لقد تم اختيار الولاة لولايات السودان وهي خمس عشرة ولاية عقب انتخابات عام 2010م، والتي فاز بها جميعها المؤتمر الوطني، وهي مكان تشكك وعدم اعتراف من القوى المعارضة ، بل المعارضة لم تشارك في هذه الانتخابات وانسحبت في اللحظات الأخيرة كحزب الأمة والحزب الشيوعي، أما الأحزاب الكبيرة والتي واصلت السباق لم تفز بولاية واحدة كالاتحادي الديمقراطي والمؤتمر الشعبي، وعلى كل فإن مركز كارتر اعترف بها ومادام جاءت الفتوى من «الأمريكان تاني مافي كلام». ولكن تجارب الليالي والأيام وهز الورق الأصفر ليتساقط من الشجر في وقت اليباس رمى هؤلاء الولاة في مقتل ان لم نقل كلهم فجلهم تهاوى ولم تلزمه إلا ضعف المواطنة والمعارضة وغياب الضمير «الوطني» ،احد الولاة غابوا بسبب الوفاة وهو الأستاذ فتحي خليل والي الشمالية رحمه الله رحمة واسعة. وبعضهم شُقت ولايته بعد فوزه في الانتخابات الأخيرة، كوالي غرب دارفور الأستاذ جعفر عبد الحكم وهو بدوره قدم استقالته طواعية وأصبحت ولايته ولايتين، وكذلك د. عبد الحميد كاشا والذي انفصلت ولايته إلى ولايتين، وبدل أن يتركوه في ولايته الفائز بها، كلفوه بالولاية الصغرى المنشقة فرفض. تم تعيين واليين للولايتين المنفصلتين، أما الولايات الأخرى فعاشت مشاكل بسبب ولاتها، فشمال كردفان ضجت بعض القيادات من واليها، ورد عليها ورماها بالقبلية والجهوية والذاتية، وقال في حوار مع جريدة "الصحافة " الأسبوع الماضي ان القبلية وصلت في حزب المؤتمر الوطني إلى القيادات العليا للحزب، وبعض القيادات في المركز يحرضون القيادات الوسطية في ولايته ضده حسب زعمه، أما في سنار فقد جأر واليها من قياداته التي تخدم تحته بأنها ضده، وقال هؤلاء يحطمون مشاريع التنمية حتى لا تبرز في زمني لأنها تحقق لي النجاح وهذا ما لا يريدونه لي على حسب زعمه، أما مولانا أحمد هارون فأمره عجب، إذ أن الأصوات التي تعارضه خرجت من نطاق ولايته إلى المجلس الوطني حيث ظلت الأصوات في المجلس تطالب بإقالته، وعندما قيل انه منتخب رد أحد أعضاء المجلس الوطني بأن هتلر كان منتخباً وقتل نصف العالم، أما في ولاية الجزيرة فقد طفحت الصحف بأن بعض قيادات المؤتمر الوطني تحرض المواطنين للخروج إلى الشارع وقفل الطرق كما حصل في ولاية سنار بسبب انقطاع الكهرباء والماء، أما الولاية الأم الخرطوم فقد قال واليها لمواطنيه الذين قيل انهم هم الذين فوزوه فقد قال بالصوت العالي «الماقادر على معيشة ولاية الخرطوم فليغادرها» ولا أريد أن أنكأ عليه الجراح وقد قال عن ضربة اليرموك انها ماس كهربائي، وقلل من الخسائر التي وقعت وعندما تكشفت الحقائق في اليوم التالي لم نسمع بلجنة تعويض قد عقدت لتعويض المتضررين ودفع ديات القتلى، أما ولاية نهر النيل فقد أخذت نصيبها الأكبر في وقفة المناصير الشهيرة ولم يستطع الوالي فعل شيء تجاه جماهيره، حتى قامت الدنيا وقعدت وشكلت لجان من المركز سواء أهلية أو رسمية، لم يستطع الوالي حماية مواطنيه. أما القضارف فأمر واليها المنتخب ايضا عجب، علا صراخه ونصب سرادق العزاء لضيق ذات اليد مالياً بقبضة المركز، وحسم أمره بالاستقالة وان لم يستقل فسيكون الأمر أصعب، وهذا ما سأشير إليه في لب الموضوع، أما شمال دارفور فمنذ أزمة سوق المواسير ووصلاً لمشاكل كتم ومليط ومشكلة القرية الأخيرة جنوبالفاشر التي قتل فيها عشرة أشخاص قبل أسبوعين، والاتهام بأن الوالي أنشأ مليشيات من قبيلته ورغم ذلك لا نجد للمركز ساكناً يتحرك، ولا نفساً عالياً يخرج من «جو» الجوف استنكاراً لما يحصل. الآن هذه الولايات جميعها أو جلها تعيش أزمات متلاحقة بسبب ولاتها ونبدأ من غرب دارفور، فقد أطاح المجلس التشريعي للولاية برئيسه الأخ مصطفى محمد اسحق بسبب عدم تفعيله للمؤسسات ومُساءلة الوزراء، وكان رد الأستاذ مصطفى أن الوزراء مكلفون ولم يؤدوا القسم فكيف أحاسبهم، إذن وصلت النار لأطراف بدلة الوالي حيدر جالكوما الأنيقة، لماذا ظل الوزراء مكلفين طيلة المدة السابقة، فالمسؤولية الأساسية هي مسؤولية الوالي، ولا شك أن للوالي مبرراته وسيرميها في المركز، لأن أحد زملائه المكلفين قال ان حكومتي عرضتها على المركز ثلاث مرات ولم يجيزوها لي، السؤال لماذا يعرض هذا الوالي حكومته على المركز أليس الدستور يعطيه الحق في اختيار مسؤوليه، لماذا نحن نُحرر ثم نأتي بالجنزير ونلفه على رقابنا ونغلقه بالضبة والمفتاح. ثم نأتي لولاية جنوب دارفور التي لم يستطع واليها امتطاء صهوة جوادها ويطبق رجليه عليه ويقبض على اللجام، فمنذ أن فارقها واليها السابق لم تجد عافية من مظاهرات تخللتها اغتيالات، إلى نهب مصلح ومسلح، وخطف واختطاف وهلم جرا.. أما ولاية شرق دارفور فقد صرح واليها في مقابلة مع جريدة الصحافة 2012/11/16م العدد (6928) بأنه لم يستطع مقابلة حتى مدير الطيران المدني، ما هو موقف مدير الطيران المدني وما هو موقف رؤسائه منه في هذه الحادثه وقال ان الحكومة كأم التيمان لا ترضع إلا الذي يصيح، أما النائم فلا سبيل له في الرضاع. طبعاً يايها السيد الوالي النايم نايم ونصيبه عايم، وحتى الصياح لو ينفع لنفع والي القضارف المستقيل، إذن الأمر ليس موضوع نوم أو صحيان الأمر أكبر من ذلك. فلنبحث عنه. تحدثنا في صدر المقال عن الولاة في جنوب كردفان والقضارف وسنار والجزيرة وغيرهم، ولذلك أمر الولاة أمر حساس لأنه يتعلق بالمواطن مباشرة، كالطبيب والمريض، إن لم تكن للطبيب خبرة ومن بعد الأدوات اللازمة فسيترنح المريض ثم إلى الاحتضار وأخيراً الي الوفاة، فمشكلة الولاة الحقيقية هي الانتخابات الحقيقية لأن المواطن إذا انتخب الوالي حقيقة فسوف يتحمل مسؤوليته لأنه هو الذي جاء به وهذا غير متوفر في الولاية البتة ودونكم واقع الململة. الأمر الثاني لم تكن هناك فدرالية حقيقية من حيث الصلاحية والركائز المالية المتفق عليها، حتى لا يحتاج الوالي للجأر بها كما صرخ من قبل كرم الله والي القضارف وعبد الحميد كاشا في جنوب دارفور، لا يحتاج الأمر لقضية أم التوأمين، فأم التوأمين سترضع الذي صرخ من ضرعه ولا تعطيه أبداً ضرع طفلها الهاديء النائم، وإلا مات من الجوع هل سمعتم بأم توأمين مات أحد أبنائها بسبب ظلم أمه له بسبب نومه؟. المشكلة الثالثة التي تجابه الولاة هي تقليص سلطاتهم من حيث ضبط الوضع العام للولاية، لاسيما الولايات التي تعيش مشاكل أمنية كجنوب كردفان وجنوب دارفور وشرق دارفور ووسط وغرب دارفور وشمال دارفور وأحياناً شمال كردفان، هؤلاء الولاة ليست لهم سلطات نهائياً على الوحدات العسكرية الموجودة في أراضي ولاياتهم، ولا سيطرة لهم على الأمن ما عدا الشرطة وهي محدودة جداً، فكيف يستطيع والي أن يسيطر على الوضع الأمني في ولايته وليست له سيطرة على هذه الأجهزة، كما أن بعض الولاة يعيش في وهم like & dislike وهذا وهم قاتل بعضهم استسلم له تماماً ولذلك تجد بعضهم يردد أن وزير المالية ما بحبني وهنا تحضرني مرافعة الرجل الذي قتل زيد بن الخطاب شقيق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فقد قال له عمر ذات يوم أنا لا أحبك لأنك قتلت أخي زيد فقال له الرجل أيمنعني ذلك حقي في الاسلام ، فقال عمر لا، فقال الرجل إنما تأسى على الحب النساء. هل يعقل ان وزير المالية فقط لعدم الحب يمنع واليا من حزبه من حقه في خزينة الدولة؟! أعتقد ان الأمر هو لا موارد تصرف للولايات، والموارد مع قلتها غير مرشدة فيذهب بعضها أو معظمها إلى المؤسسات العسكرية والأمنية والبعض الآخر مُجنب لا تستطيع يد وزير المالية الاقتراب منه، والبعض الآخر غير مرشد من حيث الصرف فتتدخل فيه الأيادي «الطويلة» ، والبعض الآخر بعد أن وضع في الميزانية لمشروع معين ويعلم الوالي ان هذا المبلغ لمشروع المطار أو شارع الأسفلت أو المستشفى ثم تتدخل الأيادي (إياها) لتحوله إلى مشروع آخر نبت شيطاني لمآرب. هذه هي حالة الولايات ووجع الولاة ما السبيل؟ المشكلة ان الوالي يده مغلولة مادياً وسلطوياً وهذا ينعكس على المواطن، والمشكلة الثانية بعد كل هذا الورم الذي سببه الوالي لمواطنيه أن رئاسة الجمهورية يدها مغلولة في اعفائه وهذه مشكلة كبيرة إذا رئيس الجمهورية لن يستطيع خلع واليه فكيف يكون الانسجام في الدولة، إذن أصبح هذا الوالي بُعبعا إلى أن تنتهي فترة الولاية في العام 2014م أو يجعل الله أمراً كان مفعولاً. فلنأخذ مثالا لوالي القضارف السابق، هذا الرجل بعد الذي قاله والذي فعل والذي صدح به لم يستطع رئيس الجمهورية اقالته، لم يبق لرئاسة الجمهورية إلا تطبيق اللائحة العادية لأية جمعية خيرية وهي اقالة العضو بسبب الجنون وكان يمكن أن يطبق على والي القضارف إذا لم يفهمها ويقدم استقالته. إن الأمر في غاية الأهمية لأكثر من ستين في المائة من الولايات، اما بسبب الوفاة، أو بسبب انشطار ولايات وتعيين ولاة جدد انتهت مده تكليفهم أو بسبب كوارث ارتكبها الولاة في تبادل اتهامات مع المركز فلابد لرئيس الجمهورية بتوصية قوية من وزارة الحكم اللامركزي بتوفيق أوضاع الولايات حتى لا يعيش المواطنون مزيدا من الأضرار ومزيدا من الابتلاءات والبلاءات، ويأيها المسؤولون والله العظيم فإن مظالم المساكين في عراء السودان في رقابكم وتسألون عنها . وتذكروا الآية الكريمة (لقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون) صدق الله العظيم سورة الأنعام الآية 94