ما زالت المفاوضات بأديس أبابا بشأن المنطقتين «جنوب كردفان والنيل الأزرق » تراوح مكانها وفى مرحلة الجلوس «غير المباشر» عبر الآلية الأفريقية الرفيعة ، ومازال كل طرف متمسكا بموقفه متمترسا فى المرحلة الأولى من التفاوض «لا تفاوض ولا اعتراف « وليس هنالك مايشير الى أى تقارب حتى مجرد لزوم التحية والمجاملة بين أبناء المنطقتين بفريقى التفاوض ،فالخطوط متباعدة تماما حتى آخر لقاء تم أمس الاول بين الآلية الافريقية وقطاع الشمال وآخر تم أمس بين الآلية والوفد الحكومى . ولكن دعونا نتعرف على موقف كل من الطرفين؟ فمن خلال التصريحات الاعلامية التى أدلى بها ثلاثى قطاع الشمال «عقار الحلو عرمان» تؤكد تمسكه بتنفيذ القرار الأممى «2046» والذى يتحدث صراحة « ان يقوم السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان- قطاع الشمال بالتعاون الكامل مع الفريق الرفيع المستوى التابع للاتحاد الأفريقي ومع رئيس منظمة الايقاد من اجل التوصل الى تسوية عبر المفاوضات على اساس اطار عمل اتفاق 28 يونيو 2011م حول الشراكة السياسية والتدابير الأمنية والسياسية في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان» ،ولا خلاف بين الطرفين حول جوهر التفاوض استنادا على القرار المذكور ولكن المشكلة تكمن فى الاتفاق الاطارى المشار اليه هنا حيث نص على»الشراكة السياسية بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان والاجراءات السياسية والأمنية في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان ، بما فيها القضايا التي تتناول المسائل الدستورية والقومية فى المنطقتين ، الا أن موضع الخلاف يتضح جليا فى أن الاطارى نص «تأكيد الطرفين على حق الحركة الشعبية «قطاع الشمال» في أن تكون «حزباً سياسياً شرعياً في السودان « فالوفد الحكومى رفض الجلوس المباشر مع قطاع الشمال ويقول مجرد التفاوض مع قطاع الشمال يعنى الاعتراف به واعطائه الشرعية ويقول بأنه ليس حزبا مسجلا وفق قانون الأحزاب السودانية ولذلك طالب الوفد الحكومة «قطاع الشمال» عبر الآلية «فك ارتباطه من تبعية الحركة الشعبية الأم بدولة الجنوب سياسيا وأمنيا ، ويقول ل«الصحافة» محمد مركزو كوكو عضو وفد التفاوض الحكومى فى اتصال هاتفى «مجرد تسمية قطاع الشمال تؤكد بأنه تابع لأصل والأصل هنا الجنوب « . ولكن ماذا يقول ياسر عرمان الأمين العام لقطاع الشمال؟ يدافع عرمان بشدة عن موقف القطاع قائلا «الحركة الشعبية في الشمال هي الأصل في داخل السودان ومسجلة حسب قانون الأحزاب «وزاد اما الحركة في الجنوب لم تسجل بعد في دولة جنوب السودان نظراً لانه ليس لديهم قانون أحزاب مضيفا «نحن لم نطالب المؤتمر الوطني تغيير اسمه، كما لم نطالب الحركة الاسلامية أو الأخوان المسلمين تغيير اسمهم « الا أن دانيال كودى عضو الوفد الحكومى المفاوض يشير فى حديث سابق ل«الصحافة» الى أن دستور الحركة الشعبية لتحرير السودان الموقع عليه فى جوبا فى مايو 2008 يشير الى أن للحركة قطاعين «شمالى « ويشمل 13 ولاية سودانية فى ذلك الوقت ولم تكن المنطقتان من بينهم ،وآخر «جنوبى» ويشمل ولايات الجنوب الحالية بالاضافة الى جنوب كردفان والنيل الأزرق وأبيى ،الا أن الدستور نفسه يقر بأن مقر القطاع الشمالى فى الخرطوم ،والقطاع الجنوبى فى جوبا ، الا أن عرمان تمادى فى نقاطه الخلافية متمسكا بالحل الشامل ومستقبل الجبهة الثورية ويحذر المجتمع الدولي من هجوم الخرطوم الصيفي قائلا «لن نتخلى عن تحالفنا مع الجبهة الثورية بل سنطوره وان الشعب السوداني يحتاج الى هذا التحالف وهو في الاصل تحالف سياسي وليس عسكري» ، وزاد التحالف بين شرق السودان وغرب السودان وشمال السودان وجنوب السودان الجديد والقوى الديمقراطية في الوسط والحركات الجديدة للنساء والشباب يمكن ان يكون «كتلة ديمقراطية حاسمة للفوز في اى انتخابات قادمة» وبناء دولة سودانية جديدة ديمقراطية ، الا أن محللين يقولون ان جوهر الخلاف هو نظرة عرمان وقطاع الشمال لمستقبلهم السياسى فى ظل وجود المؤتمر الوطنى ، وليس لأجل مصلحة أهل المنطقتين ،فيما يقول أهل جنوب كردفان فى آخر تجمع للنخب السياسية ان مشكلة جنوب كردفان أنها أصبحت مسرحا لتسويات السودان السياسية سلما أم حربا! الا أن ورقة الوساطة حددت صراحة أن التسوية فى منبر أديس أبابا حول قضايا المنطقتين وفق مرجعيات القرار الأممى2046 رجوعا للاتفاق الاطارى المشار اليه فى القضايا السياسية والأمنية وتؤكد الآلية بأن الأمنية منها تشمل تكوين لجنة أمنية مشتركة من الطرفين فضلا عن الآلية لمتابعة تنفيذ وقف اطلاق النار باشراك طرف ثالث لم تشر اليه الآلية ولكن يقرأ ضمنا «دولة الجنوب « لارتباط القضية الأمنية ارتباطا وثيقا بها ، أما السياسية منها تتعلق بتكوين لجنة سياسية لوضع الاطار القانونى لقطاع الشمال ،العفو العام ،تكملة ماتبقى من اتفاقية السلام الشامل حول المنطقتين ويعنى ذلك صراحة «الترتيبات الأمنية والمشورة الشعبية». في ما لايزال قطاع الشمال يرفض هذه الخطوة بشدة ويطالب باتفاق جديد على أسس جديدة تلائم تحالفاته الجديدة ،ولازال يثير مسألة المسار الانسانى رغم ما أكدته الآلية الثلاثية نفسها وقد اعترفت صراحة بمسؤوليتها عن تعطيل تنفيذ الاتفاق بسبب الاجراءات ، ويطالبون بالضغط على الحكومة السودانية وايصال المساعدات الانسانية للمحتاجين بالمنطقتين عبر أثيوبيا وجنوب السودان . ولكن دعونا نرى ماذا يقول حاملو السلاح أنفسهم ؟ اتصلت قيادات ميدانية ب«الصحافة» وتقول بأن أى جلوس للتفاوض لابد أن يكون مع المؤتمر الوطنى ويرفضون بشدة دانيال كودى وباكو تالى ومنير شيخ الدين وسراج حامد بصفتهم رؤساء أحزاب من المنطقتين ويقولون بأنهم سبب تعقيد المشكلة ،الا أنهم عادوا متسائلين لماذا لم يشرك المؤتمر الوطنى أحزاب المعارضة السودانية ؟، الا أن سياسيين يقولون ل«الصحافة» ان ذلك يؤكد بجلاء صحة تلك الخلافات وسط قطاع الشمال ،فلا زال الحلو هناك بأمريكا لذات الغرض. ولكن هل من فرصة أخيرة بأديس أبابا ؟ لا شك أن التقدم فى أى فقرة حول المنطقتين مرهون تماما بالتفاوض بين الدولتين رغم ما أحرزته من تقدم مسكوت عنه يأتى التوقيع عليه بالاتفاق حول المسار الأمنى ،الا أن الآلية الأفريقية من جانبها قد كثفت من لقاءاتها مع الوفدين وهيأتهم للقاءات أخرى خلال ماتبقى من الزمن المتسارع والذى يفترض أن تنتهى مهلته فى الثانى والعشرين من الشهر الجارى ،فيما تلتفت الأنظار كلها نحو لقاء القمة بين الرئيسين البشير وسلفاكير لدفع المفاوضات الى الأمام لاكتساب ود مجلس الأمن الدولى لتمديد المفاوضات لفترة أخرى .