شهد الاسبوع الماضى تحركات مهمة كلها موضوعها العلاقة بين دولتي السودان.على الرغم من ان تلك التحركات لم تستكمل الا انها بدأت مبشرة واتضح ان آفاق المساومة السياسية مفتوحة قبل اللجوء الى الحرب التى لن يكسب منها احد شيئا. الاتصال بين الرئيسين البشير وسلفا كير مؤشر جيد، فبعد توقف الاتصالات تماما بين الطرفين فى مرحلة مابعد اديس ابابا ،عادت مرة اخرى، يشئ ذلك بان حوارا يجرى وراء الكواليس بغرض فك عقدة اتفاق اديس. يتحمل الرئيسان مسئولية كبرى فى قضيتى الحرب والسلام بين الدولتين وقد رأى العالم فعالية حضورهما فى اديس وقيادتهما للتفاوض الشئ الذى ادى لانجاح الجولة الاخيرة من المفاوضات التى توجت بتوقيع الاتفاقيات التسع.اسهل قرار يمكن للرئيسين اتخاذه هو قرار العودة للحرب. ذلك سهل فبأمر عسكرى يمكن لعشرات الكتائب واللواءات ان تنطلق لميدان الحرب لممارسة القتل وكل بشاعات الحرب.الاصعب هو الصبر على التفاوض ولو بدا الافق مسدودا والإيمان بان هناك حلا سياسيا ما موجود لابد من العثور عليه . عزيمة الرئيسين وقناعتهما بعدم وجود بديل سوى المساومة والاتفاق هو وحده صمام الأمان الا تنزلق الدولتان الى الحرب. التحرك الثانى يقوده المبعوث الامريكى بريستون ليمان بين الخرطوموجوبا.التقى ليمان بالسيد نافع علي نافع لفهم مايجرى ،كما قال قبل ان يتوجه الى جوبا. ماصدر عن د. نافع من تصريحات حمل جديدا خارج دائرة علاقات دولتي السودان.اكد نافع ان طي الملف الامنى هو المدخل لانفاذ اتفاق اديس وهو الموقف المعلن للحكومة، ولا بد ان السيد ليمان يعرفه قبل اللقاء، ولكن الجديد هو ربط نافع تحسن العلاقات بالجنوب بتحسن العلاقات مع امريكا. وهذه جديدة لاول مرة تحاول الحكومة ربط هذه الملفات ببعضها، وفى اعتقادي انها خطوة ذكية وان جاءت متأخرة. فالتعاطى مع الحكومة الامريكية كان يتم دون ربط حقيقى بملفات الجنوب التى تهتم بها امريكا. مثلا كان التعاطى مع امريكا فى ملف الارهاب مجانا تأخذ امريكا تعاملا ممتازا ولاتعطى شيئا بل تزيد فى عقوباتها كلما بذل السودان خدماته لمصلحتها. فى نيفاشا استلمت الحكومة من الامريكان وعودا كثيرة اذا ما انجز السلام وللاسف كلها تمت خيانتها.الان تحاول الحكومة التعاطى مع امريكا عبر قضايا الجنوب.لكن يبدو من تصريحات السيد ليمان امس ان امريكا لاتزال غير مستعدة لتغيير نهجها القديم ،اخذ دون عطاء. قال ليمان ان امريكا مستعدة لاعادة علاقاتها بالسودان« اذا ما تم طي ملف الخلافات مع الجنوب وانتهت الحرب بالنيل الازرق وجبال النوبة». هذه الاجابة ظلت ثابتة فى كل تصريحات السياسيين الامريكان مثلها مثل تلك التصريحات التى اكدوا فيها ان كل شئ مرهون بتوقيع نيفاشا ومن بعد الاستفتاء وفى النهاية حصدت الحكومة الحصرم.امريكا تبدو غير مستعدة للتعامل مع الحكومة السودانية والغريب انها فى ذات الوقت لاتسعى لتغييرها او اسقاطها. التحرك الاخر الذى اعلن عنه بالامس هو وصول السيدين باقان اموم ولوكا بيونق الى الخرطوم اليوم.جاءت هذه الخطوة فى اعقاب الاتصال الذى جرى بين الرئيسين مما يشير الى ان اتفاقا ما قد جرى بينهما للوصول لتفاهمات محددة قبل ان يبدأ الطرفان مفاوضاتهما فى بداية الشهر القادم.استثمار هذه اللقاءات الحميمة بعيدا عن طاولات التفاوض يمكن ان يقود لاختراق فى العقبة الاساسية التي تقف امام تنفيذه وهى قضية قطاع الشمال..المخرج السليم ان يتم التوصل لاتفاق مع قطاع الشمال لكن ذلك ليس منظورا فى الوقت الحالى ولابد من مخرج اخر.حكومة الجنوب تؤكد انه ليس بوسعها نزع سلاح قطاع الشمال، والحكومة فى الشمال تقول انها لن تتعامل مع الجنوب قبل فك ارتباطه بالقطاع بمعنى انها لاتثق فى تصريحات حكومة الجنوب. لا اعرف لماذا فشل الطرفان فى وضع آليات مناسبة للتحقق من تحركات القوات على الحدود.ليس ممكنا منع حكومة الجنوب كليا عن دعم القطاع، اذ ان الدعم المالى يمكن ان يستمر مهما وقع من اتفاقيات ، الموضوع الاساسي الذى ينبغى العمل عليه هو وقف التحركات العسكرية على الحدود وقطع الامدادات والدعم اللوجستى عن قوات الحركة الشعبية هنالك مما يعنى عمليا فك الارتباط.اما مشكلة المنطقتين لايمكن حلها بغير التفاوض، والافضل ان تكون حكومة الجنوب طرفا فى الحل لتوفر على نفسها دفع اثمان باهظة لاتقدر على دفعها وقد تهدر مواردها المنعدمة اصلا فى حرب لاطائل من ورائها.