ألقت السلطات القبض على طالبتين من مواطني دولة جنوب السودان تنتسبان إلى إحدى الجامعات الخاصة بالخرطوم وقدمتهما إلى محكمة جنايات الجريفات وأم دوم فحكمت عليهما في 6/9/2012م بالسجن شهرين والإبعاد عن البلاد... وهما الآن بسجن النساء بأمدرمان. إن المادة القانونية التي استند عليها القاضي هي المادة رقم 30 من قانون الجوازات والهجرة... وأنا هنا لا أعترض على نص هذه المادة ولكنني أعتقد أن هناك تشدداً في غير محله لأكثر من اعتبار... فالاعتبار الأول أن الطالبتين لم ترتكبا جرماً آخر غير عدم حمل إقامة نظامية... والاعتبار الثاني هو أن مسألة وضع مواطني كل دولة في الدولة الأخرى ما زال محل تفاوض... والاعتبار الثالث هو أن مواطن دولة جنوب السودان له وضعية خاصة ومن الصعوبة تطبيق قوانين إقامة الأجانب عليه بشكل مباشر لأنه مواطن ولدت دولته بالأمس من رحم هذا الوطن... السودان الكبير... وما زال تائهاً وحائراً بين حماقات الساسة في الدولتين... الاعتبار الرابع هو أننا يجب أن نحبب ونرغب أبناء دولة الجنوب في أن يتعلموا ويتدربوا في السودان لمصلحة الدولتين... الاعتبار الخامس هو أن السودان الآن يزدحم بالأجانب من الأفارقة والعرب الذين يعملون ويتملكون ويتحركون بحرية في المجتمع دون أن يتعرضوا لمثل هذه الأحكام القاسية بالرغم من أنهم لا يحملون حتى وثائق ثبوتية وجوازات سفر ناهيك عن إقامات نظامية... فلماذا هذا التشدد مع مواطني دولة الجنوب؟ إن محكمة جنايات الجريفات كان عليها أن تضع وزناً لكل تلك الاعتبارات وتخفف العقوبة إلى حدها الأدنى... فكان من الممكن مثلاً مخاطبة الجامعة التي تنتسبان إليها وطلب تصحيح أوضاعهن مع أخذ تعهد منهن باستخراج إقامة نظامية خلال فترة زمنية معينة... شهر مثلاً. إن هذه الحادثة التي قد تكون ظاهرياً فردية إلا أنها تعكس تمكن تيار قوي داخل المجتمع والدولة في السودان يعمل على تحويل الانفصال السياسي إلى انفصال وجداني وتمزيق أواصر أخوة عميقة وحميمة بين أبناء شعب واحد تكالبت عليه الأخطاء التراكمية لأبنائه طوال نصف قرن فمزقته تمزيقاً مؤلماً. أوجه نداءً خاصاً للأخوة قادة الدولة الذين يدركون أبعاد ما أقوله ويسعون إلى تحسين وتطوير العلاقات مع دولة الجنوب عبر التفاوض بأديس أبابا... وأطلب منهم التدخل لإطلاق سراح الطالبتين الجامعيتين أميلدا جاشنتو داك وأمل جبريل الشيك وتوجيه الجهات الأمنية والقضائية في البلاد بالتعامل الخاص مع أبناء دولة الجنوب وتسهيل عملية حصولهم على الإقامات النظامية إلى حين الوصول إلى اتفاق بين الدولتين حول أوضاع المواطنين.