ما بال الرجل نوليه على ما ولانا الله - فيقول هذا لكم وهذا اهدي لي، افلا جلس في بيت ابيه وامه ونظر أيهدى اليه ام لا؟!! (حديث شريف).. (1) ظل (المراجع العام) يسجل بين عام وآخر موقفا مهنيا عاليا ، بتقديمه (للسلطة التشريعية) تقريرا يقوم على الحقائق كما هي ، دون محاولة للتدخل بالتبريرات والتي ظلت سمة يتداولها (اعضاء المجلس).. بنفس بارد وعبارات جامدة واجراءات بطيئة و(انتهاك المال العام) سواء ان كان مؤسسيا او ماليا او اداريا، يعبر في النهاية عن سوء خلق لا مثيل له ، ويؤدي على المدى الطويل الى نتائج خطيرة لا تحمد عقباها سواء على المستوى السياسي او الاقتصادي او الاجتماعي، فثمة زلزلات لا حد لها يتناولها الشاعر العام وفي رأي حاد ونكات ساخرة، ولم تخل الصحف من دراسات جادة وكاركاتيرات ناقدة ، ولم تزد ردود افعال تقارير المراجع العام في كثير من الاحوال عن الاشادات والتقريرية ، ولكنها لم تثر ما كان يلزم من تداعيات تعلقت سواء بالاجهزة التي تمارس ذات النشاط بطريقة او اجراءات ا خرى او ما يتعلق بتطوير جهاز المراجع العام والاجهزة التي تماثله بما يخلق منه اداء فعالا وكفؤا .. ان كثيرا من اللجان الرفيعة قد كونت لمناقشة ظاهرة الفساد ورفعت تقاريرها دون ان تطل نتائجها برأسها وتساءل الكثيرون من الحادبين على سيادة حكم القانون، وجوهر الشريعة عن مصير لجان التقصي والتحقيق وما تداولته المجالس من قتل وتمويه لما توصلت له تلك اللجان من نتائج.. ويبدو لي ان المراجع العام قد نطق خطأ في ذلة لسانه امام البرلمان حين انهى تقريره .. بلا حول ولا قوة الا بالله الا انه استدرك يقول والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته والاولى اصدق واحرى ان تثبت وان تقال .. ان استمرار الفساد كغول لا يشبع ، كما تبلوره ظاهرة انتهاك المال العام جعل من الفساد عادة ، لا تثير في المرء غير مجرد الاشمئزاز .. وهذا اليقين في لا مبالاة غريبة وهي درجة خطيرة من درجات الاستخفاف والاخفاق.. (2) تبدو بارقة امل في ما حمل التقرير من اشارات وهي الاعلان عن تشكيل لجنة عليا برئاسة الاستاذ علي عثمان محمد طه النائب الاول لملاحقة الاعتداءات ولكن ما جاء في جوهر التقرير من تغول ظاهر وغير ظاهر.. يدمغ كل الاجهزة الاخرى، المعنية بمحاربة الفساد او على الاقل تطويقه . بالفشل الذريع في اداء دورها ، مما يجعلها عبئا غير مستساغ ضمن منظومة الدولة في تحقيق الشفافية.. وقد رددت التقارير الصحفية التي تعرضت للتقرير لهجة الاستاذ احمد ابراهيم الصارمة عن تنفيذ توصيات المراجع العام وملاحقة الوزراء كل في موقعه.. الخ ويبادل المراجع العام البرلمان الثقة في توصيل محتويات التقرير لمن لا يسمع في الجهاز التنفيذي وهم كثر..!! تمثلت متورطات تقارير المراجع العام، للاعتماد العرفي: عدم الافصاح عن الهدف، شراء مباشر دون تعاقدات ، وادخال بند في آخر، وتساءل السيد المراجع العام هل تم ايراد المبالغ كما هي ، مع تحديد هذه الولايات.. فتقارير المراجع لا يلزم ان تعمم.. ٭ في موازنة 2011 وعلى الرغم من بشارات طيبة من الايرادات زيادة نسبة 16% من ربط الموازنة.. الا ان الاهم هل ثمة علاقة بين هذا الرقم ، وما اتخذ من تدابير التقشف، ثم ما هو مدى صحة او دقة اجراءات التقشف واثر ذلك على حركة التداول المالي..؟!! والخدمات الاساسية للمواطنين..؟!!! اهي خصم على هؤلاء لحساب شرائح اخرى ، سواء بصورة مباشرة او غير مباشرة...؟!!! جاء في التقرير ان الاعفاءات الجمركية قد بلغت 913 مليون ولاحظت المراجعة الى متى تلاحظ المراجعة ولا تخطو الى العمل.. ان رصيد الاعفاءات لدى ادارة الاعفاءات غير مطابقة لرصيد التسويات وقد عزت الامر الى عدم التنسيق بين قسم الاعفاءات والمحطات الجمركية داخل ولاية الخرطوم والمحطات الولائية.. والسؤال الذي يتداعى الى الذهن.. هو اذا تكررت هذه الظاهرة في التقارير السابقة فما هو السبب الفعلي وراء عدم التنسيق المستمر.. ان (استمرار عدم التنسيق).. يمثل في الواقع مصطلحا غير ما ذهب اليه المراجع العام.. ٭ في ذات الشأن قدم التقرير توصية ... تنبيء عن خطورة موقف تزداد يوميا بعد يوم ، وهي اعادة النظر في القوانين والاتفاقيات الخاصة باعفاءات المنظمات الخيرية..! البالغة 587 منظمة... واضاف والافصاح عن آثارها الاقتصادية والسؤال . العفوي والمشروع - ما هي طبيعة تلك المنظمات الفعلية..؟! وما هو عائد دخولها.. وما هو مصيرها الحقيقي.. افراد ام مؤسسات وقبل ذلك ما هو عملها الخيري.. في حساب المجتمع وافراده...! ٭ان كثيراً من عائدات مرافق المال العام لم تظهر بالحساب الختامي وان ظهرت بحسابات الامانات وهي ممارسة خاطئة او بالاصح تشكل جريمة مالية..! - ما هي الخطوة ا للازمة والمباشرة ، وفي ذات السياق اورد التقرير ان ايرادات رسوم التخلص من الفائض حققت نسبة 300% من الربط المجاز في عام 2011 وعزا ذلك الى فرض رسوم اضافية لم تجد المراجعة السند القانوني لها ، فما هو التكيف القانون لذلك ان لم تكن - وفي وضوح - التزوير .. ومن القرائن ان يوصي التقرير بمجرد اعادة الايرادات المتحصلة الى وزارة المالية... كم هي وكيف يتم حسابها .. ولماذا يتجاوز المراجع العام الوصف القانوني الدقيق لما حدث..؟! لا ينكر الا مكابر الانجاز النوعي في الصرف على السدود.. كسد مروي وتعلية خزان الروصيرص لكن تعبير المراجع العام الذي ورد في التقرير عن ظهور تجاوز في الصرف على هذين المشروعين.. ربما لا يكفي .. نحن امام جرد حساب. لا تكفي فيه التعميمات.. لابد من وضوح ودقة في شفافية منظمة .. ٭ كيف لم تظهر مديونيات باسم وزارة المالية في بنك السودان المركزي .. جملتها 5.9 مليار...؟!!! - مظاهر تشير الى ان امكانيات خلل وتزييف كبير في مستندات التنمية، فما هي الممارسات الفعلية .. وما هو حجمها بالجنيه.. اذ يورد التقرير .. وفي شأن سندات التنمية اظهر المراجع ممارسات تشكل ضعفا في نظم الرقابة الداخلية ويهيء بيئة مواتية للممارسات غير السليمة والمنحرفة واوصى المراجع باثبات قيم كل السندات المستحقة وعدم سداد السندات المثبتة كاستحقاق واجب الدفع الا بعد ان تقدم للفحص وارفاق شهادات انجاز بما يفيد اكمال كل المشاريع المتعاقد عليها وفق المواصفات المطلوبة.. قبل الشروع في السداد والقيام بزيارات ميدانية للتحقيق من قيام المشاريع .. - اشارات اكثر من خطيرة وتمثل جريمة مكتملة الاركان فيما تتعلق بالادانات والقروض - فأقرأ معي وتأمل واستخلص: (3) (بلغ اجمالي السحب على القروض والمنح الاجنبية مبلغ 3.7 مليارا نهاية 2011 ولاحظ المراجع ما يلي: - لم يتم تسجيل عدد كبير من طلبات ا لسحب بدفتر الحسابات...! - عدم تطابق بيانات ادارة القروض مع الحسابات المركزية..!!! - اختلاف الارصدة الافتتاحية بين دفتر الحسابات والميزانية المراجعة..! - وجود عدد من المشاريع التي ظلت ترحل ارصدتها منذ عام 2009 ولم يتم السحب فيها ..! - منحة وزارة التعاون الدولي البالغة 721 مليون - غير معروف حجم المنحة والجهات التي منحتها وأوجه صرفها.. !! - عدم اثبات منحتي دولتي قطر والجزائر بحساب ادارة التعاون الدولي وان ظهرت بالحساب الختامي لوزارة المالية ولم تجد المراجعة ما يفيد بأوجه صرفها.. ٭ فماذا يقول.. اهل الاقتصاد.. واهل القانون..؟!! واهل المالية العامة..؟!! ما هو الوصف الدقيق لهذه المظاهر...؟!!! اهي مجرد ملاحظات .. تتواتر في كل عام ؟!! ٭ من الملاحظات الخطيرة الممقتة في الخطر .. ما هو غول .. ما زال يضحك ساخرا.. في قهقهة مبتذلة من كل القرارات العليا التي صدرت بشأن ايقاف ممارساته البشعة..:- !!! - التجنيب عن طريق الحجب من وزارة المالية - فرض رسوم بغير سند قانوني - المحليات ، الولايات، وهيئات اخرى - فتح حسابات في البنوك التجارية دون الحصول على موافقة وزارة المالية (ونسأل ولماذا تقوم تلك البنوك التجارية بالموافقة وهي على علم بالاجراء)..؟!! - عدم ارفاق الفواتير النهائية للمشتريات. - عدم ملاءمة صرف الحوافز (هل لم تصل سياسة التقشف اليها ).. - استمرارية ظاهرة التكاليف والمكافآت الناتجة عنها.. - الصرف خارج الموازنة. - استمرار صرف عاملين .. قدموا استقالاتهم بالفعل. - التعيين خارج لجنة الاختيار في بعض الولايات. - غياب الاسس الواضحة لتقديم الدعم والتمويل - الذي تقوم به (مصارف الزكاة) للمشروعات الانتاجية والخدمية. - عدم اكتمال المسوغات اللازمة لدعم الفقراء والمساكين.. - غياب ميزانية جمعية للصندوق القومي للطلاب (راجع التقرير).. - وجود مخالفات في ما يتصل بشراء المواد المستخدمة في تنقية مياه الشرب بواسطة هيئة مياه ولاية الخرطوم.. وما يتعلق بمياه ولاية شمال كردفان - حيث ثبت ان الخط الناقل للمياه منها مصنع من مواد ثبت عالميا عدم صلاحيتها..! وينهي التقرير ملاحظات بالموقف العدلي وتقدمه في استرداد المال العام.. ولفائدة القراء فان الرجوع لكل من جريدتي الرأي العام والسوداني بتاريخ الخميس 22/11/2012م، يبدو مهما ، فقد طرحتا تفاصيل الكثير مما اورده التقرير في دقة ومهنية عاليتين.. (4) كلفت لجنة رفيعة المستوى الاخلاقي والعلمي، وفي ذات نضوج مهني من قبل الامانة العامة لهيئة المستشارين مع وزارة رئاسة مجلس الوزراء بالاعداد لتقديم رؤية استراتيجية لمحاربة الفساد تحقيقا للشفافية في الدولة وقد استطاعت هذه اللجنة، في ما تجاوز الاشهر الستة ان تستمع لشهادات علمية من اساطين العمل الاداري والاقتصادي والاكاديمي والمصرفي والمالي والاعلامي والمهني، وان نستخلص ، بعد دراسات علمية مقارنة الكثير من الحلول ، عددا من التوصيات التي يمكن ان تسهم في ضبط الاداء وفي تحقيق الشفافية، وفي وقف فوضى الممارسات الخاطئة وتأكيد سيادة حكم القانون وتزييف التبريرات الخاطئة.. واذا كان التقرير قد رفع للاجهزة المعنية ، فإن المأمول الا يضيع وسط اضابير الوزارة ليكون اثرا بعد عين واذا كان السيد النائب الاول على رأس لجنة لملاحقة الاعتداء على المال العام فاننا نأمل في ان يتولى هو او سكرتاريته الاطلاع على ما تضمنه التقرير من دراسة شافية واقتراحات جادة وممكنة التطبيق.. - ان الفساد ، ظاهرة عالمية، ارتبطت بنشأة البشر، فالسلوك القويم النموذجي، امر بعيد المنال عن طبيعة الناس ، ولذلك فان المطلوب هو ابتداء تزكية النفس وتحرير الارادة من بواعث الشر والانحراف وهو ما لا يكون بغير الدين القويم وبغير الاخلاق السوية وكلاهما تربية، مرتبطان في النهاية بسلامة الحكم والادارة ، بل من دواعي نهايتهما ، والخطوة الامثل في مقام ما يحدث من فساد ممعن هو اعتباره جريمة خيانة عظمى، على الاقل ، حين يرتبط بنتائج سياسية او اقتصادية او اجتماعية وخيمة.. تؤدي الى تآكل الدولة من داخلها او الى عدم الثقة فيها واسوأ من ذلك تماما ، ان تغيب ارادة الدولة في تحقيق آمال المواطن العادي، في قطع شأفة الفساد بعقاب جاد، ولقد تبدو الخطوات الامثل في: 1- التعرف الى ما انتهت اليه لجان التقصي والتحقيق في الكثير من الحالات التي قدمت للتحري بشأنها.. هل حصرت ابتداءً .. 2- النظر الموضوعي والعاجل، في منظومة الاجهزة المعنية بمحاربة الفساد. - تقوية المراجع العام بمنحه سلطة عملية بديلا لابداء الملاحظات والتوصيات وذلك بالتنسيق مع كل من وزارة العدل والسلطة العقابية. - توحيد جرائم الفساد في مدونة واحدة anti-corruption code ويمكن الاستفادة في هذا الصدد من الدول التي اقرت بذلك النموذج مثل باكستان. وتغليظ العقاب ليصل الى درجة الخيانة العظمى وعقوبتها الاعدام والمصادرة والتأبيد ، اذا وصلت الجريمة لحد التأثير على البناء الاجتماعي والاقتصادي... - النظر الجاد والموضوعي في كثير من منظومة الاجندة الادارية التي تتعلق بمحاربة وضبط الفساد - سواء من حيث السلطات الاختصاص او من يستغلون الوظائف فيها.. ومساءلة كل تقاعس او تراجع او تراخ - عن ممارسة تلك الصلاحيات او السلطات.. وبعد:- فان ما ظل يقوم به (ديوان المراجعة) من دور مهني عال يستحق الاشادة - كما يستحق من ناحية اخرى العمل - على تعديل قانونه.. بما يمنحه ارادة الفعل ، دون ان يسلبه حقه الطبيعي في المراجعة ويبدو لي انه الذراع الامثل حتى الآن، في تحقيق الشفافية.. وحتى نعطي كل ذي حق حقه فان حركة المجلس الوطني باتجاه الرقابةعلى اداء الجهاز التنفيذي - ينبغي ان تسرع الخطو قليلا، حتى يعبر اكثر عن ارادة المواطنين في جهاز فعال وكفء وشفاف يتولى الخدمة في اقل وقت ممكن، بأعلى جودة ممكنة وآمال ممكنة. ملاحظات غير عابرة: ٭ اعتذر للاعزاء من القراء، بغيابي ما يقرب عن الاسبوعين ، عن كتابة الملاحظات، فقد سافرت الى الضعين حاضرة ولاية شرق دارفور في مهمة علمية، لها ما بعدها ان شاء الله من التداعيات على مقالي الاسبوعي الراتب، ففي بادية الرزيقات ، وفي قلب بحر العرب في بحيرة بورو .. وفي غيرها وباتجاه سماحة، والميل 14 ، الكثير مما يمكن كتابته.. ٭ لست اقتصاديا ولكن الاقتصاد يداهمني كما يداهم غيري من المواطنين فالاسعار وهي جوهر في العملية الاقتصادية، تفرض لها وجودا ، يبتعد كثيرا عن قانون العرض والطلب المعمول به ضمن حرية السوق، فالسعر يبدأ اعتسافا للقانون والاخلاق، يبدأ السعر اشاعة (كما حدث في حالة السكر).. ثم سرعان.. ما يكون واقعا.. بعد حيلة اصبحت معروفة.. وكشفتها جريدة السوداني، في حالة القرار الذي اصدره وزير الدولة بالمالية (ضرار)... برافوا جريدة السوداني... هاردلك شعب السودان.. ونسأل عن امكان الاستماع لافادة جهاز الامن الاقتصادي وخبراء المصارف، واجهزة الشرطة المعنية بمحاربة جرائم الفساد.. وغيرها وبعد... هل يظل ما خفي أعظم..؟!!!!