لا شك أن بلادنا تمر بأزمة وطنية شاملة وعلى كل الأصعدة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وقد أهدرت بلادنا وقتاً طويلاً ومهماً، ولم تصل بعد الى الاستقرار المنشود، وتدهورت الاوضاع الاقتصادية ونزلت ضغوطها على فئات الشعب الفقيرة، ويأتي التضارب في القرارات ليزيد الأمر صعوبةً وتعقيداً، فقد أصدر بنك السودان قراراً منع بموجبه الاستيراد بدون تحويل قيمة، وأمهل الموردين حتى الأول من سبتمبر الجاري مهدداً بمصادرة الواردات. وبعد هذا التاريخ عاد بنك السودان ومدد القرار شهراً لتنتهى المهلة في الأول من أكتوبر القادم، وبداية متى أصلاً أباح بنك السودان الاستيراد بدون تحويل القيمة؟ أما وقد فعل فما هي المبررات والأسباب التي أملت القرار؟ وما هي المستجدات التي أوجبت إصدار قرار يلغي ذلك القرار؟ وبعد اجتماعه بشعبة مستوردي الأدوية ووزارة الصناعة التزم البنك بتوفير 50% من موارد النقد الاجنبى، فمن أين وكيف يتم سداد ال 50% المتبقية؟ ووجد هذا القرار انتقادات عديدة من غرفة المستوردين، حيث أنه يؤثر مباشرة على انسياب مدخلات الإنتاج وارتفاع تكلفتها، وحتماً سيحرك السوق الموازى ويرفع سعر الصرف إلى الأعلى، وماذا بشأن السلع الأخرى؟ وإذا كان قطاع الأدوية قد حصل على التزام ب 50% فكيف يكون الحال في القطاعات الأخرى، فوق هذا فإن المصارف لا تستطيع إكمال العملية المصرفية بالدفع للمستفيد حتى عندما يقوم الممول بتوفير النقد الاجنبى من موارده الخاصة لانعدام السقوف الائتمانية لدى البنوك المراسلة، مما يضر ويربك العلاقة بين المستوردين والجهات الخارجية الموردة، ويسيء إلى سمعة البلاد المالية، مما حدا بكثير من البنوك الأوروبية والآسيوية للامتناع عن قبول الاعتمادات الصادرة عن البنوك السودانية، حيث يلجأ الممول السوداني في كثير من الأحيان إلى طرف ثالث لتجاوز هذه المشكلة وبزيادة في التكلفة بالطبع.. وتأتي الأنباء غير السارة حسب الجهاز المركزي للإحصاء بارتفاع التضخم إلى 42.1% لشهر أغسطس «متوسط»، بينما بلغ «جزئياً» 52.9% للسلع الاستهلاكية والخدمات، في ظل تشاؤم الخبراء والمحللين إلى أن التضخم قد تخطى 60%، ويتوقع أن يبلغ 80% لشهر أكتوبر! و أن الأوضاع قد تجاوزت مرحلة القلق إلى وضع لا يمكن التكهن بنتائجه، وفى هذا الوقت بالذات يعلن الأستاذ بدر الدين احمد إبراهيم الناطق باسم حزب المؤتمر الوطني الحاكم انه ليس في حاجة لرسوم عبور النفط !، وأن اتفاق حكومة الجنوب مع اليابان لإنشاء خطوط لنقل بترول الجنوب بعيداً عن الشمال لا يعنيه!، وان الشمال لم يعد بحاجة لرسوم عبور النفط ! فباسم من يتحدث الأستاذ بدر الدين؟ هكذا إذن يكون حديث وزيرة الدولة بالمالية السابقة الأستاذة عابدة المهدي صحيحاً، وهو أن الموازنة الجديدة لعام 2013م ستضع أعباءً إضافية بأثرها التضخمي، بينما زاد الصرف على الأمن والدفاع والأجهزة السيادية بنسبة 12%، بينما أكدت الوزيرة أن المؤسسة السودانية للنفط غير خاضعة للمراجعة كما هو الحال في وحدة تنفيذ السدود، فهي أيضاً لا تخضع للمراجعة، وأن هناك فائضاً مالياً يعادل 50% من دخل وزارة الكهرباء، وتساءلت عن لماذا تباع للمستهلك بنفس الأسعار رغم انخفاض تكلفة الإنتاج بنسبة 54%، حيث انخفض متوسط تكلفة إنتاج الكيلو وات من 0.24 جنيه إلى 0.09 جنيه، ولو أن السيدة الوزيرة السابقة صرحت بهذا وهى على كرسي الوزارة، لكان حديثها أكثر مصداقية وشفافية، وليتها فعلت شيئاً وقررت في هذا الأمر قبل مغادرة الوزارة، وليتها استقالت إذا عجزت عن الفعل وقتها، وعليه فلا ينطبق عليها المثل «أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي»، حيث لا فائدة من الحديث الآن. فهذه المؤسسات والوزارات التي عنتها بالحديث لم تمتثل من قبل لتوجيهات البرلمان وقراراته المتكررة وتأكيده على ولاية وزارة المالية على المال العام، واستعصى الأمر عليهم، حتى بعد توجيه السيد رئيس الجمهورية بتكوين لجنة برئاسة السيد النائب الأول لمنع التجنيب، ولتأكيد ولاية وزارة المالية على المال العام، والحديث الأول خارج الإطار، والحديث الثاني بعد فوات الأوان.