العنوان اعلاه هو لكتاب صدر حديثا لاستاذنا د. بدر الدين الهاشمي ، وهو مجموعة من المقالات المترجمة التى استلها الكاتب المترجم من بطون كتب ومجلات مجهولة ، ولولا جهده العظيم لما سمع عنها احد. الهاشمي كاتب نسيج وحده أثرى الصحافة السودانية بكتابات نادرة وظل على مدى خمس سنوات يزين صفحات «الاحداث» بعلمه الغزير ومقالاته الممتعة. يملك الهاشمي معرفة موسوعية فهو اضافة لانه حامل دكتوراة فى علوم الادوية من جامعة ادنبره يتمتع بموهبة نادرة فى الترجمة السلسة التى نحت منحى تاريخيا. عبد الله علي ابراهيم يطوق عنقى بفضائل كثيرة الا ان معرفتى بدكتور بدر الدين الذى تمت عن طريقه جميل لاينسى.فلقد فتح امامى كنزاً من المعارف. السودان بعيون أجنبية هو الكتاب الثانى الذى يهديه الهاشمي للمكتبة السودانية فلقد نشرنا له على ايام الاحداث« كتاب فى جريدة» من ترجمته عن ثورة اكتوبر للمؤلف «كلايف تومسون» وهو الكتاب الذى يعود الفضل فيه لاستاذنا عبد الله علي ابراهيم الذى دل الهاشمي عليه وعرفنى على كاتبه وابنته التى حضرت احتفالنا بصدور الكتاب الذى يتوقع ان يصدر قريبا عن دار مدارك. صدر كتاب «السودان بعيون أجنبية» عن جزيرة الورد بالقاهرة فى 352 صفحة وقدم له استاذنا وشاعرنا الكبير محمد المكي ابراهيم ومن مثل كتابة ود المكى نثرا وشعرا. قال ود المكي معرفا الكاتب « الهاشمي استاذ جامعى له العديد من الابحاث العلمية الرائدة التى يستشهد بها علماء ثقاة. الى جانب علمه الرفيع اهتم هذا العالم بامرين اثنين هما تاريخ السودان وفن الترجمة، فلقد ظل يغوص فى اعماق الكتب والمراجع عن الجديد من التاريخ والسير المتعلقة بتاريخ السودان وقائما على ترجمتها للعربية لتكون فى متناول ابناء الوطن فى لغة صافية شديدة الوضوح.». صدق ود المكي. اختار الكاتب مقالا نشر بصحيفة الاحداث بقلم استاذنا د. عبد الله حمدنا الله لينشره فى مقدمة الكتاب اضافة لمقدمة اخرى لعبد المنعم خليفة. بلغ اعجاب د.عبد الله بمساهمات الهاشمي مبلغا عظيما واذكر انه كلما تزينت الاحداث باحدى مقالاته، سأل د. عبد الله«لماذا لايكتب الاخرون بمثل ما يفعل الهاشمي». قال دكتور عبدالله فى معرض تعليقه على كتابات د. الهاشمي: «الهاشمي يسير فى اتجاه معاكس لاتجاه اكثر السودانيين الذين هاجروا الى امريكا فاكثر هؤلاء ماخرجوا من السودان ولاعاشوا فى امريكا بل ان البعض يذهب الى ان هؤلاء خرجوا بهمومهم ما استطاعوا ان يسبروا غور الحياة الامريكية وان يفيدونا هنا ما اكتسبوا هناك». احتوى الكتاب على اكثر من ستين عنوانا بين مقالات مترجمة وفصول من كتب ومذكرات وغيرها كلها عن تاريخ جهله المؤرخون.لقد استوقفتنى عناوين كثيرة واستمتعت بقصص وحكايات ممتعة لاغنى عن مطالعتها بالكتاب.على ان ثلاث قصص ساعرضها هنا عبر هذه المقالات لندع القارئ يستمتع بالاخريات حين يصل الكتاب السودان. القصة الاولى تتعلق باسهام الجنود السودانيين فى حرب المكسيك والتى لا ناقة لهم فيها ولا جمل الا انهم ابلوا فيها بلاء حسنا ابهر الفرنسيين. يحكى الكاتب القصة عبر روايات متناثرة وكتب متعددة استغرقت اكثر من اربعين صفحة بالكتاب.« عندما حل الجيش الفرنسى فى الارض المكسيكية وافلح فى ازاحة بنيتو جاريز عن سدة الحكم. كانت مشاركة فرقة مسلمة من حليف افريقى لفرنسا فى حربها بالمكسيك مثار تعجب المراقبين ولما كانت حكومة بينتو تحظى بشعبية فى المكسيك اتضح صعوبة مهمة القوات الفرنسية وخاصة ان منطقة الساحل الكاريبى موبوءة بالحمى الصفراء. شاع عند الاروبيين ان الافارقة اكثر احتمالا لتلك الحمى مما دفع نابليون ليطلب من حاكم مصر محمد سعيد فى 1892 مده بجنود افارقة فارسل اليه كتيبة تتكون من 4 سرايا من الفونج». هكذا وصل السودانيون لارض المكسيك ليحاربوا مع الفرنسيين حربهم. نقل الكتاب شهادات كثيرين عاصروا قتال السودانيين هناك«اثبت الجنود السودانيون كفاءة واقتدارا عظيمين لفتا نظر القادة الفرنسيين مما دعا القائد العام الفرنسى لينتقى من بين الجنود السودانيين فرقة خاصة. اثبت الجنود السودانيون مقدراتهم و نالوا احترام وتقدير رؤسائهم الفرنسيين». كتب عنهم حاكم فيرا كيرز يصف احدى المعارك التى خاضوها« لقد حمل الجنود السودانيون العبء الاكبر فى تلك المعركة وقد توجتهم تلك الموقعة باكاليل من الفخار. لم يبال احد منهم بالنيران الكثيفة التى كان العدو يرميها عليهم من كل صوب. كان عدد افراد العدو يفوقهم بتسعة اضعاف ورغم ذلك فلقد نجحوا فى اجتثاثه.». بالكتاب اكثر من قصة عن شجاعة السودانيين فى تلك الاصقاع . القصة الاخرى هى قصة المواجهة بين غوردون والزبير باشا والتى جاءت فى ثنايا كتاب ألفه شارل ترنس عن غوردون بعنوان« الطريق الى الخرطوم» وصدر عن دار نورتون فى العام 1979 .قال شارل ترنس «عينت الحكومة البريطانية السير ايفلنى بارنج كوسيط للتعامل مع غوردون بخصوص مهمته فى السودان. احضر بارنح لمقر غوردون فى اليوم التالى عددا من الضباط من ذوى الخبرة الطويلة بشئون السودان وكان ضمن هؤلاء رجل سودانى طويل القامة ونحيف الجسم فى نحو الخمسين من عمره يضع على رأسه طربوشا شديد الحمرة .تم تقديم الرجل لغوردون على انه الزبير باشا. انفرد غوردون بالزبير ومد يده لمصافحته بيد ان الزبير رفض مد يده قائلا «لقد وقعت بيدك هذه على اعدام ابنى سليمان فكيف المس يداً تلوثت بدماء فلذة كبدى.قال غوردون للزبير «انت من قتل ابنه لقد كتبت له خطابا بيدك تحثه على التمرد على سلطتنا». فانكر الزبير ذلك وبدأت رحلة البحث عن الخطاب الذى اتضح فى النهاية الا اثر له ولم يحدث ان كتب الزبير ذاك الخطاب». فى اليوم التالى استقبل غوردون الزبير واعتذر له وطلب من السير ايفلنى ان يرافقه للسودان « الزبير اكبر تاجر رقيق فى الارض ولكنه اكثر الناس تأهيلا لقيادة البلاد اليوم. اتمنى ان يأتى معى الزبير الى السودان». نواصل