حل رمضان الكريم والبلاد تمر بظروف استثنائية وعصيبة جراء الأزمة الاقتصادية التي أثرت كثيراً على حركة المواطن، وحدت الازمة من صور التواصل والتراحم التي عرف بها اهل السودان. وبالرغم من الظروف العصية الناجمة عن الغلاء الطاحن فقد استقبل المواطنون ضيفهم الكريم بالابتسامات والفرح الغامر، وساعد في تمدد الفرح محاولات عدد من المؤسسات والمنظمات دعم منسوبيها والعاملين بها، وفي القضارف قامت شرطة الولاية بدعم أكثر من «4500» شرطي إحياءً للشهر الفضيل وتهيئة لبيئة عمل صالح، بجانب افتتاح التعاون الاجتماعي لشرطة المرور، وهذه الخطوة تؤكد تفاعل الشرطة اجتماعياً وحرصها على خفض نسبة الفقر وتمكين الأسر الضعيفة من صيام الشهر العظيم . وفي المقابل لم يلتفت الصائمون لهذه الأزمة الاقتصادية وغلاء الأسواق رغم ارتباطها بمائدة الصائم، مما يؤكد أن مجتمعات الفضيلة ظلت تقوم بأدوارها دون تأثير، فكانت الموائد الرمضانية الجماعية على الطرقات والأزقة والأحياء خير دليل على عظمة الشهر، فكان الشيخ الجعلي بود الكبير خير خطيب لمحبيه ومريديه عقب الإفطار، حيث حثهم على سنن التواصل والترابط دون الالتفات لما يجري من غلاء. أما حي ديم النور العريق فصار كنهجه حلقات إفطارات متنوعة الموائد باختلاف سحناته ومكوناته، ولم تنقطع عنه القراصة التي تعد من قبل حاجة مريم، والتقلية الدراشة والبامية المفروكة «أم بقبق» بالشمار الأخضر، وتكافل نساء حي الزهور بديم النور يمتد لأكثر من نصف قرن عبر مجموعات النساء اللائي يقمن بإعداد الطعام المختلف، والأخريات يقمن بصنع العصائر، فيما تنتظر أخريات مائدة السحور ذات التنوع المتعدد بأم جنقر والرقاق والأبري الأبيض، حتى أرغمت نساء ديم النور المسحراتية على السباق لإيقاظ الصائمين بفضل مائدة السحور وهن ينتظرن المسحراتية في بارحة الطرق. وما يميز شباب هذا الحي إسراج الأعمدة في الطرقات وإضاءتها لتلبس حلة زاهية بدقات طبل شيخ تندل وعلى أنغام «يلا قوم يا صائم السحور وده شهرنا يا ناسك.. كيف الوصول لآخر الشهر برضي صائم وأنا لي أمل عاوز أقابل الرب الكريم» وما بين المائدة ودقات الطبل يبقى حنين الدم والإلفة سمة أساسية ولوحة جمالية رسمت في أرض الخير القضارف رغم ما يعانيه المواطن من ضنك العيش، ليكتب التاريخ فرحة عارمة لكل المسلمين بإطلالة هذا الشهر.. ومرحباً رمضان شهر الخير والغفران.. رمضان سلام بكل إيمان وسلام.