دون الإخلال بموقف الطرفين الحركة الشعبية وحكومة السودان حول ما توصل إليه تقرير خبراء مفوضية أبيي «يعني أن التقرير لم يلغَ بعد» ويتفق الطرفان على أن يلجأ لهيئة تحكيم مهنية متخصصة يتفق عليها الطرفان للفصل في خلافهما حول ما توصل إليه تقرير خبراء مفوضية أبيي. ووصف هيئة التحكيم بالمهنية والتخصص يوضح ضرورة تلافي العيب الذي وقع فيه الخبراء السابقون كما ذكرت سابقاً، فإن التحكيم فقط حول ما توصل إليه الخبراء، أي بمثابة استئناف «لقرار الخبراء». كان هذا ضمن اتفاق خريطة الطريق بتاريخ 8 يونيو 2008م. مذكرة التفاهم الخاصة بتحكيم أبيي اتفق المؤتمر الوطني والحركة الشعبية على القضايا الأساسية المتعلقة باتفاقية التحكيم الخاص بأبيي من خلال مذكرة تفاهم بين الطرفين بتاريخ 21/ 6/ 2008م، وأهم بنود هذه المذكرة ما يلي: 1/ إحالة النزاع لتحكيم نهائي وملزم وفقاً لقوانين المحكمة الدائمة بلاهاي هولندا. 2/ المحكمون خمسة، كل طرف يعين اثنين والخامس يعين بواسطة المحكمين الأربعة بوصفه رئيساً وفقاً للمحكمة الدائمة. 3/ القضايا التي سيتم تحديدها من قبل المحكمة هي: أ/ التقرير في ما إذا كان خبراء مفوضية أبيي تجاوزوا تفويضهم في تحديد ورسم عموديات الدينكا نقوك التسع، والتي تم ترحيلها من بحر الغزال الى كردفان في عام 1905م، وفقاً لبرتوكول أبيي والملحق وقوانين وإجراءات مفوضية حدود أبيي. ب/ إذا قررت المحكمة أن لجنة الخبراء تجاوزت تفويضها فإنها ستعلن ذلك وستشرع في تحرير ورسم خريطة الحدود لعموديات الدينكا في عام 1905م بناءً على الطلبات الرسمية للأطراف. كثير من النزاعات لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تُحل بواسطة القضاء، لأن القضاء يشترط فيها خضوع المتقاضين إلى سلطة واحدة تجبر الطرف المحكوم ضده على قبول الحكم وتنفيذه ولو بالقوة الجبرية. أما النزاعات التي يكون الخصوم فيه أصحاب سيادة لمجموعات، فهذا لا يمكن حلها إلا بواسطة شخص آخر يختاره الاثنان معاً، وهذا ما نسميه النزاع الدولي حسب تعريفات فقهاء القانون الدولي. الحكم الذي يصدره ذلك الشخص الذي يتم اختياره، والإجراءات التي اتبعها تسمى الآن بالتحكيم الدولي والتي نظمها القانون الدولي في حالة حدوث نزاعات. ونحن في السودان أيضاً لنا إرث شعبي في التحكيم يمكن أن يطوّر حتى لا نخرج في حالة النزاعات لخارج السودان، كما حدث في اتفاقيات السلام «نيفاشا، أبوجا، أسمرا وغيرها»، وأخيراً الوصول للمحكمة الدولية الدائمة في نزاع أبيي، الحكمة السودانية تستطيع أن تحل كل المشكلات العالقة وحتى مع دول الجوار. ونأمل أن يجنب الله الناس الفتن ما ظهر منها وما بطن، ولكن سنة الله أيضاً باقية، وكل الوسائل لا تمنع الحروب والصراعات ولكن تقلل منها فقط، والقرآن واضح في ذلك «وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ». مرافعات الحكومة يعتقد السفير الدرديري محمد أحمد أن ما قدموه من مرافعات كفيل بكسبهم للقضية ويعزو ذلك للآتي: 1/ ثقتهم الكاملة في رئيس وأعضاء المحكمة، لأنهم قضاة محترفون ذوو مهنية رفيعة، أما الخبراء فهم يفتقدون للمهنية والتخصص، وهم ليسوا خبراء. 2/ قامت الحركة والمؤتمر الوطني بتعيين قضاة التحكيم، أما الخبراء فلم تتح الفرصة للشريكين لتعيينهم. 3/ الوثائق التي قدمت بواسطة الحكومة تشكل إضافة للوثائق التي قدمت للخبراء بجانب أنها مهمة ودقيقة، إضافة لشهود في مستوى الخبراء. 4/ بعض شهود ووثائق الحركة التي قدمت للمحكمة تعتبر في صالح الحكومة، أما بخصوص تجاوز الخبراء لتفويضهم فترى الحكومة الآتي: 1/ مفهوم تجاوز التفويض وفق المبادئ العامة للقانون والممارسة كالآتي: أ/ الدور الأساسي لموافقة الطرفين، تجاوز الطرفين، وفقدان السلطة القضائية، كأن تتخذ المحكمة قرارات في مواضع لم يقدم لها فيصبح القرار باطلاً. ب/ الفشل في تقديم أسباب تدعم القرار يشكل تجاوزاً للتشكيل. ج/ القرار الذي يتخذ في غياب السلطة ويؤسس على القسمة العادلة ومبادئ العدالة والحسنى يشكل تجاوزاً للتفويض. د/ المخالفة الصريحة لقواعد الإجراءات الأساسية تشكل تجاوزاً للتفويض الممنوح. ه/ كما أن القرار يتشوه ويصبح عُرضة للبطلان في الحالات التالية: «1» الفشل في ذكر الأسباب التي لها علاقة بجزء مهم من القرار. «2» الفشل في احترام ومراعاة الأسس التي تشكل النزاع كما اتفق عليها الأطراف. «3» أي قرار يتخذ وفق مبادئ العدالة والحسنى بدون اتفاق الأطراف على ذلك صراحة أو تجاوز أحكام الإجراءات الأساسية بصورة واضحة. وترى الحكومة أن الخبراء تجاوزوا التفويض الممنوح لهم للآتي: 1/ خالفوا شروط إجرائية في قرار ملزم، وذلك بإجراء مقابلات في غياب أي ممثل لحكومة السودان وبدون إخطار حكومة الجنوب، ثم جمع معلومات وفحصها في حضور طرف له مصلحة دون إخطار الطرف الآخر. 2/ تحصل الخبراء على بيانات من مخبرين ينتمون الى قبيلة دينكا نقوك دون اتباع الإجراءات السليمة وبدون إخطار الطرف الآخر. 3/ بحث الخبراء وحدهم واعتمدوا على البريد الإلكتروني في تفسير المطلوب من اللجنة بدون الإعلان عن ذلك، حيث أشاروا لمنطقة أبيي التي أعيد ترسيمها في سنوات لاحقة. 4/ أقرَّ الخبراء لوحدهم عدم الإفصاح لأي شخص أو مؤسسة عن موضوع قرارهم قبل تقديمه للرئاسة السودانية، مخالفين بذلك مذكرة التفاهم الخاصة بمفوضية ترسيم حدود أبيي. 5/ تراجع الخبراء عن تحديد وترسيم المنطقة التي حولت في عام 1905م بدعوى أن التوثيق في ذلك العام والذي قامت به سلطات الحكم الثنائي الإنجليزي والمصري لم يكن كافياً، وعبروا صراحة عن وصف الحالة الادارية الموجودة في تلك المنطقة في ذلك الزمن بقولهم: في عام 1905م لم تكن هنالك حدود واضحة للمنطقة التي حولت الى كردفان. وخرائط الحكم الثنائي بعد عام 1905م بينت المنطقة المعنية في حقيقة الأمر، حيث وصفت بصورة كافية في المستندات الرسمية. 6/ أجاب الخبراء على سؤال مختلف تماماً عن حقوق قبلية حسب الأعراف في زمن متأخر حوالي عام 1956م، إذن أجاب الخبراء على سؤال لا علاقة له بأية معلومات مفيدة في ما يتعلق بالموقع في عام 1905م. 7/ بعد تحديد التاريخ المتفق عليه بصورة صحيحة لتوضيح المنطقة المحولة «أي عام 1905م» رجع الخبراء الى فترة أقرب من ذلك كثيراً، وإن كانت في تاريخ وسط «في حوالي عام 1956م». 8/ زعموا أنهم تباحثوا مع دينكا نقوك في مسألة توطيد الحقوق القانونية في استخدام الأرض خارج منطقة أبيي، أي شمال خط 10َ ً 22 َ 30 ْ شمالاً، وزعموا أيضاً تحديد حقوق المسيرية التقليدية في الرعي وحركتهم الموسمية إلى الجزء الجنوبي من المنطقة المشتركة، أي المنطقة بين خط عرض 10 ً 10 ْ شمالاً و 10َ ً 22 َ 30 ْ، يحتفظ المسيرية والرحل الآخرون بحقوقهم التقليدية في كل منطقة أبيي بموجب البروتكول دون حصرها في المنطقة شمال خط 10 ً 10 ْ شمالاً. 9/ الخبراء خالفوا معيار التحكيم في ممارسة التحكيم كالآتي: أ/ فشل الخبراء في تقديم أسباب تؤسس لإصدار قرار سارٍ. ب/ قسم الخبراء ما سميت المنطقة المشتركة في كردفان خط طول 10َ ً 22 َ 30 ْباعتباره إجراءً معقولاً وعادلاً. ج/ طبق الخبراء مبادئ قانونية في موضوع حقوق الأرض مأخوذة من المناطق التي كانت تحت الإدارة البريطانية في افريقيا بما في ذلك السودان. د/ زعم الخبراء أنهم قرروا ما قرروا وفق مبادئ العدالة والحسنى، رغم أن ملحق أبيي الفقرة «4» واختصاصات المفوضية «المادة 3 4» أمرت أن على الخبراء أن يتوصلوا الى قرارهم على أساس التحليل العلمي والبحث، وهذا ما لم يحدث. ه/ وضع الخبراء في اعتبارهم مواقع حقول البترول عند تحديدهم المنطقة المخولة، حيث أن مثل هذه الاعتبارات لا صلة لها البتة بمسألة النزاع. «نواصل»