاربكس توجه الحكومة الاثيوبية فهي مستفيدة من تصنيع البن في مقاهيها في انحاء العالم. في تقديري لم يكن هيام آدم شاش بالجبنة هياما فنيا بما يوصله لعيون الحبيبة فقط وانما كان هياما عصريا نراه اليوم في قصة فيلم سينمائي يحاول أن يروي قصة القهوة ويسمى هذا الفيلم « بلاك قولد « أو الذهب الأسود ويتحدث عن استغلال سلاسل محلات القهوة العالمية لمزارعي البن وقد أثار جدلا واسعا بين محبي شرب القهوة خاصة في أمريكا وأوربا. وما دامت عزيزتنا الجبنة قد كسرت بيت الطاعة الفني والاجتماعي لدينا وأقحمت نفسها في صراعات التجارة الدولية ، فقد حان الوقت ليطالب ورثة الراحل آدم شاش الحكومة الاثيوبية بثمن التغني بقهوتهم انطلاقا من أننا نصنع الجبنة من البن الحبشي ولا ننتجه . ربما قال قائل بأن الجبنة منتج سوداني وأقول إنه منتج فولكلوري تتوافر الآن على حمايته كملكية فكرية جهود الدكتور كامل ادريس وصحبه . ان مشكلة حماية الفولكلور والتعبيرات الشعبية مردها الى أنها كملكيات فكرية أو منتجات شعبية ، تابعة لوجدان شعبي معين صنعها تستوي في ذلك رقصات اللول لول يا العروس وثمار النيم العلاجية والقرض والسنمكة والمر الحجازي ... مواد يأخذها الغني من الدول الصناعية من مناطقها الفقيرة في العالم الثالث ويردها اليه في شكل أدوية ومستحضرات طبية بلا عدل أو منطق ، حيث يتفوق الغني بتقنياته ويظل الفقير صاحب الحق أبدا تحت رحمة آلته الصناعية والتقنية. ويجدر بالذكر أن أول معاهدة دولية ورد فيها ذكر الفولكلور وحمايته صراحة كملكية فكرية كانت معاهدة الوايبو للأداءات والصوتيات لعام 1996 مستصحبة معها أحكام اتفاقية بيرن لحماية المصنفات الأدبية والفنية لعام 1971 واتفاقية روما لعام 1961 لحماية مؤديي ومنتجي الصوتيات والمنظمات الاذاعية. وبعيدا عن تعقيدات الحمايات الفكرية فمما يحزن المرء أنه لم تعد لدينا منتجات تسندها علامات تجارية نفخر بها منذ الاستقلال مثل الجارة الشقيقة التي تصنف ضمن أفقر دول العالم. وقد اختفت من دعاياتنا التجارية حتى أهازيج صابون صافي صافي .. الحير أوصافي « رحم الله الفنان أحمد عبد الرازق» ، والكزرزر ... الفوار السريع وغيرها . أفلحنا في غزو العالم بالناس والكسرة والدكك والعراريق البلدية والطواقي والويكة الناشفة والقونقليز... منذ أن انفض السمار وارتحل العشاق . وبالمثل لم تفلح الجارة الشقيقة الا في تصدير الناس الحزانى والانجيرا والزيقني الحبشي التي أصبحت تلهب الإمعاء الأمريكية في كل الولايات تقريبا . نموذج الدولتين في تصدير الانسان والهم والحزن ، هو نموذج لتحطم أمنيات الانسان الأفريقي في التنمية والرخاء وذهاب أمانيه في العيش الهانيء الكريم أدراج الرياح.