مازالت قضية أبيى بمثابة «شوكة حوت» فى حلق المفاوضات بين السودان ودولة جنوب السودان وإستعصت على كل الحلول وإقتراحات الوسطاء وجهود «الآلية الأفريقية» بقيادة أمبيكى والتى لم تثمر عن مخرج ينال رضا الطرفين، وفى تحول جديد لمسار القضية تنشط هذه الأيام تحركات دولية بقيادة روسيا لتسويق مقترح تقسيم المنطقة بين الشمال والجنوب كأحد الحلول التى أبدت الخرطوم موافقتها عليه بإعتبار انها تؤسس لحل سياسى يصبح مدخلاً للتعايش السلمى بين البلدين، ويجنب المنطقة نتائج الإستفتاء وعدم القبول بها من اى من الطرفين، الا ان جهود روسيا تلك والتي تأتي محاولة منها لإستباق الجلسة الحاسمة لمجلس الأمن بنهاية الشهر الجارى لتسويق المقترح، اصطدمت بتحركات أمريكية مضاده تتبنى مقترح الوساطة الأفريقية كما هو، والذى تسعى حكومة جنوب السودان للإبقاء عليه لتصبح المواجهة رباعية الأطراف «الخرطوموروسيا» من جهة و»جوباوالولاياتالمتحدة»من جهة أخرى. حيث ذكرت مصادر عليمة ل «الصحافة» ان حكومة جنوب السودن تميل نحو إرجاء اية تحركات حالياً بشأن إتفاقيات اديس ابابا لحين البت فيها من قبل برلمانى البلدين من أجل إضفاء الشرعية القانونية على الإتفاقيات، ومن المنتظر ان تتم المصادقه على هذه الاتفاقيات فى برلمان جنوب السودان نهاية الاسبوع الجارى، بينما حدد المجلس الوطنى بالسودان جلسة الاربعاء المقبل اى بعد ثلاثة ايام من تاريخ اليوم لاستعراض تقارير اللجان المختصة حول إتفاقيات اديس ابابا الاخيرة تمهيداً للمصادقة عليها فى ذات اليوم كما هو متوقع. وفى السياق ذاته، ذكرت مصادر ل «الصحافة» من نيويورك ان هناك تحركات دبلوماسية نشطة من قبل روسيا لتسويق مقترح تقسيم منطقة أبيى الذى اقترحته روسيا ووافقت عليه الخرطوم، واكدت ذات المصادر ان الولاياتالمتحدةالأمريكية قامت بتحرك مماثل فى اتجاه معاكس لروسيا، تبنت من خلاله مقترح الوساطة الأفريقية بشأن أبيى والذى رفضته الخرطوم فى مفاوضات اديس ابابا الفائته، وتوقع عدد من المراقبين ان تشهد الايام المقبله تحركا دبلوماسيا محموما بين موسكو وواشنطون فى قضية أبيى كل من منطلقاتها، لاسيما وان مجلس السلم والامن الافريقى من المنتظر ان يبت فى القضية يوم 21 من اكتوبر الجارى. وتجدر الإشارة الى ان مقترح تقسيم منطقة ابيى جاء ضمن ستة مقترحات أخرى دفع بها رئيس الآلية رفيعة المستوى التابعة للاتحاد الافريقي ثامبو امبيكي خلال جولة المفاوضات الأخيرة، وكانت الخرطوم ابدت الموافقه عليه فيما رفضته جوبا التي اكدت ان قيام الإستفتاء هو خيارها الوحيد لحل قضية أبيى الشائكة، وتنطلق رؤية الحكومة السودانية لقبولها لمقترح التقسيم من انه يمثل حلا سياسيا يستند علي رؤية مفادها ان الاستفتاء كيف ما كانت نتائجه سينتهي الي ان تصبح ابيي جزءا من احدي الدولتين ما قد يتسبب في نزاع جديد بين اهل ابيي يمتد اثره الي اشتعال الصراع بين الدولتين بينما التقسيم من شأنه تأسيس صيغة تعايش سلمي سياسي بين مكونات ابيي. ويرى الخبير الدبلوماسى الدكتور عبدالرحمن ابوشامة ان مقترح التقسيم نبع من زيارات المبعوث الروسى مارغلوف المتكرره للسودان وإطلاعه على الملف من قرب واعداد تقارير مفصلهة لحكومته بشأن القضايا العالقة بين الخرطوموجوبا، الا ان ابوشامة فى حديثه ل «الصحافة» عبر الهاتف أمس يقول ان التحركات الحالية هى انعكاس للتنافس الأمريكى الروسى الذى عاد من جديد بعد ان إستيقظت روسيا من سباتها خلال الفترات السابقه وتحركاتها المزدوجة مع الصين فى الملف السورى الذى اعادها الى لاعب رئيس فى الساحة الدولية، واضاف ان روسيا تحاول ايضاً ان تكسب دبلوماسياً من خلال تحركاتها فى ملف أبيى فى سباقها التاريخى مع الولاياتالمتحدةالامريكية ودول الإتحاد الأوربى، وقال ابو شامة ان روسيا تحاول إستعادة دورها السابق والزحف على افريقيا بحسابات إستراتيجية خاصة وان الصين اصبحت لاعباً مهماً فى القارة السمراء. وفى ذات الإتجاه يمضى المحلل السياسى الدكتور حسن الساعورى بقوله» ان قضية أبيى تنحو الى التدويل الكامل بعد ان تحول الصراع من اقليمى الى دولى، ونوه في حديث ل(الصحافة) عبر الهاتف أمس الى ان التحركات الحالية تحاول زج الملف فى اروقة مجلس الأمن الدولى الا انه اشار الى ان مجلس الأمن لن يبت فى الصراع بصورة مباشرة، خاصة فى قضايا النزاعات بين الدول ما دام البلدان فى حالة تفاوض مقرونة بجهود الوساطة الإقليمية، واشار الساعورى الى ان روسيا بتحركاتها الحالية تريد ان تقول لأمريكا بصورة مباشرة انها موجودة فى الساحة ولن تترك افريقيا لواشنطون وحدها، ويضيف «ان جوباوالخرطوم مجرد بيادق فى الصراع الدولى».