لقد تأثر السودان شمال السافنا بالتغيرات المناخية التي دفعت الصحراء جنوبا وبمعدل مطرد فأدى ذلك إلى شح في المياه والكلأ نتيجة لقلة الأمطار، ونتج عن ذلك زحف اهل شمال السافنا إلي جنوبه، فاكتظ جنوب الحزام بالإنسان والحيوان، وزاد التنافس على الموارد الطبيعية من كلأ وماء وأراضٍ زراعية مطيرة. وحزام كهذا لا بد أن يكون محور مآلات الانفصال وهو الآن، ولهذا فلا بد من تدارك الآثار السالبة التي ستقع عليه واستغلال الآثار الإيجابية لجعل جوار دولتي السودان تفاهماً وسلاماً. إن الحالة السودانية الراهنة لا تبشر بالكثير من الخير، فالسودان يواجه المستقبل غير الآمن جراء قيام دولة الجنوب بجانب مشكلة دارفور وفلول حركاتها التي رهنت إرادتها لدولة جنوب السودان الخاضعة للدول الطامعة في الموارد الأفريقية التي تعلو وتنخفض درجة حرارتها حسب المزاج العالمي الأمريكي والأوربي وأجندات الصهيونية العالمية خاصة. وفيه مشكلة ابيي التي تشبه القضية الفلسطينية من الوعدين «وعد بلفورد ووعد دانفورث»، وفيه المناطق المتنازع عليها والمدعاة في جنوب دارفور «منطقة حفرة النحاس» وجنوب كردفان وجنوب النيل الأبيض وشرق القضارف، هذا بالإضافة إلى التمرد الذي تفجر في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وما الاعتداء السافر على منطقة هجليج والميرم ولاحقاً الاعتداء على مصنع اليرموك إلا نتاج لسياسة استهداف السودان. إن المتابع للشأن السوداني لا بد أن يلحظ ويتوقف كثيراً عند النقاش الذي دار حول الاستراتيجية الأمريكية للسودان من قبل الإدارة الأمريكية في 19/10/2009م، وخطاب الرئيس الأمريكي في الأممالمتحدة بتاريخ 23/10/2010م، وخطابه في الاجتماع الوزاري المشترك بتاريخ 24/9/2010م، وتصريحات وزيرة خارجيته حول السودان في ذات الفترة، وتعليقات الصحافة الأمريكية، حيث ورد ضرورة قيام استفتاء الجنوب وأبيي في موعده دون مراعاة للمعطيات الواقعية. وكان هذا الموقف قبل انفصال الجنوب، أما بعده فقد زادت وتيرة التدخل الأمريكي الإسرائيلي على السودان، وزاد انجذابهم لجنوب السودان متجاوزين الأعراف والتقاليد الدولية، حتى عند غزو الجنوب لتراب السودان في هجليج لم تتوان امريكا في دعم الجنوب وإدانة السودان. وهذا الموقف بكل أسف متسق تماماً مع الاستراتيجية الأمريكية للسودان التي تم نقاشها في عام 2009م، واستراتيجية الأمن القومي الأمريكي لعام 2010م، حيث ورد حول إفريقيا في فقرة النظام العالمي وتحت عنوان «بناء التعاون مع مراكز نفوذ القرن الحادي والعشرين» ورد «سنقوي ديمومة الاستقرار في دول مفتاحية مثل نيجيريا وكينيا نظراً لأنها مراكز ربط أساسية»، وفي ما يخص جنوب أفريقيا فقد أوردت الاستراتيجية الأمنية ان «جنوب إفريقيا وما فيها من ديمقراطية فتية إضافة إلى ريادتها الإقليمية والدولية فهي شريك مهم»، أما حول السودان فقد ورد في هذه الاستراتيجية بالفقرة الخاصة بالحفاظ على السلام ومناطق النزاعات المسلحة «أما حول السودان الذي عاش نزاعات عنيفة لأعوام عديدة فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية ملتزمة بالعمل مع المجتمع الدولي «وليس السودان كما هو واضح من الوثيقة» لضمان تنفيذ المتبقي من بنود اتفاقية السلام وضمان قيام استفتاء جنوب السودان في موعده، وضمان احترام نتيجة الاستفتاء، إضافة إلى ذلك ستستمر جهودنا بعد الاستفتاء لضمان السلام والعزة والمحاسبة في دارفور». وإذا ما ربطنا الاستراتيجية الأمنية هذه بالاستراتيجية القومية الأمريكية التي غالبا مصدرها، بجانب المصالح القومية الأمريكية، المصالح والأطماع الإسرائيلية محركة باللوبي الصهيوني نلحظ ما يلي: إن المنظور الأمريكي لأفريقيا قد تبلور خلال فترة حكم كلينتون على الحاجة للمخزون الاستراتيجي للموارد الطبيعية بأفريقيا، وإبعاد الصين من الاستفادة من هذا المخزون، إضافة إلى ضمان ألا تكون أفريقيا ملاذاً للإرهاب. فشرع في تقسيم أفريقيا إلى أربع مناطق نفوذ، أفريقيا شمال الصحراء تركت لأوروبا الغربية، ولعل ما لعبته الدول الأوروبية خلال ثورات الربيع العربي من دور ما هو إلا تجسيد لهذه الاستراتيجية، ونلحظ الآن الاهتمام والنفوذ الاوروبي المتزايد في الشمال الأفريقي والاحتكار التام لعملية إعادة الإعمار لما تم فيه من دمار. أما أفريقيا جنوب الصحراء فقسمت إلى ثلاثة مراكز نفوذ، الجزء الغربي منها يرتكز في نيجيريا والجنوبي في جنوب أفريقيا والشرقي في كينيا. وما يهمنا هنا هو المركز الشرقي الذي يضم منطقة البحيرات بكاملها ليهيمن على مواردها الهائلة من المعادن والموارد الطبيعية، وفوق كل ذلك الهيمنة التامة على منابع النيل ومصادر المياه الرئيسة، وهنا يأتي الدور الإسرائيلي، حيث أن الهيمنة على موارد المياه استراتيجية صهيونية ظلوا يعملون لها منذ أمد بعيد للنيل من مصر والسودان. إن انفصال الجنوب كما هو واضح هو أساس الاستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية لمنطقة مركز النفوذ الشرقي بضم الجنوب المنفصل لمنطقة البحيرات وترك الشمال للنفوذ الصيني. وبكل أسف فإن هذه الاستراتيجية يشوبها الكثير من القصور، فمنذ ان انفصل الجنوب واجهت الدولتين «السودان وجنوب السودان» مشكلات وبؤر توتر اقلها ادت إلى معركة هجليج والحرب بالوكالة في جنوب كردفان. وأخطر هذه المشكلات هي منطقة أبيي التي تقع في صلب حزام التداخل والتي كانت في الماضي مثالاً لحسن التعايش بالتداخل والتمازج، وهي أكثر مناطق السودان قدرة على بلوغ غاية التفاعل المجتمعي. وفي الجنوب ونتيجة لتحكم الحركة الشعبية في مفاصل الحكم وما نتج من سوء وبطش على مواطنيها، تواجه الحركة الشعبية ضغطاً اجتماعياً كبيراً وصل لدرجة التمرد على سلطانها في وقت تجتاح فيه الجنوب مجاعة طاحنة وحروب قبلية زعزعت استقراره. وحتى تواجه الحركة الشعبية الانتفاضات الداخلية والمجاعة والانهيار الإداري، سعت لإلهاء الشارع الجنوبي، أو هكذا اشار لهم مستشاروهم الغربيون بالدخول في حرب مع الشمال لزعزعة استقراره من خلال محورين، الأول استغلال فصيل الحركة الشعبية بالشمال في جنوب كردفان والنيل الازرق، والثاني استغلال الفصائل المارقة من دارفور وبدعم من الجيش الشعبي لزعزعة استقرار السودان، وما دخول هجليج ومنطقة الميرم وجنوب دارفور إلا دليل على ذلك. وعلى الرغم من أن دولة الجنوب هي المعتدية نلاحظ ان مجلس الأمن في القرار رقم «2046» ساوى المعتدي مع المعتدي عليه، بل يتحامل على السودان، وبلغة مبطنة يهيئ المجال لقرارات اخرى غادرة على السودان، إذ وضع هذا القرار جدولاً زمنياً لتضييق الخناق على السودان، حيث اورد ضرورة حسم القضايا العالقة كلها بما فيها أبيي في مدة لا تتجاوز الثلاثة أشهر، وهو قطعاً أمر مستحيل. ليس هذا وحسب، إلا انها ولضمان كسر الإرادة السودانية لم تتورع اسرائيل عن ضرب قلب الخرطوم في مصنع اليرموك. وها نحن الآن وبعد انقضاء مهلة جدول القرار «2046» نوقع على حزمة اتفاقيات بعضها كان من الممكن أن يوقع دون عناء وبعيداً عن قرارات مجلس الأمن، وأخص تحديداً اتفاقية انسياب البترول عبر الأراضي السودانية، إذ ظللنا نصر على الرسم «36» دولاراً للبرميل، وانبرى العديد من الخبراء بالمبررات لهذا الرقم، ووقعت واقعة هجليج التي فقدنا فيها الرجال والمال والعتاد، وها نحن وبعد القرار «2046» نوافق على 10 دولارات للبرميل في المتوسط، وانبرى ذات الخبراء ليبرروا السعر الجديد وكأننا لا نقرأ ولا نكتب وليست لنا عقول. والكل يعلم أن القرار «2046» جاء نتيجة لتوصية الاتحاد الأفريقي بعد موافقته على خريطة الطريق المعدة من قبل لجنة أمبيكي، وقد سبق ان نبهنا إلى خطورة الدور الذي بدأ يلعبه بعض الزعماء في الاتحاد الأفريقي ضد السودان، إما لانصياعهم للمخطط الأمريكي وإمرة اسرائيل، أو لضعف سياستنا الخارجية في مقابل سياسة حكومة الجنوب الخارجية وما تلقاه من دعم ورضاء. لهذا لا بد لنا من وقفة حول ماهية هذا الاتحاد وصلاحياته، وكذا مجلس السلم والأمن الأفريقي الذي اصبح وكأنه سكرتارية لمجلس الأمن الدولي. أدناه لائحة مبادئ الاتحاد الأفريقي التي يعمل بموجبها ويعمل مجلس السلم والأمن الأفريقي وفق المبادئ التالية: 1 الحل السلمي للنزاعات والأزمات. 2 العمل على احتواء مكامن النزاعات لاحتوائها حتى لا تتطور إلى ازمات. 3 احترام حرية وحقوق الإنسان وفق القوانين الدولية. 4 مراعاة التداخل بين التنمية الاقتصادية الاجتماعية وأمن الإنسان والدول. 5 احترام سيادة الدول الأعضاء وحرمة حدودها. 6 عدم تدخل أية دولة من دول الاتحاد في الشؤون الداخلية لدولة اخرى من دول الاتحاد. 7 مبدأ الترابط والمساواة بين الدول الأعضاء. 8 احترام الحدود القائمة عند الاستقلال. 9 حق الاتحاد في التدخل في شؤون احدى الدول الأعضاء بقرار من مجلس الاتحاد في الحالات الخطيرة، مثل جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية حسب لائحة الاتحاد. 10 حق الدول الأعضاء في طلب التدخل لإرساء السلم والأمن حسب لائحة الاتحاد.