عرفت جمهورية مصر تاريخاً وحاضراً بأنها (أم الدنيا).. وعليه فقد كتبت هنا في 30 مايو الماضي أسأل جراء الاضطرابات والمشاحنات التي سبقت الانتخابات الرئاسية (أين ترسو سفينة أم الدنيا؟) خوفاً وقلقاً مما كان يجري. بيد اني بعد مرور شهر واحد على ذلك (28 يونيو 2012) كتبت في هذا المكان أيضاً أقول (أخيراً رست سفينة أم الدنيا..!) وذلك بعد ان حسمت رئاسة الجمهورية للدكتور محمد مرسي ونجح حزب الحرية والعدالة في انتخابات شفافة ومعترف بها وبنسبة بلغت 52% تقريباً.. ويبدو اني كنت في ذلك الشأن متفائلاً أكثر مما يلزم في بلد كمصر حديثة عهد بالممارسة الديمقراطية ومياه السياسة فيها مضطربة للغاية. فالرئيس مرسي ولم يمض على انتخابه سوى أشهر قليلة ومعدودة ظهر على طريقه الكثير من العقبات والمعوقات بما أعاد الأجواء إلى ما كان عليه الحال إبان ثورة الخامس والعشرين من يناير 2012م فظهرت إلى الوجود تظاهرات واعتصامات (ميدان التحرير) والدعوة إلى عصيان مدني مشفوعة بتخلي الرئيس مرسي عن اعلانه الدستوري قبل الدخول في طرح الدستور للاستفتاء في 15 ديسمبر - أي بعد أيام.. ومن الناحية الأخرى كانت لميدان التحرير وما يجري فيه ما يقابله في (ميدان النهضة) بجامعة القاهرة من تظاهرات وتجمعات مليونية مغايرة.. أي مؤيدة للاعلان الدستوري ومعارضة لما رشح من نادي القضاة من امتناع عن العمل وعن الاشراف على الاستفتاء المزمع. لقد كان في الدستور الذي سيطرح للاستفتاء وقد أجيزت جل مواده قبل الانسحاب الأخير من الجمعية التأسيسية استجابة لكل ما يتطلع إليه المواطن المصري حيث أنه ينهي حالة الانتقال بعد الثورة إلى حالة الاستقرار والمؤسسية وتثبيت أركان الثورة الشعبية المصرية.. ومن ثم تبدأ الممارسة الديمقراطية الحقيقية - ولكن من قال ان الأحزاب والكيانات والتجمعات السياسية المصرية تريد ذلك في ظروف وأوضاع لا تصب لمصلحتها الحزبية وهي التي تنقصها الكفاءة والقدرة على ممارسة الدور والنشاط الديمقراطي الطبيعي وان كانت الفترة الرئاسية للدكتور مرسي لا تزيد عن أربع سنوات تمارس فيها كل وسائل وأدوات الرقابة السياسية والاعلامية والتشريعية وغيرها.. وصولاً إلى انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة. إن ترتيبات الاستفتاء على الدستور تجري من قبل الرئاسة ورغم ما يحيط بالأجواء من عدم تقدير لذلك. فالحل على كل حال - وكما قلنا - في الدستور الذي سيقول فيه الشعب كلمته بعد قليل رغم الصعوبات التي تعترض عمليات الاشراف والادارة. وان ظهر في الأفق الآن ان هناك من خرجوا على قرارات نادي القضاة ومطلوبات وشعارات ميدان التحرير وما يرافقه من حملة إعلامية يبدو انها هي الأخرى في طريقها إلى أن (تهدئ اللعب..!) كما يقولون. والاحالة هنا إلى استضافة قناة (المحور) ذلك المساء للأستاذ فهمي هويدي حول ما يجري على الساحة السياسية في مصر. وقد كان الرجل - أو الأستاذ فهمي هويدي - كما عهدناه صريحاً ومتوازناً ومنحازاً للحقيقة والمصلحة العامة اجمالاً.. فقد وضع النقط على الحروف بغرض أن ترسو سفينة أم الدنيا على البر وتخرج من مياه السياسة المضطربة.. وهذا ما يتمناه كل عاقل ومراقب للمشهد السياسي في جمهورية مصر العربية هذه الأيام.. بل وبعد رحيل نظام الرئيس محمد حسني مبارك على يدي شباب ثائر وثورة شعبية صارت هي الثانية أو الثالثة في دول ثورات الربيع العربي. ان مصر كغيرها لا تخلو من التدخلات الخارجية لدورها المعروف في المنطقة والاقليم بشكل عام فهي الأكبر عدداً من حيث السكان والكفاءات والأكبر تأثيراً وحراكاً وعلى النخبة وأهل الرأى والفكر فيها أن يقدروا ذلك ويرعوه لأن سفينة أم الدنيا يخشى عليها من المياه المضطربة دائمة الغليان.