دخلت قضية «قطاع الشمال»منعرجا آخر بعد أن طلب السودان من مجلس الأمن الدولي أمس «السبت» القيام بإجراء عاجل وقوي يوجه للقطاع للكف فوراً عن أي أعمال عدائية تُعيق تنفيذ اتفاقيات التعاون الموقعة بينه وجنوب السودان أخيراً بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا، وتأتي هذه التطورات اتساقا مع التوجه الذي تبنته المنظمة الأممية في قرارها رقم «2046» بضرورة حسم مسألة فك الارتباط من قبل دولة الجنوب مع الفرقتين التاسعة والعاشرة وضرورة جلوس حكومة السودان للتفاوض السياسي مع قادة قطاع الشمال، فالحكومة السودانية رهنت قضية التفاوض السياسي بفك الارتباط أولا، وتدعيما لموقفها بادرت بتكوين وفد أسمته «أصحاب المصلحة» من ابناء المنطقتين للذهاب إلي اديس ابابا للجلوس مع الوساطة الافريقية المشتركة للتفاوض باسم مناطقهم، يضاف إلى ذلك تنظيم مؤتمر كادقلي التشاوري المزمع عقده غدا الاثنين. بيد ان دولة الجنوب في مبتدأ الجولة التفاوضية الاخيرة لم ترضخ لامر فك الارتباط الا بعد ان تأكدت من ان سيف العقوبات سيطالها لتدفع بورقة الي الآلية الرفيعة للاتحاد الافريقي ممهورة بتوقيع امينها العام اكدت فيها ان دولة الجنوب قد قامت بفك الارتباط سياسيا وعسكريا مع قادة الحركة الشعبية قطاع الشمال وقيادة الجيش الشعبي في الفرقتين التاسعة والعاشرة، وقالت ان ذلك الامر حدث منذ يونيو الماضي، واضافت انه وبعد تأكيد نتيجة الانفصال بصورة رسمية اتخذ قرارا على المستوي السياسي بانفصال الحركة الشعبية قطاع الشمال عن الحركة الشعبية بجنوب السودان ليجلس قادة الجيش الشعبي في الجنوب مع قادة القوات المسلحة في الشمال لمناقشة الدخول في مقترحات حول الترتيبات الامنية مع الحركة الشعبية قطاع الشمال وفقا لاتفاقية السلام الشامل، واكدت انه ومنذ ابريل 2011 حدث فك ارتباط كامل بين الفرقتين التاسعة والعاشرة وقوات الجيش الشعبي بجنوب السودان ومنذ ذلك التاريخ ، وبحسب باقان، لم يعد الجيش الشعبي لقطاع الشمال تحت سيطرة الجيش الشعبي لجنوب السودان او له صله به. غير ان الحكومة وعلى لسان رئيس الوفد الحكومي لمفاوضات المنطقتين « جنوب كردفان ، النيل الازرق» كمال عبيد لم تقتنع بتلك الورقة التي قدمتها حكومة جنوب السودان ليدفع كمال عبيد بورقة اخري تمثل رؤية الحكومة السودانية حول فك الارتباط بين الجيش الشعبي في المنطقتين وبين قيادته في دولة جنوب السودان اكد فيها ان خطاب باقان للآلية الرفيعة للاتحاد الافريقي اشتمل على اعترافات صريحة بدعم فرع حزبهم الحاكم في دولة السودان، وأشار الي ان الإجراءات التي طلبتها حكومة السودان هي فك الارتباط السياسي والعسكري وليس انفصال تنظيمي مدعوم بالأسلحة والعتاد، الامر الذي اعتبره عبيد دليل تبييت النية لعدم فك الارتباط ، واضاف ان ما قدمته الحكومة السودانية من وثائق للإجراءات التي قامت بها لفك الارتباط السياسي والعسكري لكل الجنوبيين الذين كانوا يعملون في اجهزة الدولة السودانية هو النموذج الذي يؤكد لنا فك الارتباط قد تم على الوجه المطلوب، وهو بحسب عبيد الامر الذي تطالب به الحكومة السودانية والتي قال انها لا يمكن ان تقبل باي اجراء غير ذلك، وطالب عبيد ان يترتب على قرارات فك الارتباط الصادرة من الجنوب « ان كانت قد صدرت « ان تشتمل على اعفاء من الخدمة وتسوية الحقوق وان تكون مرفقة بكشوفات تحتوي على اسماء المعنيين وان يحصل كل شخص معني على شهادة بذلك حتي يمكن التعامل معه في مرحلة الترتيبات الامنية ، وحذر عبيد في ختام ورقته انه وفي حال عدم اتمام تلك الاجراءات سيكون السلام مجرد حلم غير قابل للتحقق وسيكون السودان معرضا لخطر لا يمكن التعامل معه بغفلة او حسن نية لا مبرر لها. تلك الاوراق جعلت الطرفين يستمران في التفاوض في الجولة الاخيرة والتي كان على رأسها رئيسا البلدين لاكثر من الفترة المقررة ليصلا في نهاية المطاف الي اتفاق يقضي بفك ارتباط دولة الجنوب مع الفرقتين التاسعة والعاشرة وهو القرار الذي لم يستسيغه قادة قطاع الشمال الذين قالوا ان الاتفاق لم يحل المشكل السوداني بل وهددوا باللجوء الي خيارات اخري وقالوا ان 45 % من المناطق الحدودية تقع تحت سيطرتهم، تلك التهديدات جعلت المراقبين السياسيين يشيرون الي ان قطاع الشمال سيكون «خميرة عكننة « حقيقية في طريق انفاذ برتوكول التعاون الذي وقع بين الجانبين نهاية الشهر الماضي ويرون ان الجلوس معهم وحل المشكل سياسيا امر لابد منه، وهذا ما نبه إليه مندوب السودان الدائم بالأمم المتحدة السفير دفع الله الحاج لدى لقائه رئيس مجلس الأمن لهذا الشهر المندوب الدائم لغواتيمالا عندما حذر من خطورة البيان الذي أصدره قطاع الشمال أخيراً، وقال إن البيان يهدد تنفيذ الاتفاقية الأمنية الموقعة بين السودان وجنوب السودان والاتفاقيات الأخرى التي تمت في أديس أبابا. واشار دفع الله الى انه بعث برسالة الى المجلس طلب فيها أن يتبنى المجلس إجراء عاجلا وقويا في شكل بيان رئاسي أو صحفي يوجه للحركة الشعبية قطاع الشمال للكف فوراً عن أي أعمال عدائية تُعيق تفعيل وترجمة الاتفاقيات، بينما وعد رئيس المجلس بتعميم رسالة المندوب على أعضاء المجلس والتحدث معهم كذلك حول تهديد قطاع الشمال للاتفاقيات التي تم التوصل إليها، وطالب في ذات الوقت كلا من حكومة السودان والقطاع بالجلوس للتفاوض والتوصل لتسوية. ويقدر مراقبون ان حكومة الجنوب ستعمل بكل ما في وسعها الي ابعاد الرفاق السابقين في جنوب كردفان والنيل الأزرق ليتسني لها تنفيذ الاتفاق مع السودان دون أن تواجه ضغوطا، ويقول أستاذ العلوم السياسية د.عبده مختار ل«الصحافة» ان إيقاع عقوبات على قادة قطاع الشمال غير وارد لعدم وجود أي مسوغ قانوني يدعم ذلك، لكنه أشار إلى أن الحل يتمثل في المبادرة السياسية وهذه مسئولية الحكومة السودانية والقطاع من واقع مدي جديتهما في الوصول إلى اتفاق، غير أن عبده يقطع بان قطاع الشمال يحتاج إلى حسم داخلي عبر تبني برلمان السودان لمشروع قانون يحظر عمل القطاع بصورته النهائية. المتابع للأوضاع على الأرض بشأن فك الارتباط يري ان هناك صعوبة وتعقيداً خاصة في الأمر خاصة وأن جنرالات الجيش الشعبي غير راضين عن ترك زملائهم السابقين بلا سند في مواجهة الحكومة السودانية وهذا ما يصعب الأمر على رئيس حكومة جنوب السودان وقادة حزبه في وضع حسابات لأي أمر يتعلق بالجيش الشعبي، سيما وأن أوراق اللعبة السياسية لا تزال تقبع على الارض، لذلك ينظر البعض لخطوات الجنوب تجاه فك الارتباط بأنها صعبة خاصة في ظل هذا التوقيت.