٭ في أمسية حزينة سوداء من أماسي أغسطس رحل صلاح عبد الصبور في هدوء وسرعة، ومع دموع قراء شعره ومشاهدي مسرحياته اختلطت همسات هنا وهناك.. ان صلاح قتلته كلمة قالها احد اصدقائه في تلك الامسية اللعينة. ٭ الهمسات كانت ترقد على شيء من الحقيقة فمثل صلاح عبد الصبور تقتله الكلمة فهو لم يكن شاعراً وحسب وإنما كان شاعراً وصاحب فلسفة وصاحب قضية. ٭ كتب في كتابه (حياتي في الشعر) عن فلسفته حين قال سقراط اعرف نفسك تحول مسار الانسانية. إذ سعى هذا الفيلسوف الى تفتيت الذرة الكونية الكبرى المسماة بالانسان الذي يتكون من تناغم احادها ما تسميه بالمجتمع من حركتها ما نطلق عليه اسم التاريخ ومن لحظات نشوتها ما تعرفه بالفن. ٭ ونذر صلاح عبد الصبور نفسه لخدمة هذه الذرة الكونية (الانسان) بهذا الفهم الفلسفي.. وعن لحظات نشوة الانسان ارتاد عوالم جديدة في التعبير وقاد معركة الشعر الحديث نثراً وشعراً.. لعل السبب هو الفكرة والكلمة.. الم يمت سقراط راضياً في سبيل كلمته وفكرته ( ان اساتذتي هم اولئك البشر الذين يسكنون في المدينة.. لا الاشجار ولا الريف.. ويقول صلاح عبد الصبور ان سقراط مهتم اكبر الاهتمام بالاشجار البشرية هذه الاشجار المثمرة عقلاً وعلماً وذكاء وفناً المخضرة حباً وكرهاً ورغبة ورفضاً.. ذات الجذور المتحركة والمتحرقة الى تحقيق ذاتها وتجاوز قدراتها. ٭ خاطرة الاشجار هذه جاءت في مجموعته الشعرية (شجر الليل) التي صدرت في عام 1891 يقول في تأملات ليلة ابحرت وحدي في عيون الناس والافكار والمدن وتهت وحدي في صحاري الوجد والظنون ووقفت وحدي مشرع القبضة مشدود البدن على ارائك السعف. ٭ طارق نصف الليل في فنادق المشردين أو في حوانيت الجنون.. سربت وحدي في شوارع لغاتها سمعتها كما اسمع اصداء خطاى.. ترن في النوافذ العمياء وطرت بين الشمس والسحابة.. ونمت في احضان الكتابة. ٭ اهتم صلاح عبد الصبور بالكلمة وبالانسان والمعرفة والموت وغاص في حياة الفلاسفة والمتصوفة كثيراً واثبت محطات مرحلة الغوص هذه في كتابه (حياتي في الشعر). ٭ وضح كيف بدأ كتابة الشعر وكيف كانت بداياته مع الرمز والسريالية ( وكتبت بضع مقطوعات سريالية وصلت بها بين المحاضرة والمحاضرة الى صديقي القديم فاروق خورشيد الذي كان يتقدمني بصف دراسي.. ثم اصابني اليأس من هذه اللعبة.. فكففت عن الشعر. ٭ وقال انه حاول القصة وعاد للشعر مرة اخرى عام 1591 محاولاً الانعتاق من القافية الموحدة والوزن الموحد وجاءت قصيدة انعتاق: رباه ما هذه الليلة الباردة نجومها آفلة جامدة وريحها معولة شاردة أسير في طريقي قفر من الرفيق ألوك لحن لوعة ممزق العروق ٭ ويقول صلاح عبد الصبور عن قصيدته (انعتاق) كانت صرخة غاضبة بائسة تعبر عن فجيعتي في كل ما ادخرته او املته من زاد ورؤى يتشوق الى افق جديد.. ماهو هذا الافق الجديد.. لست ادري. توقفت المرحلة التي انتجت فيها ديواني الاول (الناس في بلادي) كنت في ذاك الوقت قد تخرجت في الجامعة وعملت واصبت رزقاً من بطاقات المعاشات والمرتبات وبدأت اخبر الحياة بحق وسألت نفسي عندئذ أسئلة كان علىَّ ان اعرف اجابتها أو اكف عن الشعر. أواصل مع تحياتي وشكري