يعتبر شهر رمضان موسماً للتعبد والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بالكثير من الأعمال والعبادات التى يغفل عنها الناس خلال الأشهر الأخرى، باعتبار أن الشهر الكريم يكون فيه المرء فى ذروة خشوعه، خاصة أن الشياطين تصفد فيه، مما يجعل السعى فى الخير وتجنب المعاصى أمراً أيسر من الأيام العادية التى تكثر فيها وساوس الشيطان الذى يدعونا إلى ارتكاب المعاصى، هذا غير أن الحسنة فى رمضان تكون مضاعفة، وبالتالى فهو فرصة ذهبية لتعويض ما فاتنا من خير ومحو ما ارتكبناه من ذنوب، كيف لا فهو أوله رحمة ووسطه مغفرة وآخره عتق من النار كما قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. ولكن هل ينتهز الناس أيام هذا الشهر العظيم لاكتساب الحسنات؟ وهل ممارساتنا فيه تتوافق مع الحكمة من مشروعية الصيام والتى يعرفها الجميع؟ للإجابة على هذا السؤال رصدت «الصحافة» بعض الظواهر والممارسات التى ارتبطت برمضان، حيث لاحظت أن بعضها ينشط فيه وبصورة تدعو إلى التعجب، ومنها ما يتناقض تناقضاً تاماً مع الأهداف السامية للصوم. ولعل أبرز تلك الظواهر وأكثرها شيوعاً خاصة وسط الشباب وتمارس فى أوقات متفرقة من اليوم، ظاهرة لعب الورق «الكوتشينة». وقد تبين من الرصد أنه لا يكاد يخلو حى فى مدينة من ممارستها، حتى أصبح مشهد تجمعات الشباب الذين يمارسونها مشهداً عادياً لا يجد استنكار، ومن الناس من لا يشعر بأنه فى شهر رمضان إلا بممارسته للعب الورق. أحد الشباب الذين التقتهم «الصحافة» قال إن السبب الذى جعله يدمن لعب الورق هو وجود فراغ كبير فى شهر رمضان خاصة فى النهار، وقال إنه رغم ذلك يهتم بصلواته ويؤديها فى وقتها، وذكر شاب آخر أن لعب الورق له فوائد من بينها تجمع شباب الحى فى مكان واحد، ويكون ذلك فرصة للتواصل ومعرفة أخبار الحى، بينما أكد أحد الشباب أنه كان يمارس لعب لورق بصورة غير عادية وأن ذلك شغله عن عمله «تاجر» وتدهور لدرجة الإفلاس، حيث قال إن الاندماج فى اللعب جعله لا يتحمس للبيع، وقال إنه الآن وبعد ما حدث له بسبب «الكوتشينة» اعتزلها نهائيا وأنه أصبح من المناهضين لها. ولعب الورق بات وحسب رؤية البعض يستهلك أموالاً طائلة من السودانيين تقدر بالمليارات تصرف عند حلول شهرالصوم، حيث تبدأ الاستعادات له قبل دخوله، وقد التقت «الصحافة» أحد التجار الموردين لورق اللعب، الذى أكد أنه قبل شهر رمضان فى كل عام يستورد المئات من كراتين «الكوتشينة»، وقال إن رمضان يعتبر موسماً لنشاط تجارة العديد من أدوات اللعب وفى مقدمته «الكوتشينة»، وأبان أن بقية شهور العام تكون فيها الحركة أقل بكثير، ويكون هنالك ركود واضح، وذكر أن معظم من يشترون ورق الكوتشينة هم من الشباب، وقال إن بعض النساء دخلن هذا العالم، مشيراً إلى أن نسبة ليست بالقليلة منهن يحرصن على اقتناء ورق اللعب سواء فى رمضان أو غيره. بعض المتابعين حملوا الجهات المختصة بالشباب والرياضة والشؤون الاجتماعية والثقافية مسؤولية استفحال هذه الظاهرة وسط الشباب، حيث ذكروا أن هذه الجهات لا تقيم أية برامج تملأ فرغ الشباب فى شهر رمضان، وقالوا إن تركيز الحكومة كله موجه لمشاريع فطيرة غير هادفة، وقالوا إن الشباب يحتاجون إلى برامج يجدون فيها أنفسهم مثل الرياضة والبرامج الثقافية وغيرها من البرامج ذات الصبغة التوعوية والترفيهية. علماء الدين اختلفوا فى الحكم على لعب الورق، فمنهم من أجازها بشرط ألا تشغل الناس عن إقامة الصلاة فى مواعيدها، والبعض الآخر وصفها بالظاهرة المدمرة باعتبار أنها تستهلك وقتاً كبيراً من اليوم وفي ما لا يفيد فى الدنيا أو الآخرة، وقالوا إن شهر رمضان يجب أن يستغل للتعبد وقراءة القرآن وغيرها من الأعمال التى تكثر من الحسنات. بعض المختصين فى الاقتصاد وعلم الاجتماع أشاروا إلى أن لعب الورق وبما أنه يستهلك وقتاً ليس بالقليل من يوم الشخص، فإنه مدعاة للخمول والكسل، وهذا مما يعطل دولاب العمل ويؤدى إلى انصراف الشباب عن الإنتاج والسعى فى طلب الرزق، وقالوا إن هذه الظاهرة خطورتها فى أنها تفشت كثيراً فى السنوات الأخيرة وسط الشباب بالريف، وأصبحوا يمارسونها فى رمضان وفى غيره من الشهور. أحد المهتمين بالأمر ذكر أن هذه الظاهرة حملها السودانيون إلى دول المهجر، حيث قال إن الكثير من المغتربين خاصة فى دول الخليج لا شغل لهم سوى لعب الورق، وقالوا إن ذلك تسبب فى ضياع سنوات العمر من الكثيرين دون أن يحققوا لأنفسهم أى شىء، وأن الأمر وصل ببعضهم للتوقف عن العمل، وأصبحوا بالتالى عاطلين يعيشون عالة على غيرهم.