عادت روح الخلاف تُحلق فى سماء دولتي السودان من جديد تحملها تصريحات بعض القادة فى البلدين باستدعاء شيطان التفاصيل الذى طالما أفسد حالات التوافق المتأرجحة بين الخرطوموجوبا فيما تبقى من قضايا عالقة ومعلقة فشلت معها جهود الوسطاء والداعمين للسلام فى وضع حلول ناجعة لفشل المفاوضات المستمر وتخطى توقيع اتفاقيات «الأحرف الأولى» الى تسويات نهائية، وعلى ذات المنوال عادت تصريحات كبير مفاوضى دولة جنوب السودان باقان أموم بخصوص موضوع النفط ليضع العقدة على المنشار فى بقية القضايا العالقة المربوطة بمرور بترول الجنوب واهمها الترتيبات الأمنية، وقطع باقان فى حديثه لقناة «روسيا اليوم» الناطقة بالعربية أمس بتصريحات تناقلتها وكالات الأنباء ومواقع الأخبار ان دولة جنوب السودان ستدفع «1» دولار امريكى فقط عن كل برميل نفط يمر عبر الاراضى السودانية اضافة الى رسوم الأنابيب. وأثارت تصريحات باقان ردود افعال متباينة فى البلدين حيث وجدت ترحيباً وارتياحاً كبيراً فى الشارع الجنوبى بينما أثارت موجة من السخط فى الخرطوم فى أوساط عديدة بعد ان ترسخ فى أذهان الكثيرين ان الخرطوم تنازلت لجوبا من «36» دولارا للبرميل الى «11» دولارا، ومن ثم يأتي باقان ليؤكد ان سعر العمليات المتعلقة بنقل البرميل الذي ستتقاضاه الخرطوم دولار واحد فقط. عدد من المراقبين وصفوا تصريحات باقان بغير الموفقة خاصة فى هذا التوقيت الذى يتزامن مع وصول وزير الدفاع بدولة جنوب السودان على رأس وفد رفيع الى الخرطوم للانخراط في اجتماعات اللجنة السياسية الأمنية المشتركة مساء اليوم لبحث تحديد المنطقة العازلة ونقاط المراقبة وتسمية أعضاء اللجان الفنية لمراقبة الحدود وتنفيذ الاتفاقيات كحزمة واحدة من بينها اتفاق النفط ، لاشك ان مثل هذه التصريحات فى ظل علاقات هشة بين البلدين تتصاعد بين العداء والصفاء، والمفاوضات والحرب، والتقدم فى طريق الحلول ومن ثم نسف ماتم التوصل اليه على طريقة «السلم والثعبان» تؤثر فى استقرار البلدين وتُدع الجهود تبذل فى دائرة مفرغة دون الوصول الى حلول حقيقية، وفى هذا الواقع المعتم ثمة أسئلة ملحة تطرح نفسها خاصة فيما يتعلق باتفاق النفط الذى تلفه الضبابية وعدم الوضوح فى كثير من التفاصيل والتعقيد المريب الذى يظهر من خلال تصريحات قادة البلدين فيما يتعلق بالسعر الحقيقي المتفق عليه لعبور النفط، مع ان الاتفاق الأخير فى اديس ابابا نص على تحديد «9» دولارات للبرميل الواحد القادم من منطقة اعالى النيل، و»11» دولارا للبترول القادم من حقول الوحدة من دولة جنوب السودان، هذا بالاضافة الى تعويض السودان عن خسائر الانفصال، الا ان حديث باقان اعاد الطرفين الى المربع الاول بتحديد دولار واحد فقط للبرميل، بالاضافة الى رسوم الأنابيب المبهمة المرهونة بالسعر العالمى غير المحدد، والسؤال هل دولار باقان يدخل ضمن الرسوم العالمية؟ وماهو مجموع الرسوم وهل يساوى السعر الذى حددته الخرطوم؟ والى اي مدى سيؤثر ملف النفط على بقية الملفات الأخرى خاصة الملف الأمنى المطروح حالياً على طاولة النقاش بالخرطوم؟ الخبير الاقتصادى الدكتور محمد الناير فى حديث ل»الصحافة» عبر الهاتف أمس فند حديث كبير مفاوضي دولة جنوب السودان ووصفه بأنه مجرد حديث سياسى مقصود به التأثير فى الشارع الجنوبي الذى تم شحنه بصورة كبيرة فيما يتعلق بملف النفط بعد ان تم وصف السعر الذى حددته الخرطوم فى السابق ب «السرقة وضح النهار»، وقال الناير ان ملف النفط تم حسمه تماماً بين البلدين بموجب الاتفاقيات التى تم توقيعها مؤخراً فى اديس ابابا وان تصريحات باقان لا تعنى شيئا فى وجود الاتفاق الذى وافق عليه البلدين، وفصل النائر رسوم عبور نفط الجنوب عبر الشمال واوضح انه بحسب الاتفاق يحصل السودان على «9» دولارات مقابل البرميل الواحد للبترول القادم من منطقة اعالى النيل و»11» دولارا للبرميل الواحد القادم من حقول ولاية الوحدة. وأضاف ان رسوم العبور ليست خلافية وتشمل النقل والعبور ورسوم المعالجة ورسوم الميناء، واوضح ان مجموع رسوم البترول بالاضافة الى تعويض خسائر الانفصال يصل الى «25» دولارا للبرميل الواحد، واكد النائر ان هذه الاتفاق يسرى الى ثلاث سنوات حتى انتهاء فترة التعويض التى تمتد الى ثلاث سنوات بعدها يرجع السعر الى «9» دولارات لنفط اعالى النيل و»11» لبترول الوحدة، وعندها الخيار مفتوح لدولة جنوب السودان اما ان تستمر بهذا السعر او تبحث عن منفذ آخر لتصدير بترولها. واوضح النائر ان نفط الجنوب زائد التعويض اذا تم تنفيذه يحقق للسودان اكثر من «2,5» مليار دولار خلال الثلاث سنوات المتفق عليها بحسب اتفاقية اديس ابابا الأخيرة، وأشار الخبير الاقتصادى الى ان نسبة «1» دولار التى حددها باقان موجوده اصلاً ضمن رسوم العبور. فى ذات الاتجاه يمضى المحلل السياسى الدكتور حسن الساعورى فى حديث ل»الصحافة» عبر الهاتف أمس ان تصريحات باقان سياسية محضة تخالف الاتفاق الذى تم توقيعه بين دولتي السودان فى أديس ابابا فيما يخص ملف النفط، وان كان كبير مفاوضى دولة جنوب السودان بحديثه يقصد رفع سقف المفاوضات فيما يتعلق بالملف الأمنى المربوط بعبور النفط الذى حددته الخرطوم وانه لايمكن عبور نفط دولة جنوب السودان عبر اراضيها دون تسوية الملف الأمنى المعقد بقضية فك الارتباط بين جوبا والجيش الشعبى للحركة الشعبية قطاع الشمال، وقال الساعورى ان قضية النفط سجل اقتصادى محسوم بين حكومتى البلدين، واعتبر تصريحات باقان بأنها تحمل رائحة مساومة فى الملف الأمنى المربوط بالنفط وقال «ربما السعر الذى حدده باقان بدولار واحد لعبور البرميل يصبح مقابل فك الارتباط الذى قطعت جوبا باستحالته، او قبول الخرطوم بالسعر المتفق عليه دون التمسك بقضية فك الارتباط»، واوضح الساعوري ان اى عرقلة فى ملف النفط تنعكس بدورها بصورة مباشرة على بقية الملفات الأخرى ربما تؤدى الى نسف الاتفاقيات الموقعة بين البلدين وتعطل جهود اللجنة السياسية الأمنية المشتركة بين البلدين والتى ستنعقد اليوم بالخرطوم بحضور وزير دفاع دولة جنوب السودان ومساعديه.