٭ لم يكن السيد نائب رئيس الجمهورية يجدف بعيداً عن الحقيقة والطموح الأممي عندما دعا في كلمته أمام المؤتمر العام الثامن للحركة الاسلامية قبل أيام بأن العالم يتطلع الى نظام عالمي جديد يحل محل مجلس الظلم العالمي الذي يتحكم به قانون حق النقض (الڤيتو) وسيطرة الخمسة الكبار..!! يوم الخميس الماضي وقد استجاب الاعضاء في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في دورتها الحالية للطلب الفلسطيني الخاص بعضو مراقب في الأممالمتحدة بأغلبية (831 عضواً) تحقق الكثير الذي اضاء الطريق الى ما تطلع اليه جواهر لال نهرو وقادة كتلة عدم الانحياز الاولى من نوعها عندئذٍ. اسرائيل وحلفاؤها الولاياتالمتحدةالامريكية وكندا لم يحصلوا يومذاك على (تسعة أصوات) رفض أصحابها الطلب الفلسطيني في حين واحد واربعون عضواً بالامتناع عن التصويت لينعم الطلب ومناصروه بمائة وثمانية وثلاثين صوتاً، وقد شكل ذلك نصراً كبيراً للقضية الفلسطينية التي ظلت تتأرجح وتترنح في مكانها منذ أكثر من ستين عاماً كانت فيها الدولة العبرية مسنودة بالولاياتالمتحدة وحلفائها تسيطر على الموقف وتلعب به كما تشاء، لأن الطرف الآخر كان مستسلماً وخاضعاً لجولات الحوار والتفاوض من أجل السلام فضلاً عن ممارسات الاحتلال والحصار والعدوان الاسرائيلي التي ذهبت بالكثير من الارض والحقوق الفلسطينية وهيبة النظام العالمي. اليوم وبعد القرار الأممي الأخير الذي انصف الفلسطينيين وأعطى دول العالم الثالث حقها في اعادة التوازن للنظام العالمي المختل وفتح عيون الخمسة الكبار على حقائق جديدة في الساحة الدولية وفي مجتمعها سيعيد البعض وفي مقدمتهم الدولة العبرية والولاياتالمتحدةالامريكية الى أن تعيد حساباتها ومقدراتها على اللعب بالمنظمة الدولية وأدواتها وأنظمتها ومواثيقها. ويجدر ذكره هنا كثير، فقد تقدم بالطلب المذكور انابة عن الدول العربية مندوب جمهورية السودان وكان في ذلك ضربة سياسية ودبلوماسية للولايات المتحدةالامريكية التي لعبت بورقة الجنائية الدولية ضد الرئيس عمر البشير. ولم تكن تلك هى الضربة الوحيدة وإنما هناك ضربات اخرى من آخرين أعضاء في حلف الاطلسي امتنعوا عن التصويت وآخرون صوتوا مع القرار..! النمسا وفرنسا وايطاليا واسبانيا والنرويج ايدوا القرار وصوتوا لصالحه. في حين امتنع عن التصويت المملكة المتحدة وألمانيا ولم يقف ضده إلا اسرائيل والولاياتالمتحدة وتشيكوسلوفاكيا وكندا وقلة أخرى غير مذكورة..! ذلك الى جانب ان الفلبين وتركيا كانا ممن خاطب الأعضاء بلغة قوية ومنحازة الى المقترح الفلسطيني. وربما ما يستحق الذكر أيضاً هنا امتناع جمهورية جنوب السودان عن التصويت رغم علاقتها الخاصة بدولة اسرائيل والولاياتالمتحدةالامريكية وذلك تبعاً لمصالحها الافريقية وغيرها. لقد كان الموقف دقيقاً ويحتاج الى تجرؤ وله حسابات خاصة. إلا أنه وللحقيقة فإن خسارة اسرائيل وحلفائها لم تبدأ مع ذلك القرار الاموي الكبير وحده وإنما قبله كما هو معروف مما مهد الطريق لذلك. فقد انكسر الحصار على غزة بتوافد الوفود من كل الدول والمنظمات ومورست الضغوط على اسرائيل لتوقف حملتها العسكرية على غزة والاراضي المحتلة. وقد دفع ذلك كله الرئيس عباس وحكومته على القيام بحملة دبلوماسية واسعة لكسب السند والتأييد في الجمعية العامة مما جعل من الحدث خطوة لها مغزاها ومعناها عند من أراد أن يقرأ الوقائع ويحللها.