هل كتب على مواطني قرية الكرياب بشرق النيل ان يعانوا وطأة الظم مرتين؟ انه ذات السيناريو الذي عايشوه منذ ثلاثينيات القرن الماضي عندما افتقدوا كل الخدمات برغم قربهم المكاني.. وها هو عدد كبير منهم يتجرعون علقم ازالة منازلهم. «الصحافة» التي تلقت الدعوة لزيارة البلدة سارت في شوارع القرية ورصدت عجز البسطاء عن مواجهة علامات الازالة.. وانصتت الى تضرعات الشيخ المسن وقلق الاطفال الحزانى . تقع قرية الكريباب في المنطقة الوسطى لمحلية شرق النيل، وتنعكس عليها ليلا اضواء المناطق الواقعة شمالها وجنوبها، بيد انها حتم عليها ان تقبع في اظلام متعمد.. قبل عدة سنوات استقطعت من ارضها مساحة بطول «60» متراً لتنفيذ شارع القذافي.. وقدمت الارض تضحية وفداءً للدولة، بيد ان وحش السلطات المحلية المتعطش للاراضي طالبها مرة اخرى بتقديم «40» متراً لنفس الشارع لتوسعته.. ولم يطل القرار القرى والمناطق التي تقع قبلها او بعدها، مما يلقي ظلالاً من الشك على ان الهدف من الازالة ليس توسعة شارع الاسفلت وانما لاغراض استثمارية. ويقول المواطن خليل عمر خليل انهم بعد وضع علامات الازالة توجهوا الى نائب الدائرة الطيب النص، إلا انه لم ينصفهم، مشيراً الى ان نائب الدائرة كان قد قدم قسماً مغلظا إبان الانتخابات المنصرمة بعدم زيادة حرم شارع الاسفلت عن ال «60» متراً، واكد خليل انهم ضحوا من قبل بالستين مترا لصالح الطريق، واوضح خليل انهم رفعوا مذكرة الى معتمد شرق النيل لوقف قرار وزارة التخطيط العمراني بازالة تلك المنازل، مشيراً الى رفعهم مذكرة لوزير التخطيط العمراني إلا انه لم يصلهم رد على مذكرتهم، وابان انهم توجهوا الى هيئة رد المظالم التي طالبتهم باحضار قرار الوزارة، إلا ان الوزارة لم تمنحهم القرار لتسليمه لهيئة المظالم. وبكلمات قوية تدل على الرغبة في الدفاع عن الحق يؤكد خليل ان الهدف ليس توسعة الشارع وانما أغراض اخرى، واوضح ان علامات الازالة وضعت امام قريتهم فقط دون كل القرى والمناطق المطلة على الطريق. بينما يقول سكرتير اللجنة الشعبية للقرية عبد الرحمن مبلول حمد انهم فوجئوا قبل اسبوعين بمهندسين يضعون علامات ازالة حمراء اللون على امتداد شارع الزلط بالقرية، مشيراً الى تأثر اكثر من «200» منزل بقرار الإزالة. ووصف سكرتير اللجنة الشعبية أمر الازالة بأنه «أطماع في حق مواطني القرية» مشيراً الى ان اغلب سكان القرية هم من الاميين وليس لهم تمثيل في المجلس التشريعي ليدافع عنهم، مضيفاً: «ليس لدينا احد يدافع عنا»، وأكد مبلول انهم لجأوا الى الجهات المختصة ونائب الدائرة، واشار الى ان نائب الدائرة الطيب النص أقرَّ أمام مدير عام الأراضي بأنه قدم طلباً بزيادة حرم شارع الزلط من «60» متراً الى «100» متر، وكشف مبلول أنهم لجأوا الى القضاء لانصافهم، ورفعوا مذكرات ادارية للوزير المختص، مؤكداً انهم اصحاب حق اصيل ويمتلكون مستندات ووثائق تؤكد ملكيتهم. ويقول المواطن صلاح الدين الحاج ابراهيم إنهم تضرروا من القرار، مشيراً إلى أنهم عندما اشتروا قطع الأراضي هذه قاموا بمراجعتها في الاراضي التي أكدت لهم سلامة موقف قطع الأراضي هذه، مبيناً أنهم على هذا الأساس شيدوا منازلهم، وأكد صلاح الدين أن الهدف من نزع منازلهم ليس توسعة شارع الاسفلت، وإلا كانت صدرت مطالبات للمواطنين القاطنين على طول شارع الأسفلت من تقاطع «13» وحلة كوكو الى سوبا. وبكلمات متقطعة مشوبة بعاطفة جياشة اضاف صلاح الدين قائلاً: «منزلي كل ما أملك.. فكيف اشيد بيتاً من جديد وقد بلغت من العمر عتياً». وتجولنا على طول الطريق الذي يشق القرية الى نصفين، وكانت المسافات الفاصلة بين شارع الاسفلت والمنازل السكنية بعيدة كل البعد عن الشارع، بينما كانت علامات الإزالة تزيل كل المنازل الواقعة على الطريق دون أن تترك متراً واحداً منها. وفي كل مكان كانت علامات الخوف تطل من أعين اطفال القرية عندما ينظرون الى علامات الازالة الحمراء التي كانت في شكل حرف «الإكس» باللغة الانجليزية (X).. ترى من طرد الأحلام من مآقيهم .. وفوق كل ذلك لصالح من؟!