خرج اجتماع مشترك تم مؤخرا في كتم ضم ممثلين عن اليوناميد والقوات النظامية والمدنيين من معسكري كساب وفتابرنو والسلطات الادارية الامنية، خرج بقرار حماية المدنيين بالمعسكرات وفق المعايير الدولية وذلك بتوفير قوات مشتركة من الجانب السوداني وتنظيم دوريات من قوات اليوناميد تملك تفويضا بالتعامل المسلح مع اي اعتداءات محتملة. الحق لقد تعددت مظاهر الانتهاكات ا لمنظمة في الفترة الاخيرة بمعظم اجزاء شمال دارفور القديمة والتي تشمل كتم ومليط وكبكابية، حيث شهدت كتم في الاسبوع الاول من اغسطس الجاري مأساة حقيقية باغتيال المعتمد عبدالرحمن احمد عيسى وقد تعددت جهات ادانة مقتله، وصحب ذلك مقتل رجال دولة بمن في ذلك ثلاثة من قوات الامن والعديد من المدنيين العزل في معسكر كساب واجتياح سوق مدينة كتم عاصمة المحلية واستباحة اعراض مواطنيها ونهب ممتلكاتهم على مرأى ومسمع من اجهزة الدولة وقد كادت الانتهاكات تصل مداها لولا تدخل القوات المسلحة في وقت مناسب لوقف القتل والاعتداءات والانتهاكات الجسيمة. لقد تزامنت تلك الاحداث مع احداث اخرى شهدتها مدينة مليط على خلفية نزاعات شخصية، ادت الى مقتل اكثر من خمسة اشخاص من قبيلتي البرتي والزيادية.. هذا عدا احداث سابقة شهدتها مدينة كبكابية ادت الى مقتل جندي في حادث محاولة سرقة بنك ومقتل نازحين جراء صدامات مع الاجهزة الامنية. ان ما جرى ويجري في المحليات الثلاث، ومحليات اخرى في ولايات دارفور هي احداث تمثل تحديا جديا لوثيقة الدوحة وتطبيقاتها الادارية والشعبية الاهلية وهي في ذات الوقت تمثل مؤشرات خلل في تطبيق اتفاق شريكي السلام ، حركة التحرير والعدالة، والمؤتمر الوطني في مستوى الولايات والمحليات. ان البناء الهيكلي لتطبيق الوثيقة يبدأ بالاساس من القاعدة الى القمة، او بمعنى ادق ان تبدأ التطبيقات بالمحليات الادارية ثم الولايات وهي اطر ادارية تأثرت كثيرا بالسياسات الخاطئة التي ابتدعتها الاطراف في بدايات النزاع بما في ذلك سياسات انتشار حمل السلاح على نطاق واسع وبدون ضوابط حقيقية. لقد ظل المجتمع المدني لدارفور يشجب ويدين استخدامات السلاح في مراحل النزاع المختلفة بما في ذلك المستويات المحلية، وظل يدعو الاطراف الى وقف اطلاق النار واللجوء الى التفاوض ويدين الاعتداءات والانتهاكات باستخدام السلاح. استطاعت الحكومة الاتحادية مؤخرا ان تقر بخطأ تلك السياسات واخذت تروج لمبدأ جمع السلاح في دارفور خاصة، وهي خطوة وان جاءت متأخرة الا انها خطوة صائبة وضرورية ومرحب بها لا سيما ان شملت كل الاطراف باستكمال الترتيبات الامنية وجمعها من الموالين للمؤتمر الوطني ممن ساهموا في النزاع، كما انه قد آن الاوان لاستكمال العملية السلمية بالتفاوض مع الحركات حاملة السلاح. كانت سياسات الاطراف في نزاع دارفور قبل وثيقة الدوحة قائمة على تدمير الآخر وبكل الوسائل، وقد ألحقت تلك السياسات اضراراً بالغة بالمدنيين وبالبنيات التحتية بما في ذلك حرق القرى ونهب الماشية.. لقد اورثت تلك السياسات وتطبيقاتها شعورا عميقا بعدم الثقة بين الاطراف وهي اكثر العوامل سلبية على العملية السلمية حتى اليوم ويحتاج تجاوزها الى جهود حقيقية. اذكر تماما انه كلما طلب ممثلو المجتمع المدني من اي طرف من الاطراف الدارفورية خارج العملية السلمية الانضمام الى طاولة التفاوض.. كان الرد المعد سلفا: ان ليس هناك قاعدة مشتركة من الثقة بينهم وبين الطرف الحكومي. من ناحية اخرى توسعت دائرة عدم الثقة وشملت المجتمعات المحلية في دارفور، واصبح مواطنوها في اوضاع لا تمكنهم المساهمة والمشاركة في العملية السلمية بثقة واقتدار الدارفوريين التقليدية في تحييد اطراف النزاع. لعل تلك القاعدة العريضة من عدم الثقة جعلت مجتمعات دارفور نفسها في حالات نزاع محتملة في أي وقت، وهذا ما حدث في محلية كتم اذ تصاعدالتوتر وتداعت له اطراف اخرى من خارج الولاية ومن خارج الاقليم كما تثبت قراءة دفاتر تقصي الحقائق المبدئية، وهو تطور مهدد للامن القومي السوداني لما تمثله كتم من قدرة دفاعية على تخوم الصحراء الكبرى. على صعيد تعميق عدم الثقة استحدثت السلطة الولائية محلية بدون حدود جغرافية واطلق عليها محلية الواحة اشارة الى انها تهتم بشؤون الرحل، بيد ان قرار التأسيس قد تم في اطار النزاعات وان القبة التي يقال انها عاصمة المحلية هي لا تعدو ان تكون قبة الفكي صلاح الذي اخذ الجيل اسمه المشهور على امتداد تاريخ دارفور، وكثيرا ما يقال ان بركته ظلت تقضي على الظلمة من المتخاصمين لديه.. وقد ظلت القبة والجيل جزءً من مركز كتم السابق، وجزءً من محلية كتم اليوم. لعل مما يزيد الامر تعقيدا ان قادة الرأي المحليين يؤكدون دون تردد ان الدُمر (جمع دامرة) التي زادت كثيرا في فترة النزاع ليست جميعها ضمن مستوطنات سودانيين، وقد ارتبطت في وجدان المدنيين المحليين بمخالفة القوانين وتدمير الحياة الاجتماعية بقتل رموز مجتمعية كما حدث للناشط في العملية السلمية فيصل آدم محمد نور في منطقة هشابة التابعة لمحلية كتم. مع تعدد ملامح الازمة في محلية كتم وغيرها من المحليات خاصة انتشار السلاح، فانه لا مناص من استخدام نصوص وثيقة الدوحة لتطوير رؤية جديدة لحلها من القاعدة المجتمعية الادارية، ان القاعدة الذهبية في وثيقة الدوحة هي تعظيم دور المحليات في دفع العملية السلمية، فقد ورد في المادة (13) حول الحكومة المحلية، تأكيد صارم ان الاطراف اتفقت على ان الحكم المحلي ضروري من اجل الوفاء بالتزام تحقيق سيادة الشعب والنزول بالسلطة الى القواعد الشعبية، وضمان المشاركة الفاعلة من جانب المواطنين في الحكم، وتعزيز التنمية وجعل ادارة الشؤون العامة ذات مردود اقتصادي أعلى.. كما اتفقت الاطراف في البند (86) من ذات المادة أن كلا من الحكم المحلي والادارة الاهلية قد تضررا جراء النزاع في دارفور، ومن ثم لا مناص من تمكينهما لمعالجة عواقب النزاع، وهكذا ولدعم الحكم المحلي في الفترة الانتقالية اتفقت الاطراف على تمثيل الحركات تمثيلا كافيا على مستوى الحكومة المحلية قبل اجراء الانتخابات، كما تم الاتفاق على تمثيل المرأة تمثيلا مناسبا.. اضافة الى اتخاذ التدابير الملائمة لبناء قدرات الشباب والنساء في محاولة لمساعدة مختلف الفئات. بمرجعية وثيقة الدوحة في المستوى الولائي والمحلي، واذا ما اضطلعت الحكومة الاتحادية بمسئولية تجفيف دارفور من السلاح، وذلك بوسعها ومقدورها في اطار الاتفاق مع حركة التحرير والعدالة، عبر جسم السلطة الاقليمية لدارفور ، فإن المسؤوليات الاخرى انما تقع على عاتق الولايات والمحليات.. خاصة فيما يتعلق بحماية المعسكرات.. ودعم القوات النظامية في تعاونها مع قوات اليوناميد، وفسح المجال لمتابعة الحقوق الانسانية والقانونية للمدنيين خاصة في المعسكرات.. فيما تعمل الولايات والمحليات على معالجة قضايا الرحل من خلال النظم الادارية والقانونية والتشريعات المستحدثة والمتراضى عليها بين كل الاطراف. كما انه اضحى ضروريا تعاون السلطات الولائية مع السلطة الاقليمية والحكومة الاتحادية لتطوير الاتفاقيات مع دول الجوار دبلوماسيا بما يجعل عودة الاجانب الذين شاركوا في نزاعات دارفور المختلفة امرا ممكنا. ان خيار الحلول المحلية الولائية بمرجعية الدوحة، ودعم السلطة الاقليمية والاتحادية لها سيظل خيارا حتميا للسلام القابل للاستدامة في دارفور، ويمثل تجربة متكاملة ومتناسقة ودءوبة بين الاطراف السودانية مما يشجع اصدقاء الوثيقة الاقليميين والدوليين لدعم تطبيقاتها على الارض لوجستيا وتنمويا.. (وكل عام وقراء الصحافة بخير)... [email protected]