مخرج شاب تميز عن شباب جيله بخياله الواسع وتفكيره المختلف وقدرته علي مناقشة القضايا الاكثر مساساً بأوضاع المجتمع ، اختار ان يطلق لخياله العنان وان يترك افكاره تفرض نفسها في عالم الواقع ، شعر بمعاناة من حوله لذا قرر ان يعبر عنها بحرية كاملة وبمنتهي المصداقية ، وكأي شاب يرغب في تحقيق احلامه وطموحاته التي تتمثل في صناعة سينما سودانية حقيقية تعبر عن واقعنا وتهدف في النهاية الي خدمة المجتمع ، انه المخرج السينمائي الشاب إبراهيم مرسال مخرج فيلم ( خمسين ) الذي لقى إشادة واسعة وكبيرة ، ويري فيه البعض بوضوح حسه الفني المتميز وشخصيته السينمائية الواعدة و المبشرة ، الى تفاصيل الحوار . إبراهيم مرسال في لقطات ؟ يمكن اختصاري في ثلاث لقطات طويلة ، لقطة ولادتي بمملكة النرويج ، لقطة قرار والدي الهجرة الى السودان والاستقرار بها ، ولقطة ممتدة من 12 سنة هي مدة إقامتي بالسودان حتى هذه اللحظة. لكُلّ عشقٍ إبداعي لحظةُ شغفٍ أولى، هل باستطاعتك تذكّر فترة شغفك الأوّل الذي دفعك للتشبّث بالسينما ؟ الغريب إنني اذكر جيدا أول فلم سينمائي أشاهده بصالة سينما، كان فلماً كرتونياً يحكى قصة سيدنا موسى عليه السلام ، حيث ذهبنا في رحلة مدرسية لمشاهدته ، كنت في الثامنة تقريباً ، واذكر جيداً أنني استغربت من كمية الاختلاف بين القصة كما شاهدتها في الفلم و قصة النبي موسى كما اعرفها من والدي، مع كمية انبهار بالتجربة لا بأس بها طبعاً، اعتقد أنني عرفت ضمنياً أهمية السينما يومها و بالطبع كانت تلك هي بداية شغفي العميق بالسينما. من مدرجات كلية هندسة النفط الى فضاء الفن السابع؟ بصراحة تامة فإن سبب دخولي لهندسة النفط كان (ونسه) مع أصدقائي في الصف الثالث ثانوي ، احدهم اخبرنا عن قريبه الذي يسبح في المال والامتيازات لانه مهندس نفط ، مع عدم وجود ارشاد تربوي في المدارس السودانية و (هستيريا) الأسر بكليتي الطب والهندسة ، قررت أن أصبح مهندس نفط ، طبعاً راحت السكرة بنهاية السنة الاولى في الجامعة و تبقت حقيقتان : انا لا انفع كمهندس ، انا لا طريق لي سوى طريق السينما. مارست الإخراج قبل أن تدرسه ؟ هناك مقولة جميلة للمخرج العالمي (كوينتن تارانتينو) على سؤال مشابه لسؤالك ، جوابه كان : (انا لم اذهب لمدرسة سينما ، انا ذهبت للسينما ) ، مارست الاخراج (بمحاولات بسيطه في الجامعة) متسلحا برصيد هائل من الافلام التي ادمن مشاهدتها مع عملية تعليم ذاتي مكثف اقوم به بمساعدة البروفسير (جوجل )توجتها بمشاركتي في ورشة (صنعت فلمي الاول) التي اقامها معهد (جوته) و ذراعه السينمائية (سودان فلم فاكتوري). حدثنا عن مشاركتك في ورشة صنعت فلمي الاول ؟ بلا شك واحدة من اجمل وافضل التجارب في حياتي ، دخلت الورشة محباً للسينما و خرجت منها بعد اسابيع مخرجاً سينمائياً احمل في رصيدي فلماً قصيراً هو (خمسين) ، الكلمات لا تكفي لوصف هذه الورشة . (خمسين) ماذا يمكن أن تخبرنا عنه ؟ الفلم يتابع يوماً في حياة (خمسين قرش) ، حاولت فيه ان اربط بين شخصيات مختلفة من مجتمعنا ، وان احكي القصة من وجهة نظر العملة ، نجاحي في هذا متروك للمشاهد طبعاً. ابراهيم مرسال وتجربة تيد اكس شباب الخرطوم 2012 ؟ هي المره الرابعة لي كمتطوع في فريق التنظيم لمؤتمرات (تيد سودان) في الخرطوم ، في تيداكس شباب الخرطوم 2012 كنت مسؤولاً عن فريق انتاج الافلام ، ونجحنا في عمل ثلاثة (افلام) قصيرة ، الاول عن المؤتمر والبقية في اطار الربط بين مؤتمرنا و نظيريه في جزيرة (هاييتي) و مدينة (سان دييغو) الامريكية عن طريق افلام تحية و رسائل تعاون بين المنظمين في هذه الاقطار المختلفة. كيف كان شعورك حينما عُرضت أفلامك الوثائقية في جزيرة هايتي و مدينة سان دييغو؟ في الواقع تم عرض فلمين مختلفين لي بالتزامن في كل من جزيرة (هاييتي) بالكاريبي و مدينة (سان دييغو) بولاية كاليفورنيا الامريكية ، شعور رائع ان تقوم بشئ في السودان يعبر عنه و يشاهده جمهور لا تدري عنه شيئا في ابعد مكان ممكن منك ، وهو انجاز لم يكن ليتحقق لولا مؤتمر تيداكس وفريق الانتاج الذي تكون مني انا و زميلي المونتيير (حمزه الامين. ) ما الذي يلهمك باعتبارك مخرجا؟ وماذا تريد تقديمه في أفلامك؟ تلهمني القصص اليومية التي اسمعها من افواه من اقابلهم ، احب الاستماع للناس ، (الشمارات) اليومية التي اسمعها تكفي لتكون نواة لعمل دستة افلام شهرياً ، اما ما اتمنى تقديمه فهو افلام يخرج منها المشاهد وهو لا يلعن الزمن الذي قضاه في المشاهدة ، لست من محبي التعمق وفلسفة الاشياء ، ان يخرج المشاهد شاعراً بالرضى مما شاهده هو غاية ما ابتغيه. هل لديك وسائل معينة لإستفزاز الطاقات الكامنة لدى ممثليك؟ الممثل جزء من فريق العمل ، تعودت من فترة طويلة أن أشرك من اعمل معه في ما اصنع ، أسلوب توجيه الأوامر لا يعجبني إطلاقا ، أفضل ان يشارك كل شخص في الفريق برأيه وابداعه في مجاله ، هكذا اضمن ان العمل الذي أقوم به هو تكامل عقول بدل ان يكون مجموعة أوامر وتوجيهات أصدرتها ، في رأيي فإن المخرج الجيد هو مستمع جيد يعرف متى يأخذ بالرأي و متى يتركه إلى ما هو أفضل منه . ما هو حدود الجهد الذي تبذله من أجل استدراج الممثل إلى فضاءاتك المتخيلة؟ نقل رؤيتك و فكرتك الى فريق العمل هي أصعب ما في الإخراج ، لهذا أحاول دائما ان اعمل مع ناس يتمتعون بالخيال الواسع ، نجاح الفلم في رأي يعتمد على مدى نجاح المخرج في ان يكون كل فريق العمل على نفس الموجة معه. عندما تشاهد فيلماً لأحد أقرانك السينمائيين ، ما الذي يلفت انتباهك أولاً؟ هل تشدّك اللمسات الإخراجية؟ أم أداء الممثلين؟ أم فكرة الفيلم؟ أم ماذا؟ اعترف بأنني اغار كثيراً عندما اشاهد عملاً جميلاً ، ان سؤال ( انا ليه ما فكرتا في دي) سؤال دائم الورود على بالي ، كمخرج فإنني اركز على اسلوب نقل الفكرة ، ونجاح المخرج في ذلك كمعيار لقياس جودة الفلم. كيف تتعامل مع فكرتي البداية والنهاية وما ينجم عنهما من التأثير في ذهنية المتلقي؟ البداية والنهاية هي اهم ما في الفلم في رأيي ، البداية الجيده تجعلك تمتلك المشاهد ، والنهاية الرائعة تجعله يغفر لك كمية المصائب والاخطاء التي ارتكبتها اثناء الفلم. الإبداع الفنّي يتطلّب التضحيات، يمتصّ روح الإنسان في الوقت الذي يجد فيه الإنسان الموهوب نفسه مُضطرًا في فترات كثيرة لأن يدوس على أعصابه ، هل تجد أنّك استطعت تجاوز هذا الصّراع بطريقةٍ ما ؟ هناك مقولة جميلة مفادها : (افضل ان اموت مرهقاً من ان اموت بسبب الملل) ، هذه المقولة مع حقيقة انني اعشق عمل الافلام تجعلني اتغاضى عن اي ارهاق او صعوبات تواجهني اثناء العمل ، لا ابالغ لو قلت ان الاخراج هو اصعب عمل يمكن ان يقوم به انسان ، حبي و اقتناعي بما افعل هما اكبر دافع لي. ما الصعوبات التي تواجهك كمخرج جديد على الساحة ؟ اثبات الذات ، المخرج يعرف بأفلامه و ابراهيم مرسال لا شئ حتى يثبت العكس ، واعتقد ان هذا هو مربط الفرس لاي مستجد في الساحة (ايا كانت الساحة) ، ان يثبت تفرده و تميزه واستحقاقه لما يتطلع اليه. لكل انسان احلامه التي يسعي الي تحقيقها ، فما هي احلامك؟ انا انسان حالم بطبعي ، ككل مخرج اتمنى ان افوز بعشرة جوائز (اوسكار) و تنصب لي التماثيل في كل ركن ، لكني بواقعية على المدى القريب اسعى ان يكون اسمي على الفلم السوداني الذي سيمثل السودان في مهرجان سينمائي عالمي (مهرجان كان تحديدا) ، نحن نتملك المواهب والمواقع و رؤوس الاموال لكن للاسف ينقصنا الايمان بأننا نستطيع الوصول الى اي مكان نريده سينمائياً . هل تفكر في دراسة الاخراج السينمائي مستقبلاً ؟ لا ادري صراحة ، اؤمن بأن الانسان يتعلم بفعل الشئ اكثر من دراسته ، خصوصاً في المجالات الفنية ، لكني لو وجدت فرصة ورأيت انها ستضيف لي فإنني لن امانع بالتأكيد. بعيدا عن مجال السينما ، ما هي هوايات ابراهيم مرسال الاخري ؟ ككل كائن بشري يحترم نفسه احب القراءة و الكتابة ، الا ان الهواية الاقرب لي هي (الاستماع) ، استمتع بأن اجلس في وسط جمع يجيد الحديث و استمع لما يقولونه ، انا الانسان الوحيد على حد علمي الذي يستمتع بال(بري) . ما هو جديدك ؟ حالياً اشارك في ورشة تقيمها المخرجة العالمية (تينا غرافي) باستضافة كريمة من المركز الثقافي البريطاني موضوعها (صناعة الافلام السينمائية بأقل التكاليف) ، كما أستعد مع مجموعة من الشباب لانتاج برنامج تلفزيوني شبابي نستعمل فيه الاساليب السينمائية لمناقشة قضايا الشباب خصوصاً والمجتمع عموماً، مع كمية اشياء اخرى اقتل بها نفسي ارهاقاً كالعادة .