«مسلسل مكسيكي أو تركي».. ربما كانت تلك هي الصفة الأنسب للعلاقات بين السودان وأمريكا، مع فارق أن للأول زمان ينتهي عنده وإن تطاولت حلقاته، بينما الأخيرة لا تزال فصولها ومنذ حكم الإنقاذ تتراوح بين العداء السافر إلى المساومات والاشتراطات التي لاتنتهي منذ رعايتها لاتفاقية نيفاشا 2005، التي وعدت فيها الحكومة برفع العقوبات الاقتصادية عنها والمباعدة بين السودان ورعاية الإرهاب، فضلاً عن الوفاء بدعمه عبر مؤتمر المانحين، وذلك حال توقيعه لاتفاق نيفاشا، دون أن تفي بوعدها، وما إن أطلت أزمة دارفور برأسها حتى تشبثت بها أمريكا لتقرن تنفيذ وعودها السابقة بحلحلة الأزمة ثم اندلعت الحرب في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، بمباركتها بحسب والي جنوب كردفان أحمد هارون في تصريحاته الصحفية التي قال إن نائب الحركة لقطاع الشمال عبد العزيز الحلو عرض خطته لمهاجمة الولاية على المبعوث الأمريكي بيرنستون ليمان فرد عليه الأخير بقوله «رائع»، ومؤخرًا أخذت أمريكا تضرب على وتر أن الولايتين على حافة الوصول لمرحلة المجاعة بحلول مارس المقبل، وبناء عليه طالبت بالسماح للمنظمات الدولية بدخول الولايتين، إلا أن الحكومة رفضت، ورهنت قبولها بأن يتم توزيع الإغاثات عن طريقها والمؤسسات الوطنية، فواصلت واشنطن ضغوطها لإثناء الحكومة وفقا لتصريحات ليمان نفسه، ولم تقف عند هذا الحد بل اتهمت وزيرة خارجيتها هيلاري كلنتون الخرطوم بسعيها لزعزعة استقرار دولة الجنوب، على خلفية المعارك التي جرت في بحيرة الأَبْيض مؤخراً، والتي بادر بها تحالف الجبهة الثورية بدعم من جوبا التي باهت بذلك وفقا للناطق باسم القوات المسلحة. الحكومة لم تخف خيبتها ويأسها من علاقاتها مع أمريكا، فقد أشار الرئيس البشير مؤخرًا إلى أنهم لأيأبهون لجزرتها التي وصفها بالمسمة ولايخشون «عصاتها»، أما مساعده نافع علي نافع فوصف وعودها بأنها ذات بريق زائف، ويبدو أن الحكومة ضاقت ذرعاً بالترويج لحدوث مجاعة في الولايتين فضلاً عن أبيي لتعلن على لسان وزيرتها للتعاون الدولي إشراقة سيد بأنها ستتجه لطرد المنظمات الأمريكية من البلاد، إذا لم تكف أمريكا عن الترويج لما تسميه بالمجاعة، ودمغت الأخيرة بأنها تسعى عبر سياستها إلى فصل ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق وتثبيت تبعية أبيي لدولة الجنوب، كما انتقدت دخول نائب أمريكي لجنوب كردفان من جوبا خلسة دون علمهم، ولعله إجمالاً لذلك وصف مدير إدارة الأمريكتين الأسبق بالخارجية السفير الرشيد أبو شامة نوايا أمريكا حيال السودان بغير السليمة، مشيرًا لتحايلها بتصريحاتها الإيجابية التي لاتجد طريقها للنفاذ، في الوقت الذي تعمل فيه على إضعاف البلاد، وقال ل «الإنتباهة»: «علاوة على ذلك يبرز دور كبير تلعبه مجموعات الضغط التي تؤثر على الحكومة والكنغروس الأمريكي، وبما أنها في سنة انتخابية فمن الصعوبة بمكان الحديث عن تحسين للعلاقات مع أمريكا الآن، لأنها تضع وزناً كبيراً للناخب الأمريكي الذي تأثر بموجهات مجموعات الضغط المعادية للسودان» وأبدى تشككه حيال استقامة علاقات البلدين خاصة بعد أن وجدت أمريكا موطئ قدم في جوبا وكذا إسرائيل، وذلك في ضوء هاجسها مما تسميه الإرهاب الإسلامي، ونصح أبو شامة الحكومة باللجوء لسياسة الكتمان للدفاع عن مصالحها بالطريقة التي تراها مناسبة. العلاقات مع أمريكا تبدو في غاية التعقيد إن صدق التحليل القائل بأن مفاتيحها في جوبا، التي تسعى عبر ملف القضايا العالقة للحصول على تنازلات يصعب على الخرطوم إن لم يستحيل الاستجابة لها، وفي مقدمتها أبيي التي يرشحها الكثيرون بالبارود الذي قد يعيد الدولتين لمربع الحرب.