وسط الأحداث السياسية والأمنية المتلاحقة،ناقش مجلس الوزراء قبل نحو أسبوعين وثيقة السياسة القومية للسكان والتحول السكاني في البلاد ومؤشراته. وبرزت دراسة مهمة أجراها المجلس المجلس القومي للسكان العام الماضي بالتعاون مع صندوق الأممالمتحدة للسكان، وركزت الدراسة على ولاية الخرطوم نموذجاً بشراكة مع محليات جبل أولياء وشرق النيل وكرري،حول المهاجرين داخلياً في الولاية،أي الهجرة من الريف الى العاصمة القومية. عكست الدراسة أن من هاجروا من كردفان يمثلون (23%) من المهاجرين، و (22%) منهم من الولايات الوسطى، (19%) من الولاية الشمالية و(14%) من ولايات دارفور و(8%) من الولاياتالشرقية،وغير السودانيين نحو( 7%). باتجاه آخر فيما يتعلق بالتركيبة العمرية والنوعية للمهاجرين، ذكرت الدراسة أن نسبة الذكور في أوساط المهاجرين بلغت 53% والإناث 47% وأن أكثر من ربع المهاجرين بنسبة (27%) كانوا في الفئة العمرية ما بين عام حتى أربعة عشر عاماً، أما نسبة المهاجرين في الفئة العمرية من خمسة عشر عاماً حتى تسعة وخمسين عاماً فقد شكلت جملتهم ثلث المهاجرين (67%) وبلغت نسبة الذين بلغوا سن الستين أو أكثر نحو( 6%). وذكر نحو 43% من المهاجرين أن المرتبات والأجور تشكل مصدر رزقهم الرئيسي، بينما يحصل 41% على رزقهم من أعمالهم الخاصة، وأفاد 6% بأنه ليس لديهم أمل في العثور على عمل ،و43% من الطلاب و6%من كبار السن. وخلصت الدراسة إلى السبب الرئيسي للانتقال الى ولاية الخرطوم، حيث أفاد 64% أنهم هاجروا بإتجاه العاصمة بحثاً عن العمل، و22% للنزاعات المسلحة، وذكر 7% أنهم هاجروا من قبل لولاية الخرطوم مقارنة بنسبة 3% من المهاجرين حديثاً، وبلغت نسبة الذين ذكروا أن من أسباب هجرتهم جودة التعليم 3%وتحسين الخدمات الصحية و1.3%. عدد سكان الخرطوم شهد تزايداً مضطرداً من 69 ألفا في العام 1907،وقفز الى 467 ألفا في 1983،و947 ألفا في 1993،و2،4 مليون في العام 2010.،حسب التعداد الرسمي لكن الرقم الحقيقي أكبر من ذلك بكثير. وتنوعت التركيبة السكانية للخرطوم نتيجة الهجرات العديدة إليها منذ عهود قديمة،من الجنسيات والقوميات المختلفة التي قدمت ضمن جيوش محمد علي باشا واعداد الموظفين الكبيرة من أصول غير سودانية مثل الأتراك والجركس والأرناؤوط والأغريق والسوريين والمصريين والأرمن والأكراد ،كما وفدت الى الخطوم في العقد الأخير بعد تصدير النفط،عمالة أجنبية شملت الأتراك والصينيين والبنغال،وهاجرت أيضاً جماعات من البلدان الأفريقية لأسباب سياسية واقتصادية ونتبجة لموجات الجفاف في بلدانها مثل اثيوبيا واريتريا وتشاد وزائير و الصومال وغيرها. غير أن ما ينبغي أن يركز عليه صناع القرار وأجهزة الدولة المعنية بالتخطيط هو معالجة الأسباب الموضوعية للهجرات الداخلية من ولايات السودان المختلفة، لأسباب وبالطبع منها الهجرة التقليدية من الريف إلى الحضر لتحسين الوضع الإقتصادي ومستوى الدخل والبحث عن الرفاهية،وتراجع الخدمات بالولايات والتوزيع غير المتكافئ للموارد الطبيعية و التنمية غير المتوازنة وتركزها في العاصمة ومناطق محددة وتدهور الاقتصاد الريفي،والحرب والتوترات في دارفور والنيل الازرق وجنوب كردفان. ثمة ضرورة للتعامل الواقعي مع التطور الديموغرافي الجديد الذي أفرزته الهجرة إلى ولاية الخرطوم والعمل على الاستفادة منه لتعزيز فرص التنمية المستدامة والتعايش السلمي،والتخطيط السليم لترقية الخدمات في الولايات والتنمية المتوازنة،فقد تريفت العاصمة وصارت الولايات طاردة إلا قليلا.