تتصاعد الأحداث داخل كابينة الحكم في السودان في مستوياتها المختلفة، وتجرى التحليلات من قبل اهل الرأي والاعلام. ولكن تبقى تلك الاحداث محل اهتمام الجميع في السودان بمختلف مشاربهم السياسية والثقافية والاجتماعية، نتيجة الاثر الكبير الذي احدثه حكم الانقاذ خلال طيلة السنوات التي تجازوت العشرين عاماً، ويبقى الحراك الذي حدث داخل مؤسسسات الحكم الذي جعل الاهتمام يتزايد يوما بعد يوم بما ستؤول اليه الاحداث بعد عملية الململة والحراك الذي اصبح ظاهرا في كل مؤسسات الحكم والذي بدا ظاهراً من خلال لقاء البشير بشباب المؤتمر الوطني الذي طالبوا فيه بتجديد الدماء في كتيبة الحكم التي تطاول بها الزمن وقدمت كل ما عندها من عطاء خلال جلوسها في كرسي الحكم، كما طالبت تلك القوى الشبابية الرئيس بوضع آلية لمحاربة الفساد والذي بدا واضحا لكل العيان واصبح الحديث جهراً في هذا المجال، ولكن الاستجابة تحققت بالقدر القليل، حيث فشلت آلية ابو قناية في اثبات حالة واحدة تشفي غليل الشعب السودانى الذي يرى علامات الثراء تبدو على البعض ممن لا يُعرف لهم نشاط تجري او استثماري سابق، وبدأت بعض عضوية الحركة الاسلامية التي كان غالبها من الطلاب والمعلمين والموظفين وغيرها من شرائح الشعب الوسيطة تتطاول في البنيان وتمتطي السيارات الفارهة وتتزوج حسناوات الاسر والمدن الكبيرة، واصبحت دراسة الابناء في الدول الاوربية والآسيوية «ماليزيا» أنموذجاً، ومثلما قال احدهم انهم يرسلون ابناءهم للدراسة بالخارج حتى يتفرغوا لحكم الشعب السوداني وحل مشاكله، اما مشاركة الشباب في الحكم ومزج الخبرات فلم تكن الشخصيات المختارة للدخول الى مجلس الوزراء هي من تلك العينة التي كانت عليها الانظار، وجيء بشباب تبارت اجهزة الاعلام في إبراز تواريخ ميلادهم، واصبح الحديث ان الوزير الفلاني من مواليد السبعينيات والآخر من منتصف الستينيات، ولكن كانت مخرجات تجربة هؤلاء الشباب مثل مخرجات مؤتمر الحركة الاسلامية الاخير، كما يراها البعض بانها لم تضف جديداً بل صعدت من تلك الاصوات التي طالبت بالتجديد الذي اخذ تطوراً جديداً حيث اصبحت المطالبة هذه المرة ليست من الشباب ولكن الشيوخ والرموز، واصبحت منهم مجموعة تطالب بالتجديد مثلما طالب الشباب بالتجديد في الحكومة، وبرزت اسماء مثل د. غازي صلاح الدين وحسن عثمان رزق وغيرهم من الاصوات التي بدأت ترتفع مطالبة بالتجديد وتقديم وجوه جديدة بعد ان اصاب التنظيم شيء من التكلس والروتين وكان لا بد من ان تجري دماء وافكار تعيد للحركة حيويتها، خاصة بعد التطورات التي حدثت في العالم العربي، وصعود الاسلاميين، حيث يرى هؤلاء أن الحركة الاسلامية اجتهدت كثيراً في أن تكون الاجواء المجاورة والاقليمية ممهدة حيث تسهل مهمة المشروع الحضاري الذي كان سقفه اعلى واكبر من مساحة السودان القديم «مليون ميل مربع»، ولكن المشروع الحضاري اصطدم بنظام مبارك والقذافي وغيرها من انظمة الجوار التي لم تكن في حالة وفاق مع اهداف ذلك المشروع، ولكن التطورات الاخيرة التي عرفت بالربيع العربي قد اعادت تلك الاجواء التي كانت تتمناها الانقاذ في سنوات عمرها الاولى لتنفيذ مشروعها الحضاري، ولكن المشروع الحضاري لم يعد بذات الاولوية في ظل التحديات التي واجهت حكومة الانقاذ في المجالين الاقليمي والدولي وقضايا الحرب والسلام والمشكل الاقتصادي، واصبحت الحكومة محاصرة بمشكلات من هذا القبيل، ولم تفق من تلك المشكلات ومازالت تعيش في دوامة شبح الحرب وعدم الاستقرار، رغم ان الاوضاع تغيرت في دول الجوار «180» درجة. ويبدو ان نبرة التغيير التي علت متزامنة مع انعقاد المؤتمر الثامن للحركة الاسلامية والحراك الاعلامي والسياسي الذي صاحب هذه النبرة قبل واثناء وبعد انعقاد المؤتمر الثامن، تأتي لتكون الحركة الاسلامية السودانية في مستوى ذلك الحراك الاقليمي الذي ترى انها قائده، وان «الربيع» السوداني المنتظر يجب ان يكون في صورة مغايرة للتي حدثت في بلدان الجوار وما جاورها، باعتبار ان حركة الاسلام اصلا موجودة ولكن تحتاج لذلك التجديد ليجعلها مواكبة لتلك التطورات ولكن بوجوه جديدة على مستوى التنظيم والحكومة والحزب، ولكن حالة الشد التي بدأت بين الاصلاحيين والمحافظين في الحركة الاسلامية هي التي جعلت من عملية التغيير عصية بالشكل الذي أراده هؤلاء الاصلاحيون، وهو ما نتجت عنه تلك الحالة التي بدت وكأنها حالة خلاف بين الكيان الواحد. وتأتي عملية الكشف عن المحاولة التخريبية وظهور اسماء بارزة في هذه العملية التي ذكرها وزير الاعلام في ذلك المؤتمر الصحفي ومن بينها مسؤولون سابقون عن الامن وحماية البلاد، ومن المقربين جداً من السلطة الحاكمة، واعتبر بعض المحللين ان مجرد التفكير في هذا الامر وبذات الطريقة التي حدثت قبل عشرين عاما، انما هو حالة يأس من الاصلاح او التجديد او التغيير الذي كان يحدث تلقائيا بحيث تكون الثماني سنوات الاولى للبشير والاربع التي تليها تكون مثلاً لعلي عثمان والتي تليها للشخصية التي يقع عليها الاختيار، حيث ان برنامج الحركة الاسلامية معروف، وان تنفيذ هذا البرنامج يجب ان يكون في مراحل التجديد المذكورة، باعتبار ان فترة البشير الاولى تكون لتثبيت الوضع الدستوري، وان فترة البشير الثانية تشهد تركيزاً على البرامج الاقتصادية وقيام البنى التحتية، ثم تأتي فترة طه لتكون تثبيتاً لمعني الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وتهيئة الشعب السوداني للعبور من مرحلة سياسية الى اخرى بسلاسة دون مشكلات، ولكن كل هذا لم يحدث بالصورة المثلى، حيث ادى هذا التراكم الى حالة احتقان سياسي، ولكن هذه المرة داخل الحزب الحاكم وليس من القوى السياسية المعارضة او التي تقف في الرصيف. وعندما تتعالى الاصوات داخل الكيان الواحد بالتجديد فإن حالة ملل سياسي وركود في الجوانب الاخرى، استدعت ان ترتفع هذه الاصوات. ولكن هل اصبح التجديد داخل الحزب الحاكم ضرورة؟ اذا قرأنا التصريحات الصادرة عن قيادات المؤتمر الوطني نجد ان هنالك اختلافاً في التصريحات بعضها يؤيد مثل حالة الدكتور قطبي المهدي، حيث ذكر أن هناك عملية اصلاح واسعة يقوم بها المؤتمر الوطني لمواجهة التحديات السياسية والتنظيمية الداخلية، وكأن هذه التصريحات هي اعتراف بهذه الململة من بعض القيادات داخل الحزب والحركة. واذا اخذنا تصريح سامية احمد محمد نائب رئيس المجلس الوطني ورئيس القطاع الفئوي بالحزب والذي نفى فيه بشدة وجود انسداد في مواعين المؤتمر الوطني تدفع البعض لممارسة مثل هذه الاساليب «في اشارة لتلك المحاولة» واكدت ان ابواب المؤتمر الوطني مفتوحة وان الحزب هو اكثر الاحزاب الذي يعقد مؤتمراته ومجالس شوراه في مواعيدها بصورة راتبة وحيوية، واضافت ليس هناك ازمة في الحزب، فكيف نفهم تضارب اقوال كل من قطبي وسامية وهما قياديان في المكتب القيادي حول امر واحد ومعلوم بالضرورة واثبتته حالة الحراك داخل المؤتمر الوطني. وامس الاول تناولت الصحف خبر اعادة انتخاب امين الحركة الاسلامية بولاية الخرطوم ومجلس الشورى بعد الطعن الذي قدمه منافسو الامين العام المعلن عبد القادر محمد زين ومجموعته، فقد جاءت تصريحات مناقضة لما صدر في هذا الأمر من امين الاتصال التنظيمي بالحركة الاسلامية المهندس صديق حامد، والذي اكد ان مجلس الشورى لم يصدر قراره في الطعن ونفى ان يكون رزق من بين الذين قدموا الطعن. والناظر في الامر يجد ان حالة الململة بدأت تتسع، وان تضارب التصريحات من الجسم الواحد تبدو مربكة تماماً، وكأن كل واحد من هؤلاء هو الذي يعلم ببواطن الامور دون غيره، واصبحت الاجواء ملغمة بالشائعات التي وجدت فيها الصحف مرتعا بنشرها او نفيها عبر مسؤول قريب من دائرة انطلاق الشائعة، حيث ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك وتويتر والرسائل القصيرة في الموبايل في توسيع دائرة انتشارها. والواقع يقول إن التجديد اصبح ضرورة بعد ان تصاعدت الاصوات داخل الحركة الاسلامية: حالة «غازي صلاح الدين، وحسن عثمان رزق» وداخل المؤتمر الوطني التي بدأت بلقاء رئيس الجمهورية بالشباب والتصريحات الاخيرة للقيادي بالمؤتمر قطبي المهدي، وذلك لامتصاص تلك الحالة التي ظهرت بشكل كبير داخل الحركة والمؤتمر الوطني، فالمطلوب ان يعقد مجلس شورى الحركة ومجلس شورى المؤتمر والهيئة النيابية لنواب المؤتمر الوطني بالبرلمان اجتماعات مكثفة كل على حدة لدراسة هذه الوضعية وتقديم توصيات بشأن عملية التجديد المطلوبة، وألا تكون ديكورية وأن تعالج أس المشكلة، وألا تتيح ثغرة لعملية التغيير بالقوة كما حاول «إخوة» لهم.